السيد حسن نصر الله
يوم التكليف الشرعي للفتيات هو يوم تاريخي ومصيري، هو مفتاح الأيام المقبلة كلها بل مفتاح الحياة كلها، هو المفتاح إلى الدنيا والآخرة، سن التكليف يعني بدء مرحلة المسؤولية ومرحلة تحمل وتلقي الأوامر الإلهية، وطبعاً هذا بحد ذاته كرامة كبيرة.
قبل سن التكليف لا توجد مسؤولية فلا سؤال ولا حساب ولا عقاب ولا عتاب، ولكن منذ هذا اليوم، المسألة تصبح مختلفة، تصبح كل واحدة من هذه الأخوات العزيزات مسؤولة أمام الله سبحانه وتعالى عن كل كلمة تقولها وعن كل فعل. إذاً، التكليف يعني المسؤولية، والمسؤولية تعني الطاعة والالتزام بأوامر الله ونواهيه. هذا هو معنى التكليف. الحجاب هو العنوان الأبرز لمثل هذا اليوم، باعتبار أن الحجاب هو تكليف إلهي للبنات اللاتي بلغن هذا السن وعليهن أن يلتزمن به في المظهر العام. الأخت في مثل هذه السن تصبح مكلفة بالصلاة وبالصيام وبالصدق وبأداء الأمانة وبصلة الرحم وبكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله من تعاليم وقيم وأحكام ومفاهيم؛ ولكن، الذي يبرز في اللحظة الأولى ويبقى مع الفتيات هو هذا الزي الذي يعبر عن الإلتزام بالتكليف الإلهي للمؤمنات، بأن يلقين من جلابيبهن وبأن يسترن جسدهن بما أمر الله سبحانه وتعالى به.
* الحجاب يحفظ بالمعرفة والعلم:
إن الحجاب هو طبعاً التزام وتكليف بواحدة من التعاليم الإلهية على مستوى الشكل، لكن الأهم الذي يحفظ الحجاب هو المعرفة والعلم والتعلم، المطلوب أن نحصل على المعرفة، أي نعرف نحن من، نحن البنات الموجودات هنا في هذه الدنيا، الدنيا التي نعيش فيها ما هي؟ أهي أبدية، خالدة، دائمة؟ هل فيها ما يستحق أنه من الآن فصاعداً أن نعصي الله من أجله أو نكذب من أجله أو نغش من أجله أو نسيء لوالدنا أو والدتنا، للأب للأم، للجيران من أجله أو أن نسرق مال الآخرين من أجله، أو نتكلم بكلام بذيء أو غير لائق مع الآخرين من أجله؟؟؟ في الحقيقة، أهم شيء يبدأ الآن هو هذا السؤال الذي يبدأ من دنيا الصبي أو الصبية ويكبر وتكبر الطموحات معه، مهما كبرت طموحاته، سواء كان صغيراً أم بدأ يكبر هذه الطموحات تكبر، حقيقة هل يوجد شيء في هذه الدنيا يستحق أن نعصي الله من أجله؟ وندير ظهرنا لله سبحانه وتعالى من أجله؟ نتجرأ على حدود الله وعلى أوامر الله من أجله؟ لا يوجد شيء يستحق هذا.
الإنسان الذي يكون عنده بعض العقل والدراية والمعرفة والحكمة والتدبر يفهم هذا الشيء، الذي يعرف بأن هذه الدنيا هي فانية وزائلة ولن تبقى. يجب أن نعرف ذلك، لأننا إن عرفنا ذلك ما الذي يستحق أن نعيش من أجله وأن نتعب من أجله وأن نضحي من أجله ونبذل عمرنا وشبابنا من أجله؟ هذا السؤال الكبير يجب أن يبدأ معنا من أول يوم.
* إبدأوا حياتكم بالتقوى والتدين:
الذي أريد أن أوصي به الأخوات والصبايا: أنتم بدأتم مرحلة جديدة، كتابكنّ لا يزال أبيض، كل واحد منا له كتاب، وفي هذا الكتاب مكتوب كل شيء من سن التكليف فصاعداً، ماذا قلنا؟ ماذا عملنا؟ ماذا تكلمنا؟ ووو.. بحيث عندما يفتح الإنسان كتابه، يقول: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ (الكهف: 49)؛ كتابكنّ لا يزال أبيض، صفحة بيضاء، لا تضعن فيه سواداً، أنتنّ قادرات على هذا الشيء، لأنكنّ لا تزلن في البداية، من بداية الطريق، الطريق واضح والمسؤولية واضحة وحقيقة الدنيا واضحة وحقيقة الآخرة واضحة، لذلك إن شاء الله الصبايا اللاتي تشرفن اليوم بلبس هذا الحجاب وببدء سن التكليف أن تكون هذه الحقائق واضحة عندهنّ، يبدأن حياة جديدة، حياة تقوى وتدين وعمل صالح وطاعة وخوف من الله سبحانه وتعالى.
* هجمة مدرسة على الإسلام:
اليوم على امتداد العالم العربي والإسلامي، وأيضاً في الجاليات العربية والإسلامية في الخارج وبالرغم من أن وسائل الفساد والإفساد فعالة ونشيطة وقوية إلى حد لا سابقة له ولا مثيل ـ، نرى يوماً بعد يوم أن الحالة الإسلامية والالتزام الديني والاهتمام بالدين يكبر، أضف إلى ذلك الهجمة السياسية والأمنية، فكل ما هو إسلامي متهم بالإرهاب.
اليوم، لم يعد الحجاب مجرد حجاب، لم تعد الصلاة في المسجد مجرد عبادة، إذا أردت أن تنفي عن نفسك صفة الإرهاب عليك ألا تصلي في المسجد، إذا أردت أن تنفي عن نفسك وعن زوجتك صفة الإرهاب على زوجتك أن تخلع حجابها، عليك أن تلتزم بعاداتهم وتقاليدهم وفسقهم وفجورهم. اليوم، كل ما ينتسب إلى الإسلام محكوم عليه، مدان بالإرهاب حتى تثبت براءته، انظروا.. من فضائح الغرب والحضارة الغربية الذين يتكلمون عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات، أنه حتى الآن هناك مدارس في أوروبا مثلاً تمنع الفتيات المحجبات من الدخول إلى المدارس، أين الحرية؟ هذا يحصل اليوم في البلدان الغربية التي تُزايد وتنظّر على العالم كله بالديمقراطية وبحرية الإنسان. وللأسف الشديد في بعض المناطق اللبنانية هذا أيضاً يحصل، تحت عنوان الحضارة والمدنية والتقدم، أوليس أعلى عنوان في الحضارة والتقدم والحرية هي ترك الإنسان يعبر عن حريته؟! هذه أخت مؤمنة ملتزمة وتريد أن تلبس الحجاب، ماذا تريدون منها؟ لماذا تمنعونها من الدخول إلى المدرسة وتصادرون حريتها وقرارها؟!
على كل حال اليوم، حتى الكثير من الأنظمة في العالم تمارس هذا العنف وهذا القمع ضد كل ما هو إسلامي وكل ما هو نشاط إسلامي، بدعوى محاربة الإرهاب. إن حجم الأزمة الاستكبارية الشرسة كبير، وهي هجمة شرسة جداً، وتستخدم فيها كل الوسائل السياسية والأمنية والإعلامية والثقافية والأكاديمية والتكنولوجية. لم يحصل في زمن من الأزمنة أن إبليس الذي طرده الله من رحمته أنه قد استرسل جنده وأتباعه بكل ما يملك من وسائل ومن حيل ومن مكر كما هو الحال في هذا العصر، ولكن، بالرغم من كل الاتهامات التي تصدر اليوم وتصل اليوم من أعلى المنابر ومن أكبر المؤسسات في العالم وأقوى طواغيت العالم، فإن مرحلة الضغط على المسلمين ليتخلوا عن إلههم وقرآنهم، عن دينهم وعن نبيهم وعن شعائرهم، هذه المرحلة لن تجدي نفعاً، لا التقتيل ولا السجون ولا مصادرة الأملاك والأموال ولا الوضع على لوائح الإرهاب، المسألة تجاوزت كل إجراءات المستكبرين، الحركة والحالة والنهضة والصحوة الإسلامية على امتداد العالم اليوم تجاوزت إمكانية المصادرة، لقد فاتهم القطار، لقد فات المستكبرين القطار ولن يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً.
* الفطرة الإنسانية:
هناك من يريد أن يتنكر للحقيقة التالية: أن الدين والإسلام وما جاء به الأنبياء هو مقتضى الفطرة والرغبة الإنسانية، الإنسان بفطرته مشدود إلى الله، إلى رازقه، إلى المنعم عليه، إلى المتفضل عليه أبداً. الإنسان بفطرته مشدود إلى العزة والكرامة، الإنسان بفطرته مشدود إلى العفاف والنزاهة والشرف، هذه فطرة الإنسان، كل ما جاء به الأنبياء أنهم ترجموا وعبروا وحكوا فطرة الإنسان بتعاليم وأحكام. الناس اليوم يعودون إلى فطرتهم، يعودون إلى أنفسهم، يعودون إلى أصل خلقتهم، هذا هو الجواب الحقيقي، وهذا هو ما يحصل اليوم في العالم. الحمد لله رب العالمين أن الواقع القائم هو هذا الواقع، وبالتالي هذا التحول الإيماني الفكري الثقافي الكبير الذي حصل وخرج من دائرة نشاط فردي أو جماعي محدود إلى مستوى العالم بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني قدس سره، عبر عن نفسه بهذه الصحوة وهذه اليقظة في تعابير ثقافية إيمانية عبادية، مثلما قلنا مساجد وحج ورمضان وحجاب وإحياء الشعائر الإسلامية والعودة إلى العرف على الإسلام. ولذلك، عندما نتحدث عن التزام إيماني وإسلامي حقيقي علينا أن نتوقف عند نهضة سياسية ونهضة جهادية واستعادة للإرادة، إرادة الحرية وإرادة الاستقلال وإرادة السيادة وإرادة طرد الطواغيت والمستعمرين، وإرادة رفض الذل والظلم والاحتلال وإباء الضيم، هذا كله سوف يأتي نتيجة هذا الإلتزام الديني، وهذا ما يتناقض مع مصالح هؤلاء المستكبرين.
أسأل الله سبحانه وتعالى لأخواتنا الكريمات العزيزات التوفيق في طاعة الله والحياة المليئة بالتقوى والعمل الصالح.
(*)كلمة الأمين العام لحزب الله في حفل التكليف السنوي بمدرسة شاهد 24/1/2003