مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

عيد اللَّه الأكبر: لو عرف النّاس فضله لصافحتهم الملائكة

مريم محمود

 



روي أنه سئل الصادق عليه السلام: "هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال عليه السلام: نعم، أعظمها حرمة. قال الراوي: وأي عيد هو؟ قال عليه السلام: اليوم الذي نصب فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجة"(1). وعن الإمام الرضا عليه السلام: "واللَّه لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات"(2).

* واقعة الغدير
لما انتهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مراسيم حجته الأخيرة التي عُرفت بحجة الوداع، غادر مكة قاصداً يثرب، بعد أن بيَّن للناس البنود المشرقة من تعاليم الإسلام ونصب القادة من أهل بيته عليهم السلام. ولما وصل موكبه المقدس غدير خم، هبط عليه أمين وحي اللَّه حاملاً معه رسالة من السماء تأمره بأن يحط رحله ليقوم بأداء المهمة التي أوكلت إليه وهي تنصيب الإمام علي عليه السلام خليفة ومرجعاً للأمة من بعده، بناءً على قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: 67). لذا، انبرى صلى الله عليه وآله وسلم بعزيمة راسخة وإرادة صلبة إلى تنفيذ أوامر السماء، فوضع عب‏ء السفر وحط رحله وأمر الناس أن تفعل مثل ذلك. وقد أمر صلى الله عليه وآله وسلم أن توضع أقتاب الإبل لتكون منبراً له ففعلوا ذلك، فاعتلى عليها ليسمعوا ما يقول.
قال لهم: "أنظروا كيف تخلفوني في الثقلين".
فناداه مناد من القوم: "ما الثقلان يا رسول اللَّه"؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "الثقل الأكبر كتاب اللَّه، طرف بيد اللَّه عزَّ وجلَّ، وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض...".
بعد ذلك، أخذ بيد باب مدينة علمه الإمام علي عليه السلام ليعلن ولايته على الناس جميعاً، وقد رفع يد الإمام عليه السلام حتى بان بياض إبطيهما، ونظر إليهما جميع الناس، فرفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صوته قائلاً: "يا أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: اللَّه ورسوله أعلم". فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن اللَّه مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم. فمن كنت مولاه فعلي مولاه" ردد ذلك ثلاثاً أو أكثر(3). وبمناسبة تتويج أمير المؤمنين عليه السلام وتنصيبه خليفة للأمة من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قال حسان بن ثابت: يا رسول اللَّه أقول في علي شعراً؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إفعل، فقال:

 

يناديهم يوم الغدير نبيهم‏

بخُمٍّ وأسمع بالنبي مناديا

وقد جاءه جبريل عن أمر ربه‏

بأنك معصوم فلا تك وانيا

وبلغهم ما أنزل اللَّه بهم‏

إليك ولا تخشَ هناك الأعاديا

فقام إذ ذاك رافع كفه‏

بكف علي معلن الصوت عاليا

فقال: فمن مولاكم ووليكم؟

فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميا:

إلهك مولانا وأنت ولينا

ولن تجدنّ فينا لك اليوم عاصيا

فقال له: قم يا علي فإنني‏

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه‏

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا: اللهم وال وليّه‏

وكن للذي عادى علياً معاديا(4)


* أهمية عيد الغدير
مناسبة عيد الغدير كانت ولا تزال ذات أهمية عظيمة عند اللَّه تعالى وعند رسوله وأهل البيت عليهم السلام وبقية المسلمين. أما الأهمية عند اللَّه تعالى، فهو يوم توّج اللَّه فيه علياً بالخلافة والولاية ونزل جبرائيل من عند اللَّه مهنئاً الرسول الأعظم بالتتويج بقوله عز من قائل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (المائدة: 3).

* زيارة يوم الغدير
إن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام رأس الإيمان وزمام الإسلام، وشفاء الصدور، وهدى من الضلال ونعمة لا ترتقي إليها نعمة وأمان من غضب اللَّه. روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال لابن أبي نصر: "يابن أبي نصر، أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين عليه السلام، فإن اللَّه تعالى يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة الفطر"(5).

* موقع الولاية في السير والسلوك‏
إن الولاية هي قلب السلوك النابض، وهي من الأسس التي ما نودي بشي‏ء مثلما نودي بها وعلى قطبها يدور قبول الأعمال. وبالاستقامة عليها نطق الكتاب الكريم كما جاء عن مولانا الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (الجن: 16) قال عليه السلام: يعني: لو استقاموا على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام والأوصياء من ولده وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم يقول عليه السلام: "لأشربنا قلوبهم الإيمان"(6). فلما كانت معرفة اللَّه الغاية القصوى من السلوك ولا يمكن بلوغها دون معرفة الولي ، فإن السالك دونها ضال وإن بلغ من المجاهدات ما بلغ، حيث يقول الباقر عليه السلام: "كل من دان اللَّه بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له، فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير واللَّه شانئ لأعماله"(7).

* خاتمة
إن عيد الغدير هو من أهم الأعياد الإسلامية على الإطلاق وهو عيد الولاية وعيد الارتباط الأصيل برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم. من هنا، لا بد لكل إنسان أن يحيي هذه الذكرى، والإحياء يكون بإظهار معاني هذا العيد والتعرف على أبعاده والقيام بسننه وآدابه وتآخي المؤمنين فيه يساهم بتحقيق وحدة الأمة.


(1) مفاتيح الجنان، ص‏342.
(2) مفاتيح الجنان، ص‏343.
(3) السيد محمد كاظم القزويني، الإمام علي عليه السلام من المهد إلى اللحد، ص 204.
(4) السيد محمد كاظم القزويني الإمام علي عليه السلام من المهد إلى اللحد، ص‏209.
(5) مفاتيح الجنان: ص‏431.
(6) تفسير كنز الدقائق، ج‏13، ص‏481.
(7) بحار الأنوار، ج‏23، ص‏88.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع