الشيخ علي حجازي
* لا مبالاة بعض المؤمنين:
يعيش كثير من المؤمنين حال اللامبالاة بحرمة بعض المآكل عند تناولها من بعض المطاعم والأفران ومحلاّت اللحوم. بل إن البعض لا يعيش حتّى القليل من التدقيق. فالأكل شهيّ، والمطعم مشهور، والإعلان عنه جميل، وهو موجود في مناطق يسكن فيها مؤمنون، ويتردّد عليه الكثير منهم، فلماذا التدقيق؟! بل ولماذا السؤال؟ ولماذا الاهتمام؟ فلنأكل ولنستمتع!!! ولا ريب في أنّ بعض هذه المآكل محرّم، ويحتاج الأمر إلى فهم الحكم الشرعيّ بشكل جيّد، وإلى تفكير بتنمية الأخلاق الفاضلة من خلال السؤال، ولا نقف عند التقليد الأعمى لبعض المؤمنين الذين يتردّدون إلى هكذا أمكنة. وهنا محاولة صغيرة على طريق الحلّ.
* المطاعم التي يملكها غير المسلمين:
يشترط في حلّيّة أكل اللحم أن يكون مذبوحاً بطريقة خاصّة على يد مسلم. فإذا كان صاحب المطعم أو الفرن أو محلّ اللحم غير مسلم، أو كان يشتري اللحوم من غير المسلمين يكون بيع اللحم وشراؤه للأكل وأكله حراماً شرعاً. وأمّا إذا اطمأنّ المكلّف إلى أنّ مصدر اللحوم من المسلمين، جاز التناول. وعلى سبيل المثال لا الحصر توجد مطاعم في أماكن يقطن فيها مؤمنون وهي ذات اسم عالمي مملوكة من قبل شركات أجنبية عالمية، فلا يجوز تناول اللحوم (من بقر أو غنم أو دجاج أو نحو ذلك) منها إلاّ مع الاطمئنان إلى شرعيّتها، فالأصل عدم الجواز؛ وذلك لأنّ اللحم من مطعم غير المسلمين لا يجوز الأكل منه في الأصل، ولو كان هذا المطعم يأتي باللحم من أمريكا مثلاً ومن مسلمين فيكون اللحم مختلطاً، لا يتميّز الحلال منه عن الحرام، فيكون جميعه حراماً.
وقد يضع أحد هذه المطاعم ورقة تثبت شرعيّة هذه اللحوم، وتكون موقّعة من جهة شرعيّة، وهذا لا يكفي، بل لا بدّ من تحصيل الاطمئنان إلى أنّ هذه الجهة تتابع دخول جميع اللحوم إلى المطعم والمستهلك بدون استثناء. فلو مرّ غرام من اللحم بدون مراقبة تسقط الحلّيّة، فمع اختلاط غرام من الحرام مع كيلو غرام أو أكثر من الحلال حرم الجميع. فعلى الجهة الشرعيّة أن تراقب ذبح جميع الحيوانات، ثمّ تراقب التعليب، مع ختم خاص، ثمّ تراقب التخزين والتبريد، والوصول إلى المطعم، ثمّ إلى الزبون، وعلى الجهة الشرعيّة أن تتأكد من عدم دخول أيّ لحم آخر إلى المطعم. فإذا لم يحصل الاطمئنان إلى هذا الأمر، حرم الأكل من هذا المطعم، حتّى لو كان في قلب المناطق التي يقطنها المؤمنون، لأن أصحاب هذا المطعم ليسوا من المسلمين.
* المطاعم التي يملكها مسلمون:
إذا كان اللحم من مطعم أو فرن أو محلّ لحم لمسلم، ففيه صور ثلاث:
الأولى: إذا علم المكلّف بأنّ اللحم مزكى جاز أكله.
الثانية: إذا علم المكلّف بأنّ اللحم لم يُزكَّ، حرم أكله.
الثالثة: إذا شكّ في ذلك جاز أكله.
ولكن، يعلم بعض المؤمنين أنّ الكثير (بدون مبالغة) من المطاعم ومحلاّت اللحوم في مناطق المؤمنين تأتي باللحوم غير الشرعيّة. من هنا، أنصح الإخوة والأخوات بعدم الشراء إلاّ من مكان مأمون، نطمئّن إلى شرعيّة لحومه؛ وذلك حتّى لا نقع في الحرام الواقعي، وإن كان ذلك جائزاً في نفسه مع الشكّ. فهناك مطاعم ومحلاّت لحوم تستورد من الهند لأجل الشاورما مثلاً بحجّة أنّ الهندوس لا يذبحون، فينحصر الذبح بالمسلمين. وهذا الأمر غير شرعيّ وغير مبرّر لجواز الأكل، ولم يوافق الفقهاء على ذلك، فهذا غير حجّة. فبمجرّد أن نعلم أنّ اللحوم من الهند لا يجوز أكلها، حتّى لو كانت في مطعم مشهور، إلاّ إذا حصل الاطمئنان إلى أنّ اللحم يذبحه مسلمون، وذلك من جهة دينيّة شرعيّة متابعة موثوقة.
وهناك لحوم تستورد من البرازيل، لا يجوز في الأصل أكلها، إلاّ إذا حصل الاطمئنان إلى شرعيّتها من جهة دينيّة موثوقة ومتابعة، ومع عدم الاطمئنان إلى ذلك لا يجوز الأكل. فلنتّقِ الله سبحانه وتعالى في ما نأكل ونشرب، ولا تغتروّا بلذّة طعام أو شراب، فالله تعالى أحقّ أن نتّبع. وهناك مطاعم يذبح المسلمون فيها الفرّوج، ولكن عند الضغط الشديد يشترون من عند غير المسلمين، وهذا حرام، وعلينا مقاطعة هكذا مطاعم.
* الأسماك (ومنها القريدس):
يجوز أكل السمك إذا كان له فلس، وإذا أُخذ من الماء حيّاً ثمّ مات خارج الماء. فكلّ سمكة ماتت داخل الماء تكون محرّمة الأكل، حتّى لو كان موتها في الشبكة وما شابه. وإذا مات بعض السمك في الماء وبعضه الآخر مات خارج الماء، حرم أكل ما مات داخل الماء، وجاز أكل ما مات خارج الماء، ولو اختلط السمك الحلال بالسمك الحرام حرم أكل الجميع. ولو كان السمك من المسلمين ولم نعرف كيف مات، جاز أكله. وأمّا لو كان مستودراً من عند غير المسلمين، فلا يجوز أكله إلاّ إذا حصل لدى المكلّف علم بأنّ السمك مات خارج الماء، ولو لم يعلم ذلك حرم أكله. ومن أمثلة ذلك سمك التونا، فإن كان من غير المسلمين، لا يجوز أكله إلاّ إذا علم المكلّف نفسه بأنّ سمك التونا مات خارج الماء، فإن لم يعلم ذلك حرم عليه أكله حتّى لو أكله أكثر المؤمنين. فاحذروا وانتبهوا.
* زيت السمك:
توجد في بعض (الصيدليّات) وبعض المحلاّت زيوت مصدرها السمك، وهذه الزيوت قسمان: الأوّل: أن تكون من أسماك ليس لها فلس، فتكون الزيوت محرّمة التناول إلاّ عند الضرورة. الثاني: أن تكون من أسماك لها فلس، فيجوز تناولها بشرط إثبات شرعيّة صيد السمك. والملاحظ أنّ بعض زيت السمك من سمك القرش، وهذا لم يثبت بعد (لديّ) أنّ له فلساً، ومع الشكّ في وجود الفلس يحرم أكله، إلاّ عند الضرورة.
* الخبز:
بعض الأفران (وبعضها لمسلمين) يعتمد على مواد حيوانيّة من أسواق غير المسلمين، ويتمّ وضع هذه الموادّ لتحقيق الانتفاخ المناسب للخبز، وهذا حرام أكله. وليعلم صاحب الفرن أنّ ما يقبضه من مال ثمناً لهذا الخبز هو من السحت، وآكله كآكل النار، فاحذروا من غضب الله الجبّار.
* نصيحة:
أيّها المؤمنون والمؤمنات، إنّ أمامكم عقبة صعبة، لا يجوزها إلاّ المتّقون، ولا يمكن حصول التقوى لآكل الحرام، فاعلموا من أين تأكلون؛ حتّى لا تقعوا في الحرام الواقعيّ. وكلّ بائع طعام إن لم يقتصر على المآكل الشرعيّة فقاطعوه، وأبلغوا إخوانكم بذلك، واتّقوا الله.