بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين... الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. أبارك عيد الفطر السعيد لكم جميعاً، ولجميع الشعوب المسلمة والأمة الإسلامية العظيمة في كل أرجاء العالم. إن ليوم عيد الفطر خصوصيتين ممتازتين: الأولى هي حالة الطهارة والنزاهة والنقاء التي تتفاعل في قلوب وأرواح المؤمنين نتيجة الرياضات الشرعية الإلهية في شهر رمضان المبارك، والصيام أحد هذه الرياضات حيث يترك الإنسان باختياره وإرادته الملذات المادية على امتداد ساعات طويلة، ويتغلب على أهوائه وميوله النفسية طوال أيام الصيام. أضف إلى ذلك الاستئناس بالقرآن الكريم وتلاوة كلام الخالق والتعرف على المفاهيم والمعارف القرآنية.
* دروس شهر رمضان المبارك:
كما أن حالات الذكر والدعاء والتضرع والتوجه واستئناس الإنسان بالله تعالى في أيام وليالي شهر رمضان خصوصاً ليالي القدر المباركة.. كل هذه تشيع في قلب الإنسان نوراً، وتضفي على روحه نزاهة وطهراً، وثمة طبعاً في هذه الأعمال البالغة الأهمية لشهر رمضان المبارك دروس كبيرة لنا لا بد من الانتفاع منها. من هذه الدروس، أن إرادة الإنسان الباحث عن الله بوسعها التغلب على كافة النزوات والأهواء والملذات المادية، التي تستقطب إليها نفس الإنسان. هذه نقطة مهمة جداً بالنسبة لنا. أحياناً، يلقّن الإنسان نفسه: إنني لا أستطيع الانتصار على هوى نفسي.
صيام شهر رمضان يثبت للإنسان أنه قادر إذا ما عقد عزيمة راسخة وأراد فعلاً أن يتغلب وينتصر على أهوائه. يمكن بفضل الإرادة المتينة والتوكل على الله تعالى قهر التجليات المغرية، والعادات القبيحة الذميمة فينا، وتحرير أنفسنا منها. بوسع هذه الإرادة القوية وتأثير هذه الإرادة درس كبير لنا أن تحررنا من عاداتنا الذميمة الشخصية، وكذلك عاداتنا الاجتماعية وخصالنا المحلية التي تتسبب في تأخرنا على الصعد المادية والمعنوية. إذاً، من هذه الدروس انتصار الإرادة الراسخة على كافة العقبات. مضافاً إلى ذلك، تشيع في شهر رمضان روح مساعدة الناس والتعاون فيما بينهم. أنانيات الإنسان تنهزم لصالح حبه للآخرين. فحالة التعاون وطلب الخير للناس شيء له قيمة بالغة تفضي إلى طهارة نفس الإنسان. حالة تغلّب حب الآخرين على الأنانية وحب الذات... تغلّب مصالح الآخرين على مصالح الذات، وهي طبعاً ناجمة بدرجة كبيرة عن الروح المعنوية لشهر رمضان.
* شكر الله مّنةً منه تعالى:
إن التوجه والتوسل والتوفيق الذي يكتسبه الإنسان يعد لطفاً إلهياً... إنه نظرة الخالق لنا والتي يشير لها الإمام السجاد عليه السلام في دعاء وداع شهر رمضان المبارك، حيث يقول: "تشكر من شكرك وأنت ألهمته شكرك... أنت الذي ألهمت الشكر لقلوب من يشكرونك... وتكافئ من حمدك وأنت علمته حمدك.."(1) أنت الذي وفقت وعلّمت عبدك فاستطاع أن يحمدك. الحقيقة، أنك مجرد أن تقول يا الله، وبمجرد أن يستأنس الإنسان بالباري تعالى ويتكلم معه، فهذا لطف من الله وتوفيق يمنّ الله به على الإنسان. كلمة "يا الله" بحد ذاتها تنطوي على إجابة الرب، لقد ذقتم هذه اللذة المعنوية بقلوبكم الطاهرة النورانية الخالية من التكلف أو القليلة التكلف، فلا تخسروا هذه اللذة ولا تتركوها. انتفعوا من فرصة الصلوات الخمس، وتلاوة القرآن، والمساجد، والأدعية الواردة، والصحيفة السجادية، وغير ذلك لكي يتواصل هذا الطهر وهذا النور. هذه خصوصية بارزة ليوم عيد الفطر: أن تحملوا في نفوسكم هذا النور المشع من شهر رمضان.
* عيد الفطر من الثمار المعنوية:
والخصوصية الثانية تتجلى في صلاتكم هذه، يوم عيد الفطر تجسيد واستعراض للانسجام القلبي الحقيقي بين أبناء شعبنا... وحدة الشعب، والاعتصام الجماعي بحبل الله من الأحوال ذات القيمة الكبيرة جداً. علينا الاحتفاظ بهذا الشيء كدرس رمضاني وهو كذلك من ثمار الواقع المعنوي لشهر رمضان. خصوصاً وأن شهر رمضان لدى المسلمين يتضمن يوم القدس الذي يعد من التجليات الحقيقية لاتحاد العالم الإسلامي وانسجامه، حيث تترسخ هذه الحركة العظيمة في العالم الإسلامي وتأخذ بالنمو والاتساع يوماً بعد يوم. أيها الإخوة والأخوات، لنواصل بركات شهر رمضان لأنفسنا، ولذوينا، ولمجتمعنا الإسلامي في حدود استطاعتنا، ولنحافظ على هذا الذخر الإلهي والنعمة الربانية الكبرى.
(1) الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين، السيد محمد باقر الأبطحي، ص292.