الشيخ علي ذوعلم
"يا بنيّ! إيّاك ومصادقة الأحمق... والبخيل... والفاجر... والكذاب"(1). لعل الرّوابط والعلاقات التي نقيمها مع الآخرين من أهمّ الأمور التي تساعد في التربية والأخلاق والسلوك الإنساني، فيلعب الصديق دوراً هاماً في سمو أو انحطاط الشخص، على أساس أن علاقة الصداقة وامتلاك الصديق من الحاجات الطبيعية عند الإنسان. وقد تبرز هذه المسألة على وجه الخصوص عند الشبان الذين ما زالوا في مرحلة ما قبل الزواج حيث تبرز لديهم حاجة ملحة للصديق. هذه المرحلة من حياة الإنسان هي المرحلة الوحيدة التي تظهر فيها العلاقة القائمة على الصداقة والمحبة الصريحة التي لا تَكَلُّفَ فيها، والتي يرى الفرد نفسه فيها أنه لا يغاير الآخرين على المستويات الاجتماعية والعاطفية، بل يشاهد نفسه وهو يمتلك مقداراً كبيراً من أوجه الشبه معهم. ويبقى السؤال ماذا يجب أن نفعل ليصبح جو الصداقة الخالصة والنقية مقدمة للسموّ والكمال الإنساني فلا ننجرّ إلى السّقوط والانحطاط أو إتلاف العمر في غير المناسب؟
* مصاحبة الصالحين صلاح
قد لا يشكّ أحد من الناس في طبيعة الدّور الإيجابي أو السّلبي الذي تؤمّنه الصداقة بالأخص عند الشبان. وتبيّن التّجارب الإنسانية أن ضعيف الإيمان وعلى أثر مصادقة أصحاب التقوى والإيمان يصبح مع الوقت من الصّلحاء الذين يمتلكون حياة صحيحة ويصبح من أصحاب التقوى والإيمان والعمل الصالح. وفي المقابل فإن مجالسة ضعفاء الإيمان والفاسدين لن تكون لها عاقبة سليمة. هنا يجب التوقف قليلاً لنختار أصدقاءنا فلا نقع في الحسرة والندامة. يحذر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من مصادقة أربعة أصناف:
الأول والثاني: مصادقة الأحمق والجاهل
يطلق على من لا يمتلك القدرة على فهم الأمور بشكل صحيح صفة الأحمق والجاهل، فهو يقدم على الأمور دون دراسة وتقدير فيقع في الانحراف والضياع. فعندما يحاول الأحمق أن يوصل نفعاً إلى شخص ما فإنّه قد يلحق الضرر به بسبب جهله وحماقته، ولذلك كان الترجيح للأعداء العاقلين على الأصدقاء الحمقى. أما ما يشير إليه الإمام علي عليه السلام فهو أن الأصدقاء الحمقى يلقون بالإنسان في المشكلات ويتسببون له بالعذاب الروحي ويفسدون أخلاقه، ويساهمون في إهانته. فالطريق الذي يعتقد الأحمق أنّه ينفعك هو في الواقع يضرّك. والمسير الذي يظنه يؤدي إلى السعادة يوصل إلى الحزن والغم. هذا الشخص وبسبب جهله يأخذ بالإنسان إلى الطريق غير الصحيح من دون علمه بذلك.
الثالث: مصادقة البخيل
أما البخيل فإنه يمسك ما عنده ويمتنع عن إعطائه حتى لأصدقائه وحتى للآخرين وإن كان هؤلاء في أمسّ الحاجة إليه، فنراه لا يتحرك ولا يقوم بتقديم ما عنده للمساعدة.
الرابع: مصادقة أصحاب الفسق والفجور
إن الشخص الفاسق والفاجر يتعامل مع الآخرين على أساس الشهوات والميول والأهواء الحيوانية، ولا معنى عنده لمواثيق الصداقة. الصديق الفاسق والفاجر يحافظ على الصداقة ما دامت تؤمّن له الوصول إلى أهوائه وأغراضه. وتبيّن التجارب أن هؤلاء يتركون أصدقاءهم إذا خالفوا رغباتهم، لأنهم لا يفكرون إلا بمصالحهم وأهوائهم، لا بل لا يعتبرون الصداقة سوى وسيلة للوصول إلى ما يحبون. نعم، إن مصادقة هذه الأصناف الأربعة تؤدي إلى الخسران والندامة والانحطاط، وفي المقابل علينا أن نبحث عن أصدقاء يتحلّون بأضداد تلك الصفات، مثل مصاحبة العاقل والكريم المعطاء.
* شروط الصديق
أما أهم شروط الصداقة فهي الصدق الذي يؤمن جواً سليماً من الصداقة بين الأصحاب، وهو بعيد عن أجواء الخيانة. وهكذا فإن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقدم لنا الصداقة على أنها التي تساعد الآخرين في صناعة شخصياتهم وتساهم في تقوية إيمانهم وتشجعهم على طاعة اللَّه، وتقويهم عند الشدائد والمصاعب فلا تكون هذه الصداقة لأجل المنافع الدنيوية، بل يكون السلوك الحسن دعوة للآخرين لتحسين سلوكهم ومن خلال الصدق في الكلام أيضاً فإنه يدعو الآخرين لصدق الحديث. وفي النهاية تساعد الصداقة هؤلاء الأشخاص للسير في اتجاه الرشد والفلاح والصلاح. أما القرآن الكريم فإنه يؤكد على أصلين هامين يؤديان إلى النجاة والابتعاد عن الخسران وهما: "التواصي بالحق" و"التواصي بالصبر"، وهما أصلان محوريان في خصوص علاقة الأشخاص مع بعضهم بعضاً.
1) نهج البلاغة، (خطب الإمام علي عليه السلام)، الشريف الرضي، ج 4، حكمة 38، ص 11