أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

تصوير واقعة الغدير

الشيخ حسن الهادي

 



قبل الدخول إلى تصوير حادثة الغدير كما وردت في النصوص المتواترة، نتوقف عند أمرين هامين، الأول يرتبط بقيمة يوم الغدير وموقعه في التراث الإسلامي، والثاني بحجية فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله وتقريره، المعبّر عنه بالسنة.

- عيد الله الأكبر: عبّرت آثارنا الإسلامية عن يوم الغدير بتعابير من قبيل "عيد الله الأكبر"، و"يوم العهد"، و"يوم الميثاق المأخوذ"، وهو ما يعكس وجود اهتمام خاص بهذا اليوم الشريف. وأهم ما يميّز هذه التعابير ويشكّل العمدة والمضمون الحقيقي لقضية الغدير هو الولاية. جاء عن الإمام الصادق عن أبيه، عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً".

- فعل رسول الله وقوله حجة: لحياة رسول الله صلى الله عليه وآله في كل لحظاتها أهميّة خاصة عند المسلمين، فالرسول صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى، وكلامه هو كلام الوحي، قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (النجم: 3 4)، وفعله وتقريره حجة على المسلمين كافة. ومن الأحداث المهمة التي جمع فيها النبي صلى الله عليه وآله بين الفعل والقول في تبليغ الناس هي واقعة الغدير. وما أقلّ الحوادث في تاريخ الإسلام - التي يتفق المسلمون عليها - التي تساوي واقعة الغدير من جهة السند والمضمون، والتأكّد من صحّتها بين جميع علماء المسلمين حيث تواتر نقلها في مصادر المسلمين المختلفة(1).

1- حجة الوداع: أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الخروج إلى الحج في السنة العاشرة من الهجرة، بأمرٍ من الله، وأعلن أمام الناس عن قصده للحج هذا العام(2)، وأذّن في الناس بذلك، حتى أرسل رسلاً إلى المناطق الأخرى لكي يخبروا الناس بأن النبي صلى الله عليه وآله قد قصد لآخر حجة، فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به في حجته تلك، التي أطلق عليها حجة الوداع، وحجة الإسلام، وحجة البلاغ، وحجة الكمال، وحجة التمام، ولم يحج غيرها منذ هاجر إلى أن توفّاه الله. فخرج الرسول صلى الله عليه وآله من المدينة مغتسلاً مترجّلاً، وكان يوم السبت 24 أو 25 من ذي القعدة، وقد رافقه أهل بيته و عامّة المهاجرين و الأنصار وعدد كبير من الناس، وقد اجتمعوا حوله، وقيل بأنه خرج معه بين 70,000 إلى 120,000 من الناس(3)، وإن كان الذين حجّوا معه في هذه الحجة أكثر من ذلك، كالمقيمين بمكة والذين أتوا من بلدان أخرى. وكان الإمام علي عليه السلام حينها في اليمن يقوم بالتبليغ ونشر التعاليم السماوية، وبعد أن علم بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله قصد إلى مكة مع جمع من اليمنيين ليلتحقوا بالرسول صلى الله عليه وآله قبل بدء المناسك(4)... لبس الرسول لباس الإحرام مع أصحابه في ميقات الشجرة ومن ثمّ بدأوا بمناسك الحج. كان الرسول صلى الله عليه وآله قد علّم الناس مناسك الحج من قبل عن طريق الوحي، ولكن في هذه المرة عمل بهذه المناسك و في كل موقف وضّح لهم جزئياتها وتكلّم حول تكاليفهم الشرعية.

2- بلّغ ما أنزل إليك من ربك: بعد انتهاء المناسك، وانصراف النبي صلى الله عليه وآله راجعاً إلى المدينة ومعه من كان من الجمع المذكور، وصل منطقة غدير خم(5) عند منتصف الطريق يوم الخميس 18 من ذي الحجة. وقبل أن يتشعّب المصريون والعراقيون والشاميون، نزل إليه جبرائيل عن الله بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (المائدة: 67). أمر الله رسوله أن يبلّغ الناس بما أنزل في علي من قبل. وقد کانوا قريباً من الجحفة، فأمر رسول الله أن يرد من تقدّم ويحبس من تأخّر عنهم(6).

3- صلاة الظهر وخطبة الغدير: أمر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه أن يهيّئوا له مكاناً تحت الأشجار ويقطعوا الأشواك ويجمعوا الأحجار من تحتها. في ذلك الوقت، نودي إلى فريضة الظهر فصلاها في تلك الحرارة الشديدة مع الجماعة الغفيرة التي كانت حاضرة(7). ومن شدّة الحرارة كان الناس يضعون أرديتهم على رؤوسهم من شدة وهج الشمس، والبعض تحت أقدامهم من شدة الرمضاء(8). وليحموا الرسول من حرارة الشمس وضعوا ثوباً على شجرة سمرة كي يظلّلوه. فلمّا انصرف من صلاته، قام خطيباً بين الناس على أقتاب الإبل وأسمع الجميع كلامه، وكان بعض الناس يكرر كلامه حتى يسمعه الجميع.  فبدأ بخطبته قائلاً: "الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكّل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن ضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا اله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله – أما بعد-: أيها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير أني أوشك أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون" (حول دعوتي)؟، قال الحاضرون: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً(9).

4- تذكير المسلمين بأصول دينهم: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، وأن جنّته حق وناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قال: أللهم اشهد، ثم أخذ الناس شهوداً على ما يقول ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟" قالوا: نعم يا رسول الله(10)، قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون على الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء (مدينة في اليمن) وبصرى (قصبة قريبة من الشام) فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلّفوني في الثقلين، فنادى مناد: "وما الثقلان يا رسول الله؟" قال الرسول: "الثقل الأكبر كتاب الله، طرف بيد الله عز وجل، وطرف بأيديكم فتمسّكوا (إن التزمتم به وتمتّعتم بهدايته) لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض(11) فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا".

5- من كنت مولاه فعلي مولاه: ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى يراه الناس كلهم(12) فسأل الرسول صلى الله عليه وآله الحضور "أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟، فأجابوا: نعم يا رسول الله"(13).  فقال: "إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم"، ثم قال: "فمن كنت مولاه فعلي مولاه" يقولها ثلاث مرات، ثم قال "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؛ وانصر من نصره واخذل من خذله" ثم خاطب الناس: "يا أيها الناس، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب"(14).

6- اليوم أكملت لكم دينكم: ولمّا تفرّقوا نزل جبرائيل بقوله من الله ﴿... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ ... (المائدة: 3). فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي ولولاية علي من بعدي(15).

7- بخٍ بخٍ لك يا علي: ثم طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين عليه السلام، وممن هنّأه في مقدّم الصحابة، أبو بكر وعمر، وقال عمر: بخٍ بخٍ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة(16).

8- يناديهم يوم الغدير نبيهم: وفي هذا الوقت، قام حسان بن ثابت واستأذن من الرسول صلى الله عليه وآله أن يقول في ما سمع منه صلى الله عليه وآله في هذا الموقف حول الإمام علي عليه السلام، فقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "قل على بركة الله"، فقام حسان وأنشد قائلاً:
 

يناديهـم يوم الغـدير نبيُّهـم بخمٍّ

و أسمع بالرسـول مناديـا

فقال فـمـن مولاکم ونبيّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميـا

إلهـك مولانـا و أنت نبيّنـا

 ولم تلق منا في الولاية عاصيـا

فقال له قـم يا علـي فإنني

 رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّـه

 فكونا له أتباع صدق مواليـا

هناك دعا اللهـم والِ وليّـه

 وكن للذي عادى عليّاً معادياً(17)


 


(1)الأمالي، الشيخ الصدوق، ص188.
(2)يراجع موسوعة الغدير للعلامة الأميني، ج1.
(3)تاريـخ الإسلام، الذهـبي، عدد المغازي، ص 701، السيرة الحلـبية، ج3، ص 308، الإرشاد،الشيخ المفيد، ص 91.
(4)تذكرة خواص الامة، ص 30، السـيرة الحلـبـية، ج 3، ص 308، الاحتجاج، الطبرسي، ج 1، ص 56 (يذكر الطبرسي تعداد المرافقين لرسول الله 70,000 أو أكثر).
(5)صحـيح البخاري، ج 2، باب 81، حديث 2، الصـفحة 159، البـداية والـنهـاية، ج5، ص 227، الإرشاد، ص 92، إعلام الورى، ص138.
(6)وفيات الأعيان، ابن خلكان (ج 5، ص 231)، والغدير في اللغة مسيل ينزل منه الماء، وغدير خم مكان يجتمع فيه ماء المطر ويبعد 3 4 كيلومترات عن الجحفة، وبسبب هذا الماء القليل، ووجود بعض الأشجار كانت هذه المنطقة موقف القوافل ولكن حرارتها شديدة جداً لا تطاق.
(7)خصائص النسائي، صفحة 25.
(8)مسند أحمد، ج 4، ص 372، البداية والنهاية، ج 4، ص 385.
(9)الإرشاد، ص 94 و 93، إعلام الوري، ص 139 (وکان يوماً قائظاً شديد الحر...، إن أکثرهم ليلف ردائه تحت قدميه من شدة الرمضاء)، کشف الغمة، ج 1، ص 48.
(10)الخصال ، ج 1 ، ص 66، کشف الغمة، ج 1، ص 49 و 48.
(11) مجمع الزوائد، ج 9، ص 104 و 163.
(12) مستدرك الصحيحين، ج 3، ص 109 (مع الاختلاف في اللفظ)، خصائص النسائي، ص 21 (نقلاً باختصار)، صحيح مسلم، المجلد 7، باب فضائل علي بن أبي طالب، ص 123 و 122 (مع اختلاف في اللفظ)، المعجم الکبير، المجلد 5، صفحة 167 و 166 (حديث رقم 4971).
(13) شواهد التنزيل، ج 1، ص 190 (حتي رئي بياض إبطيه)، خصائص النسائي، ص 21 (إنه ما کان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه وسمعه بأذنه) کنز العمال، ج13، ص 104، حديث 36340: (ما کان في الدوحات أحد إلا قد رآه بعينه وسمعه بأذنه).
(14) صحـيح ابن ماجة باب فـضائـل أصحاب رسـول الله، باب فـضائل علي بن أبي طالب، ج 1، ص 43، (الحديث رقم 116)، مـسنــد أحمـد، ج 4، ص 281 و... البداية والنهاية، ج 7، ص 386، الخطيب البغدادي في تاريخه، ج 8، ص290 (ألست ولي المؤمنين؟ قالوا بلي).
(15) الکافي، ج 1، صفحة 289، کشف الغمة، ج 1، ص50.
(16) شواهد التنزيل، ج1، ص 158 و157، مناقب الخوارزمي، صفحة 80، کمال الدين، ج 1، ص 277 (الله أکبر بتمام النعمة وکمال نبوتي ودين الله عز وجل وولاية علي بعدي).
(17) مسند أحمد، ج4، ص 281، تاريخ الإسلام الذهبي، قسم عهد الخلفاء، صفحة 633 (أصبحت وأمسيت مولي کل مؤمن ومؤمنة)، ابن الاثير في النهاية، ج 5، ص228، تاريخ بغداد، ج 8، ص290 (بخ بخ يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى کل مسلم)، البداية والنهاية، ج 7، ص386 (هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت اليوم ولي کل مؤمن)، كنز العمال، ج13، ص 134 (هنيئاً لك يا بن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولي کل مؤمن ومؤمنة).
(18) الغدير في الكتاب والسنة، العلامة الأميني، ج2، ص65.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع