أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مع القائد: الغدير أعظم مناسبة للوحدة بين المسلمين‏


نبارك لكم عيد الغدير السعيد، الذي ورد التعبير عنه في أحاديثنا بأنه (عيد الله الأكبر). إنّ قضية (الغدير) ليست قضية تاريخية بحتة، بل إنها ملمح من ملامح الجامعية الإسلامية. وإذا ما افترضنا أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك للأمة منهاجاً لبناء مستقبلها بعد عشر سنوات أمضاها في تحويل ذلك المجتمع البدائي الملوث بالعصبيات والخرافات إلى مجتمع إسلامي راقٍ، بفضل سعيه الدؤوب، وما بذله أصحابه الأوفياء من جهود، لظلّت كل تلك الإنجازات مبتورة وبلا جدوى.

* خارطة الطريق‏
لقد كانت تراكمات العصبية الجاهلية على قدر عظيم من العمق، بحيث إنها كانت بحاجة إلى سنوات طويلة للتغلّب عليها والتخلّص منها. لقد كان كل شي‏ء على ما يرام على ما يبدو، وكان إيمان الناس حسناً، حتى ولو لم يكونوا على مستوى واحد من العقيدة، فبعضهم كان قد اعتنق الإسلام قبل وفاة الرسول الأكرم بعام واحد أو ستة أشهر أو عامين، وذلك بفضل هيمنة البُنية العسكرية التي أسّسها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع ما رافقها من حلاوة الإسلام وجاذبيته. إنهم لم يكونوا جميعاً من طراز المسلمين الأوائل؛ ولهذا فقد كان من الضروري اتخاذ ما يلزم من التدابير، بغية إزالة تلك التراكمات الجاهلية من أعماق المجتمع الجديد، والحفاظ على خط الهداية الإسلامية سليماً وممتداً بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، بحيث إنّ جهوده الجبارة خلال تلك السنوات العشر ستبقى بلا ثمار إذا لم يتمّ اتخاذ تلك التدابير.

وهذا ما صرّحت به الآية المباركة من سورة المائدة، وهي قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي (سورة المائدة: 3) فهذه إشارة إلى أنّ هذه النعمة هي نعمة الإسلام ونعمة الهداية ونعمة إرشاد العالمين جميعاً إلى الصراط المستقيم. وهذا ما لا يمكن أن يتم بلا خارطة للطريق بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا أمر طبيعي.

* حقيقة الغدير
هذا هو عين ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغدير، حيث نصَّب للولاية خليفة ممتازاً لا نظير له وهو أمير المؤمنين عليه السلام؛ لِمْا كان يتمتع به من شخصية إيمانية فريدة، وأخلاق سامية حميدة، وروح ثورية وعسكرية متميّزة، وسلوك راقٍ مع جميع الناس، وقد بايعه المسلمون على الولاية بأمر من نبيّهم صلى الله عليه وآله وسلم. ولم يكن هذا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل كان هداية ربّانية، وأمراً إلهياً، وتنصيباً من الله تعالى، كما هو شأن أقوال وأفعال الرسولصلى الله عليه وآله وسلم كافة التي كانت وحياً إلهياً، وهو الذي لا ينطق عن الهوى.

لقد كان هذا أمراً إلهياً صريحاً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقام بتنفيذه وإطاعته. وهذه هي قضية الغدير، أي بيان جامعية الإسلام وشموليته، والتطلّع إلى المستقبل؛ وذلك الأمر الذي لا تتمّ هداية الأمة الإسلامية وزعامتها إلاّ به. فما هو ذلك الأمر؟ إنها تلك الأشياء التي تجسّدها شخصية أمير المؤمنين، أي التقوى والتديّن والرسوخ في الإيمان، وعدم التوكل إلاّ على الله، وعدم السير إلاّ في سبيله، والجِد والاجتهاد في طريق الحق، والاتّصاف بالعلم، والتميّز بالعقل والتدبير، والتمتع بقدرة العزم والإرادة. إنه عمل واقعي ونموذجي في نفس الوقت. لقد نُصّب أمير المؤمنين عليه السلام لاتصافه بتلك الخصوصيات، التي باتت لازمة في كل زعيم للأمة الإسلامية أيّاً كان مدى الدهر، أي أنّ هذا هو النموذج الأمثل للقائد الإسلامي إلى الأبد؛ وهو ما تجسّد في الإصطفاء الإلهي لأمير المؤمنين عليه السلام. والغدير هو هذه الحقيقة.

* بين القبول والرفض‏
إننا نحن الشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام نشكر الله تعالى آلاف المرّات على أن فتح عيوننا على هذه الحقيقة وجعلها راسخة في قلوبنا، وخصّنا بالميلاد والعيش في مجتمعات تعمّقت فيها تلك الحقيقة المطلقة، وهذه من النِعَم الكبرى. إنّ من الضروري لأتباع أهل البيت عليهم السلام وللمسلمين كافة فضلاً عن ذلك ألاّ نتخذ من حادثة الغدير أداة لإضعاف الإسلام، وهي التي تدلّ على عظمة الإسلام وجامعيته. إنّ من واجبي شخصياً أن أُلفت انتباه جميع المسلمين في أصقاع العالم كافة إلى أنّ الأعداء يفتّشون اليوم عن مثل هذه القضايا، والتي تمثّل منشأ عظمة الإسلام؛ بغية استغلالها لضرب الإسلام، أي مسألة الشيعة والسنة، والقبول بالغدير أو إنكاره.

إنّ الأعداء يأملون في أن تكون قضية الغدير سبباً في تناحر الأشقّاء وإشعال فتيل الحرب والخصومة فيما بينهم، في حين أنّ الغدير يمكن أن يكون وسيلة للتآلف والتآخي بين المسلمين. لقد كتب المرحوم الشهيد المطهري رضوان الله عليه مقالاً مطوّلاً ومعمّقاً قبل قيام الثورة حول كتاب (الغدير) للعلاّمة الأميني، وأثبت أنّ هذا الكتاب وسيلة لوحدة المسلمين. وبمقدور الأخوة من أهل السنة أن يراجعوا مصادر الغدير بعقلية حيادية وبلا أحكام مسبقة، وحينئذ لهم حق القبول أو الرفض.

وفي كلتا الحالتين، القبول أو الرفض، فمن المسلّم به أنّ قضية الغدير لن تؤدي إلى احتراب أو خصومة أو خلاف على الإطلاق بين من يقبلون ومن يرفضون. بالنسبة للشيعة،عليهم أن يحمدوا الله تعالى على أن منّ عليهم بنعمة معرفة الحقيقة والاعتقاد بأصل الغدير. وأما الأخوة الذين لم يقبلوا بهذه الحقيقة، أو لم يراجعوا مصادرها، أو لم يطّلعوا عليها، أو لم يستطيعوا إقناع أنفسهم بها، فلا بأس من عدم اعتقادهم؛ وهذا ليس من شأنه أن يسبّب الفرقة والاختلاف.

* الصحوة رصيد المسلمين‏
إنّ الاستكبار يبذل جهوداً حثيثة اليوم، ويعمل بكل جد وإصرار من أجل إيجاد الفرقة في العالم الإسلامي. لقد ذهب مذاهب شتّى فلم يحصد سوى الفشل الذريع. ولذلك فإنهم يبحثون عن أساليب أخرى ويفتّشون عن أدوات جديدة، ولم يعد أمامهم سوى بضع طرق لمحاولة القضاء على الصحوة الإسلامية وفي مقدمة هذه الطرق إثارة النعرة المذهبية بين الشيعة والسنة. إنّ أيادي السياسة لا تتوقف عن العمل والحركة، ومن واجبنا جميعاً أن نعمل على إحباط هذه المؤامرة الاستكبارية.

إنّ علينا جميعاً أن نكون على حذر، سواء منّا أبناء الشعب أو النخبة أو المبلّغون أو علماء الدين المناضلون، ولا بدّ من تجنّب أي حركة من شأنها خدمة هذه المؤامرة العدائية. إنّ على المجتمع الشيعي أن يواصل طريقه برسوخ وثبات، ونحن لن نتخلّى أبداً عن القول (الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين) فنحن ملتزمون بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بكل قوة وحزم وهي نعمة إلهية كبرى ولكننا في نفس الوقت لا نضمر العداء لمن لم يتمسّك بهذا الحبل المتين. وهذا أيضاً هو واجب المجتمع السنّي، فعلى الأخوة من أهل السنة أن يعلموا بأن الأعداء يخططون ويتآمرون من أجل إيجاد الفرقة والاختلاف والعصبية والتناحر والإقتتال بين الأشقّاء، وهم لا يقنعون بأقل من ذلك، ولا يرضون سواه.

إنّ الصحوة الإسلامية والانطلاق نحو تحقيق القيم الإسلامية الرفيعة يتحلّيان اليوم بروح جديدة. إنّ المسلمين في أرجاء المعمورة كافة، ولاسيّما الشباب والمتعلّمين والجامعيين والمثقفين، قد زاد ميلهم للإسلام وتطبيق الشريعة والمبادئ الإسلامية، ولا توجد أدنى مقارنة بين وضع المسلمين اليوم ووضعهم قبل ثلاثين أو أربعين عاماً. لقد اندلعت شرارة الصحوة الإسلامية؛ ولأنهم يخشونها فإنهم يخططون للقضاء عليها. فلا تدعوهم يحققوا هدفهم بوأد هذه الصحوة الإسلامية وهذه النهضة الشاملة في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وعندما يشتدّ الجدل بين الطائفتين ويتّسم بالحدّة والتعصب، فلن يبقى مكان للمنطق، ولن يجد الكلام المنطقي طريقه لآذان صاغية. فلا تدعوا الأوضاع تنزلق إلى حافّة الهاوية، وعلى المثقفين والعلماء بوجه خاص أن يقدّموا الموعظة والنصيحة مؤكدين على أنّ هدفنا هو الوحدة والاتحاد. وكذلك هم السياسيون، فعلى قادة ورؤساء البلدان الإسلامية أن يعلموا أنّ قوّتهم من قوة الإسلام وعزّته.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع