أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مع الإمام الخامنئي دام ظله: المجتمع الأخلاقي‏


إنَّ على مجتمعنا على مستوى الفرد والجماعة أن يقترب يوماً بعد الآخر من الأمر الذي من أجله شمّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن ساعده، وسعى وجاهد من أجله. لا يمكن لنا أن ندرج الأهداف السامية لرسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم في جملة واحدة، إلا أننا نستطيع أن نجعل بعض عناوينها قدوةً لأعمالنا، في غضون سنة أو عقد أو على مدى سني العمر. إنَّ أحد هذه العناوين هو عبارة عن إتمام مكارم الأخلاق: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"(1).

* الفضائل الأخلاقية في المجتمع‏
إنَّ المجتمع الذي لا يتعامل أفراده بالأخلاق الحسنة، لا يمكن له بلوغ الأهداف السامية لبعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنَّ الأخلاق الحسنة هي التي توصل الإنسان إلى المقامات الإنسانية العالية. ولا يقتصر معنى هذه الأخلاق على إظهارها عند التعامل مع الناس وحسب، بل يتعدى إلى تنمية الصفات الحسنة والأخلاق الفاضلة في قلوبنا وأرواحنا وترجمتها على مستوى أعمالنا. وإنَّ المجتمع الذي يُبتلى أفراده بالتحاسد، والعداوة، والخداع، والحرص على الدنيا والبخل بمالها، والتحاقد، لا يمكن له أن ينال السعادة، ويصل إلى مستوى المجتمع الإنساني المطلوب، حتى وإن طُبّق فيه القانون بصورة دقيقة، أو تقدم من الناحية العلمية ووصلت به الحضارة الظاهرية إلى منتهى ذروتها.

إنَّ المجتمع الذي لا يأمن أفراده بعضهم البعض، ويكون كل فرد فيه مَعْرِضاً للحسد وللضغينة والحقد والمؤامرات والطمع بما يملك من قِبَل الآخرين، لا يشعر بطعم الراحة. أمّا إذا كانت الفضائل الأخلاقية في المجتمع حاكمة على قلوب وأرواح الأفراد، وتعاطف الناس بعضهم مع البعض الآخر، وتحلّوا بروح الصفح والعفو والتسامح، ولم يحرصوا على مال الدنيا، أو يبخلوا بما يملكون، ولم يتحاسدوا فيما بينهم، ولم يتبع بعضهم عثرات البعض، وتجمّلوا بالصبر والسماحة؛ فإنّ ذلك سيؤدي إلى أن يشعر أفراده بالطمأنينة والراحة والسعادة وإن لم يكن متقدماً تقدماً كبيراً على الصعيد المادي هذه هي النتيجة المتوخاة من الأخلاق، وهذا ما نحن بحاجة إليه؛ لذا، علينا أن ننمّي الأخلاق الإسلامية في قلوبنا يوماً بعد الآخر. فمما لا شك فيه، أنَّ قانون الإسلام الشخصي والاجتماعي هو وسيلة لسعادة البشر؛ إذا ما طُبّق في المكان الذي خُصص له، إلا أنَّ تطبيق هذه القوانين يحتاج إلى الأخلاق الحسنة أيضاً.

* كيفية ترسيخ الأخلاق‏
إننَّا نحتاج إلى أمرين من أجل ترسيخ الأخلاق في المجتمع: أحدهما التمرين والمجاهدة من قِبَلنا، والآخر الدروس الأخلاقية التي لا بد أن يتلقاها المجتمع بجميع طبقاته، من قِبَل المؤسسات المتكفّلة بالقيام بهذه المهام، كوزارة التربية والتعليم، والمؤسسات التربوية والتعليمية الأخرى. هذا جانب من الوظائف التي يجب أن نلتزم بها، والتي تتمثل في تحلّينا بالإيمان والإسلام، والتحاقنا بأتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على مستوى الأخلاق الفاضلة فيه. ينبغي لنا أن نجعل فهرساً خاصاً لإدراج الصفات الرذيلة والقبيحة، ومن ثَمَّ عرضها على سلوكنا وأخلاقنا للتعرّف على وجود شي‏ء منها في نفوسنا أم لا، والعمل على إزالة الموجود منها، وكذلك إعداد فهرس آخر للصفات الحسنة، والسعي للحصول عليها من خلال التربية والتعليم.

من الطبيعي أنَّ الأمر الذي يقود للتقدم في هذا المجال هو المحبة، المحبة لله ولرسوله، والمحبة لحَمَلة الأخلاق ومعلميها أي الرسل والأئمة المعصومين عليهم السلام هذه المحبة هي التي تجعل الإنسان يتقدم بسرعة في هذا الطريق. وينبغي لنا أن نعمّق هذا الحبّ في أنفسنا يوماً بعد آخر، "اللهم ارزقني حبّك وحبّ من يحبّك وحبّ كلّ عمل يوصلني إلى قربك"(2). علينا أن ننمّي في قلوبنا حبّ الله، وحبّ أحباء الله، وحبّ الأعمال التي يحبها الله تعالى، فهذا جانب من تعليمات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

* الاستقامة والثبات‏
الجانب الآخر من المسألة هو الاستقامة والثبات، يقول الله تعالى لرسوله في سورة هود: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا (هود: 112). وجاء في رواية عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "شيّبتني سورة هود"؛ أي شيّبتني سورة هود نتيجة ثقل الأمر الذي تحمله في آية من آياتها، وروي أنَّ المراد هو هذه الآية ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْت. لماذا شيّبت هذه الآية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ لأنَّ الله تعالى يقول في هذه الآية: عليك بالاستقامة والثبات والتحلّي بالصبر في هذا الطريق كما أمرناك.

إنَّ هذه الإستقامة عمل شاق، إنها الصراط؛ أي حبل الصراط، الذي ضُرِب لنا مثله في يوم القيامة، وهو حقيقة عملنا وسلوكنا في الدنيا. نحن الآن نعبر على حبل الصراط، فعلينا أن نتوخّى الحذر والدقة. ولو أن إنساناً أراد أن يُطبّق هذه الدقة على جميع سلوكه؛ فسوف يشيب بسببها، إلا أنَّ الأهم من ذلك كما أظن هو العبارة التالية: ومن تاب معك، فليس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحده مأمور بالاستقامة، بل عليه أن يهدي جمعاً كبيراً من المؤمنين إلى الاستقامة في هذا الطريق.

إنَّ الأفراد الذين يكونون عُرضةً للهجوم من قبل آفات الحياة ومفاسدها كالأعداء والمتآمرين والظلَمة وقوى التسلط من جهة ومن قبل أهوائهم النفسية (الرغبات النفسية والقلوب التي تستميلها زخارف وبهارج الدنيا، وتنجر وراءها) من جهة أخرى سوف ينحرفون يميناً أو يساراً عن جادة الإستقامة. وإنَّ كلاً من حبِّ الذهب والفضة والأموال والرغبات الجنسية والرئاسة وغيرها، يمثل أحبولةً تلقى في قلب الإنسان لينجر وراءها. وإنَّ المقاومة والثبات للحيلولة دون أن تنزلق قدم الإنسان نحو ذلك، هو المراد من عبارة ﴿وَمَنْ تَابَ مَعَكَ. إنَّ المؤمنين يقعون تحت تأثير هذين المؤثرين القويين: ضغط العدو، والضغط الداخلي للقلب المصاب بالهَوَس. وأغلب الظن، أنَّ ما شيّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو همّ هداية هؤلاء المؤمنين نحو الصراط المستقيم، والمحافظة عليه مع تأثير هاتين القوتين الجاذبتين.

ألا تعلمون أنَّه برغم كثرة المخاطر والصعاب، استطاع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن يتجاوز بالمسلمين سواءً في العهد المكي الذي دام ثلاث عشرة سنة، أو في عهد تأسيس الدولة في المدينة المنورة وأن يوصلهم الى القمم الشامخة؟ إنَّ مثل هذه النهضة العظيمة لم يكن بمقدور أي إنسان أن يقوم بها، إلا أنَّه مع ذلك، استطاع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القيام بتغيير أفراد ذلك المجتمع الذي لم يكن يفقه شيئاً، ولم يتذوّق طعماً للأخلاق الإنسانية إلى أشخاص تتصاغر أمام عظمتهم ونورانيتهم ملائكة السماء، هذه هي الاستقامة التي نحتاجها اليوم.


(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏16، ص‏210.
(2) ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج‏4، ص‏2797.
(3) التوبة: 7.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

واسط . الكوت العراق

محمد الهندي

2021-12-27 20:54:25

اللهم احفظه واحرسه بعينك التى لا تنام