نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مناسبة: سمات النصر الآتي

الشيخ توفيق حسن علوية

 



ليس النصر منحصراً بالغلبة العسكرية، إنما يتعداها إلى غير ذلك مما هو معدود من الانتصارات، كالانتصار على الذات، والظلم والجهل والفشل، وأضراب ذلك مما يمكن أن يحتدم فيه الصراع بين قوى الخير والشر. هذا ويمكن تقسيم الرؤية العامة للنصر إلى أسس ثلاثة:
1- كونه مقصداً مادياً محضاً.
2- كونه مقصداً معنوياً محضاً.
3- التشريك بين ما هو مادي ومعنوي.

والمهم في المقام أن الإسلام يحاكم مفهوم النصر بطريقته المثلى، وأسلوبه الأفضل، فيتكفل النصر بل ويحمي مضامينه، ويبرمج ويقنن نتائجه ويمنهجه على أساس ثابت بشكل مرن. ونحاول الاقتراب من مفهوم النصر في الإسلام من خلال جملة من النقاط:

النصر على الذات:
وبما أن نظرة الإسلام للأمور دائماً تكون تأسيسية وتأصيلية، كان سر النصر قائماً على أساس متين قوامه الانتصار على الذات. ولأن الإنسان وبطبيعة خلقته ودوره الخطير في الحياة ومركزه الرائع يخوض معركة حقيقية وقاسية مع نفسه بجانبها السلبي، فعليه والحال هذه أن يعمل بغية جهاد هفوات ورغبات وشطحات هذه النفس ليصل أخيراً إلى الدرجة التي يمكنه من خلالها حصاد النصر المتعقب لهذا الجهد المتواصل. وهذا النصر إنما هو ذرات تجتمع طراً لتستحيل تربة خصبة يتسنى من خلالها لهذا المرء زرع بذور الانتصارات الآتية، فضلاً عن الآنية وبمختلف أشكالها تمهيداً لحصادها الحصاد الكامل والتام.

النصر وسيلة لا غاية:
الوسيلة والغاية أمران يعد أحدهما طريقاً ومعبراً للآخر، بينما يعد الآخر نتيجة محضة. وبما أن الناس أغلبهم ينظرون إلى النصر نظرة غائية، لا وسائلية، فإن اللافت والمائز في الإسلام عدّه النصر وسيلة موصلة لغاية كريمة ونموذجية محصلها رضى الخالق العظيم. فالإسلام بهذه المقولة: قد قطع دابر أصحاب الغايات التي هي دون رضى الله تعالى، وبالتالي أصبحت كل الاستحقاقات التي تخاض في الدنيا إنما هي وسائل فلن تكون غاية بالكلية مهما عظم أمرها. وبالمحصّلة فإن صراحة القول ظاهرة بأن النصر في الإسلام وسيلة لا غاية.

دور العامل الغيبي:
ولا يخفى على كل متفهم للحقائق الوجودية والرسالية أن جوهر النصر في الإسلام الأصيل قائم على العامل الغيبي، أي على الدور الإلهي والقدرة الإلهية، فليس يُحصد أي انتصار إلا بمعونة إلهية، وبدونها لا ينفع الكم ولا الكيف ولا الأداء، ولا تنفع المادة إجمالاً في تحقيق النصر. وأما شاهد جدوائية المدد الإلهي والعون الغيبي، فيكفي بذلك وقعة بدر، وغيرها. بيد أن حضور العامل الغيبي لا يتأتى إلا بشروط هامة، ما إن تتوافر حتى يحضر أسرع من البرق، ومن هذه الشروط:

أ نصرة الله؛ على قاعدة: (إن تنصروا الله..).
ب القتال الفعلي، أو مباشرة القتال: (التوبة: ).
ج ذكر الله: (الشعراء: ).
د الدعاء: (القمر: ).
هـ الصبر وتحمّل الأذى: (الأنعام: ).
و الدخول في عهدة التأييد الإلهي: (آل عمران: ).
وهذه الشروط غير يسيرة، ولا يمكن الاستهانة بها بحال؛ إذ إن كل شرط منها يصعب حيازته والحصول عليه بمفرده، فكيف بمجموع هذه الشروط؟ يبقى أنه لا بد من الأخذ بالأسباب المادية حتى يتدخل العامل الغيبي وإلا فلا.

النصر الجدير:

الإسلام يدعو إلى النصر الموسوم بـ"الجدارة"، تلك الجدارة التي تعني:
أ عدم الغدر.
ب عدم نقض العهود، والاتفاقيات.
ج عدم الأخذ بمقولة: الغاية تبرر الوسيلة.
د عدم استخدام المعصية التي لا يجوز فعلها بحال للوصول إلى أي مبتغى.

النصر الهادف:
لا شك في أن العبثية واللهويّة ليس لهما موطن أو موطئ قدم في الإسلام. وهذا ما يلتئم في الحقيقة مع النصر؛ إذ لا بد من ملاحظة الفائدة أثناء السعي إليه، فالإسلام يدعو لتسجيل الانتصارات من أجل غايات هادفة ومفيدة، منها:
ـ الردع والدفاع عن خندق الإسلام.
ـ إحلال السلام، وإفشاء العدالة، والارتفاع بالناس إلى صروح الحضارة.

تقبّل الهزيمة المادية بروح النصر المعنوية:
النصر والشهادة مفهومان يحتلّ كل منهما الساحة عند خلوّها من الآخر حكماً، وذلك لأن الشهادة تنتج ببركتها حظوتين اثنتين:
الأولى: توفد صاحبها الجنة.
الثانية: توقد روح الثورة، ومع ديمومة الثورة تتتالى الانتصارات.
وعلى هذا، فإن نتيجة أي معركة لا تخلو من النصر. ومن هنا، ندرك كم هي راقية ثقافة الحرب في الإسلام، وهي على حد سواء تعدّ نصراً هادفاً، طالما أن المقياس الأساس، هو رضى الله (عزّ وجلّ)، ولا يهمّ بعد ذلك أن يحصل رضاه تعالى عبر الانتصار الذي هو بمعنى الظفر المادي، أو عبر الانتصار الذي هو بمعنى الشهادة مثلاً في سبيل رب العالمين.

النصر الموزون:
النصر الموزون حقيقة إسلامية لا يعتريها التشويش ولا التعكير، فليس النصر في الإسلام يقع عشوائياً حتى يتخبّط كل عضو فيه في معمعة نشوته المتصاعدة. والإسلام لا يعتبر النصر أمراً غير متوازن، بل هو يسبق حالة النصر ببرنامج أخلاقي وتأديبي وكذلك فقهي، ولا يتخبّط المنتصر الإسلامي في أجواء جاهلية تكتنف في تفاصيلها العنف، والإذلال، والمهانة، والقتل غير المبرّر وغيرها.

النصر بلا منّة:
يذمّ الإسلام الذين يمنّون، ويعتبرهم من المسبِّبين للأذى ولهذا فإن الانتصار للإسلام، أو تحقيق النصر لأجل الإسلام يقبح أن يكون فيه تفضّل أو منّ، بل لا بد من أن يقدّم كل جهد لأجل النصر لوجه الله تعالى مهما كبر هذا الجهد وتعاظم هذا النصر، اللهم إلا في حالة واحدة وهي الافتخار والجهار بالعزّة الإلهية التي منحته هذا العزّ والنصر.

النصر الآني مستدعٍ للهزيمة الآتية:
النصر في الإسلام لا بد من أن يكون ناظراً إلى المستقبل البعيد، وليس ذلك النصر الذي يُقتصر فيه على اللحظات القريبة والمحدودة.

النصر المعبّر:
الانتصارات المعبّرة، أي تلك التي تترك وقعاً خاصاً في وجدان الذين عايشوها، وأثراً مميزاً في وجدان الأجيال المتلاحقة. فعندما يرتجف المسلمون رعباً وخوفاً من أعدائهم لكون الأعداء يمتلكون سلاحاً وعدداً، وفيهم من فيهم من أبطال وشجعان، فهذا يعني أن احتمالات الهزيمة تتفوق على احتمالات النصر الضعيفة والضئيلة، حتى مع وجود النبي صلى الله عليه وآله بين ظهرانيهم. ولكن في هذه الموارد بالذات يفاجئ الإسلام الجميع بتلك الانتصارات المعبّرة التي تفوق الخيال حتى تكاد تخرج عن المعقول عند الناس باستثناء أهل التقوى.

النصر الشاق والسهل:
في الإسلام أمر ملفت للغاية وهو النصر الشاق؛ فقد لا يأتي النصر إلا بعد بلاء وزلزلة شديدة حتى أن المسلم نفسه يظن أن الهزيمة لاحقة به، فإذا شارفت المعركة على الانتهاء، تبيّن له أن النصر حظه الموسوم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع