مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حكمة الأمير: عالمٌ قتله جهله

الشيخ علي ذو علم

 



"رُبَّ عالمٍ قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه" (1). العلم هو نور الطّريق أمام البشرية، فإذا فقدنا المصباح والنور لا يمكننا سلوك الطريق بسلام حتى مع معرفتنا به وامتلاكنا لأعين تراه. وكذلك إذا كان المصباح موجوداً ولكن لا معرفة لنا بالطريق أو لا تراه عيوننا فلا فائدة منه أيضاً. وفي المقابل، الجهل هو قاتل الإنسان. فليس من الضروري أن يكون القتل بواسطة السلاح أو السم، بل قد يكون القتل من خلال إبعاد الإنسان عن طريق السعادة لأن ذلك يؤدي، بالتالي، إلى ركوده وانحطاطه. وهذا النوع من القتل هو أشدّ فتكاً من القتل المادي. من هنا كانت الخطوة الأولى نحو الدين معرفته.

* بين علم لا ينفع..
يجب على كل مكلف رجلاً كان أو امرأة أن يسعى إلى طلب العلم، إذ لا يمكن الوصول إلى الكمال من دون علم ومعرفة. فالعنصر الأول المؤثّر في الكمال هو العلم والتفقه والتأمّل ومعرفة الدّين. وطلب العلم لا يعرف الحدود الزمانيّة أو المكانيّة أو القوميّة والقبليّة ولا الحدود الموضوعيّة، لذا يجب تعلّم جميع العلوم لتكون أنوار الطريق. فحمل المصباح فقط لا يفيد إذا لم يُستعمل في نجاة الإنسان؛ وقد نجد من العلماء من يسعى وراء العلم من أجل تأمين مستلزمات الحياة الطبيعية والمادية ولكنهم يفشلون في جعل العلم نوراً في طريقهم نحو السموّ والسعادة والكمال. فيُطلقُ الناس عليهم عنوان العلماء ويستفيدون من علمهم، ولكن هؤلاء، في الحقيقة، يعيشون حالة موتٍ معنوي. فكم من عالم حصّل علوم الآخرة وأضاء من خلالها مشعل الهداية أمام الآخرين وسعى جاهداً في إبقاء هذا النور دائم الإضاءة والاشتعال، ولكنه فشل مع نفسه في المواظبة والسير على هذا الطريق فاشتغل بالأمور الدنيوية واقتنع بحياة الطّبيعة والمادّة ووقع ضحيّة جهله.  وكم من مفكّر وظّف علمه لظلم الآخرين وجعله مطيّة للوصول إلى المناصب والشّهوات والشّهرة والثروة فأضحى علمه قاتلاً لحياته المعنوية. نعم، العلم ينير الطريق، ولكنّه يصبح كالحجاب الأكبر لحامليه ما لم يتمكّنوا من سلوكه.

* .. وعلم ينفع
في المقابل، هناك من العلماء من حصلوا على مراتب العلم التّجريبي والطّبيعي ولكنّهم استفادوا من علمهم إذ جعلوه وسيلة لخدمة الخلق في سبيل الله، فأضحى علمهم نور هداية يضيء للسّالكين طريق الوصول والقرب إلى الخالق العظيم. هذا العلم هو العلم النافع الذي ينتفع به الحامل والسّالك؛ لأنّه في سبيل الله وهو الطريق للوصول إلى الحياة الخالدة والسعادة الأبدية. هؤلاء يحملون الخشية من اللَّه تعالى في قلوبهم وتكون عبادتهم وطاعتهم للَّه من العبادات المقبولة. طبعاً، لا يمكن اعتبار تعلّم العلم سواء العلم التّجريبي أم الطّبيعي ذا قيمة لوحده، فالعلوم والمعرفة المفيدة القيّمة هي التي تحلّ عقدة من عقد الخلق في الدنيا والآخرة وتفتح للآخرين أبواباً من المعرفة وتوضح لهم حقيقةً من حقائق الوجود العميقة وتقرّب العبد إلى مبدأ الخلق. والعالم الصّالح والمفيد هو الذي يكون علمه وسيلة نجاته ونجاة الآخرين معه، هو المتحلّي بتقوى الَه والعمل الصّالح والإخلاص في السّلوك، وهو الذي يفكّر في مصالح عباد الله، وهذا العالم لا يكون علمه حجاباً له وللآخرين، ولا يجعل علمه وسيلة في أيدي الظالمين بحيث يؤدي إلى إضعاف روح الإيمان في المجتمع. 

هؤلاء العلماء هم الذين يقودون البشريّة نحو الهداية والتّقوى والصّلاح، هؤلاء هم ورثة الأنبياء والدليل على طريقهم، وهم حجج الإسلام على الخلق، والسدّ المحكم في وجه الظالمين والفاسدين. فقلم العالم الرّباني أفضل من دم الشهيد، لأنَّه هو الذي ينير درب الشّهيد ويوصله إلى السّعادة الأبدية.


(1) نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، الشريف الرضي، حكمة رقم 107، ج 4، ص 25.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع