إنّ جميع الطرق التي يمكن الاستفادة منها لأجل حفظ تراث الإسلام العظيم نجدها مشهودة في حياة سيد الشهداء، من حيث التبيين والتوضيح، والإنذار، والحركة الإعلامية، والتبليغية، وإيقاظ الوجدان لدى العناصر الخاصّة من الناس. كل تلك الأمور كانت بيّنة على مرّ حياة سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام. فبعد وقوف الإمام بوجه انحرافٍ كبير قاصداً مواجهته بالنفس، لم يكن غافلاً عن نهاية أو مصير هذه الحركة، فمعرفة الإمام عليه السلام، واطّلاعه الواسع، أعلى من مداركنا، لذا فقد سعى الإمام، من خلال معرفته، للوصول إلى أهداف ثلاثة: رسم خطّة عمل، عدم الاستسلام، ودعوة الناس إلى النصرة.
* لم يشعر بالندم أبداً
عندما برزت جماعة من الناس، وهي جماعة أهل الكوفة، وأعلنت أنّها حاضرة للمضيّ إلى جنب هذا الجليل على هذا الطريق، استجاب الإمام عليه السلام لمطالبهم، وتحرّك نحوهم، ولاحقاً، لم يشعر بالنّدامة أثناء الطريق عندما علم بخذلانهم. عندما ينظر المرء في كلمات الإمام عليه السلام، يرى كم كان عازماً وجازماً على إتمام هذا العمل، فوقوف الإمام الحسين عليه السلام مقابل حركة انحرافية استثنائية في خطرها في ذاك الزمان، يمكن أن يُعدّ درساً بنفسه، وهو ما كرّره عليه السلام في أقواله، حيث أسند عمله إلى تعاليم الإسلام، فكان يقول: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآلهقال: مَنْ رَأَى سُلطَاناً جَائِراً، مُسْتَحلّاً لحُرُمِ اللهِ، نَاكِثاً لِعَهْدِ اللهِ، مُخَالِفاً لِسُنَّة رسُولِ اللهِ، يَعْمَلُ في عِبَادِ اللهِ بِالإثْمِ والْعُدْوَانِ، ثُمَّ لَمْ يُغيِّرْ عليه بِفعل ولا قول، كَانَ حَقاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَه". ولقد بيّن عليه السلام هذا للناس قولاً وفعلاً. أي إنّ تكليفي هو هذا: يجب عليّ أن أُظهر المعارضة بما أقوم به، ويجب أن أتقدّم على طريق المعارضة والصمود، وليكن المصير ما يكون، فإذا كان المصير هو الانتصار، فما أحسنه، وإذا كانت الشهادة فما أحسنها أيضاً؛ أي إنّ الإمام الحسين عليه السلام تحرّك على هذا النحو.
* هذه تضحية الحسين عليه السلام
إنّ ما أضحى إيثاراً كاملاً، وحفظاً للإسلام، هو التحرّك نفسه الذي حفظ الإسلام، وجعل القيم باقية ثابتة في المجتمع، فلو لم يتقبّل الإمام عليه السلام مثل هذه المخاطر، ولو لم يتحرّك ويقدّم ويبذل دمه، ولو لم تحصل تلك الفجائع العظيمة لحُرَمِ النبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام، لما بقيت هذه الواقعة في التاريخ. فمثل هذه الحادثة هي التي كان من الممكن أن تقف بوجه ذلك الانحراف العظيم، فقد كان ينبغي، وبهذا النحو من القوة والعظمة، إحداث صدمة بوجه ذلك الانحراف في ذهن المجتمع والتاريخ، وقد حصل... هذه هي تضحية الإمام الحسين عليه السلام.
* صبرٌ استثنائي
بالطبع، إنّ ذكر ذلك باللسان أمر سهلٌ. ولكن، في الحقيقة إنّ ما قام به الإمام الحسين عليه السلام كان عملاً استثنائياً، وأبعاده تفوق بكثير ما يمكن أن ندركه بحسابات اليوم، فغالباً ما نغضّ النظر، أو لا نلتفت إلى أبعاده ودقائقه. ذات مرّة تحدثتُ بالتفصيل عن صبر الإمام الحسين عليه السلام. لم يكن صبره منحصراً في تحمّل العطش، أو هو الصبر على مقتل الأصحاب، فمثل هذا صبرٌ سهلٌ. الصبر الأصعب هو أن يسمع أصحاب النفوذ والاطلاع والاحترام يقولون له: لا تفعل هذا! وهذا عملٌ خاطئ وخطر، وهم يبثّون الشكّ والتردّد في صفوف أصحابه. ومن هم هؤلاء؟ إنّهم أمثال عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، هذه الشخصيات البارزة الكبرى في ذلك الزمن، هم من المميّزين، وهم من أبناء الشخصيات المهمّة في الإسلام. لقد كانوا يقولون له: لا تقم بهذا الفعل. وبالرغم من كل ذلك، لو لم يكن فيه ذلك العزم، وتلك الإرادة والثبات، لكان سيقول في نفسه: لم يعد الأمر من تكليفي، فهذه مقالة هؤلاء، والدنيا هكذا تتحرّك، فلنترك وندع الأمور كما هي!!
وفي الختام نقول: إنّ الذي يقف ولا يرتجف قلبه، ويمضي على هذا الطريق، وفي وجه كل هذه التصريحات، أو بالأحرى، تلك الوساوس والتشكيكات واختلاق الطرق الشرعية، لا بدّ أنّه هو الذي يستطيع أن يؤسس لمثل ذلك التحوّل العظيم.