الشيخ إسماعيل حريري
فرصة سنويّة ثمينة ينتظرها الكثير من الناس للتقرّب من الله سبحانه وتعالى بالاستغفار، والتوبة، والدعاء، والعبادات في شهر رمضان المبارك. ولكن بسبب مشاغل الحياة الضاغطة والمتزاحمة، قد يتساءل كثيرون حول كيفيّة استغلال هذا الشهر الفضيل، ولو بالحدّ الأدنى، قبل فوات الأوان. يتناول هذا المقال بعض هذه التساؤلات، بإجابات سريعة. ويبقى الأهمّ، لكلّ مؤمن أمدّ الله في عمره ليوفَّق لمرور هذا الشهر عليه، أن يعزم ليكون فرصةً جديدةً نحو القرب من الله.
1- ما هي أهمّ أعمال شهر رمضان التي تترك أثرها في الإنسان وفي إصلاحه بحسب المنقول في النصوص الإسلاميّة؟
لا شكّ في أنّ لشهر رمضان بأيّامه ولياليه خصوصيّة ليست موجودة في غيره من أشهر السنة، كما ورد في خطبة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال شهر رمضان: "أيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات"(1).
وقد وردت فيه أعمال كثيرة من الطاعات، سواء في العبادات الخاصّة أم في التعاطي مع الناس، فمن استطاع أن يجمع بينها، فقد فاز بالخير الكثير والأجر الجزيل، وإلّا فليسعَ للإتيان بما استطاع طلباً، للقرب والرضى الإلهيّ، وليقتصر على أهمّ هذه الأعمال، كما وردت في النصوص الإسلاميّة، وأهمّها خطبة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: الصدقة، وحُسن الخلق، وإكرام الأيتام، وتلاوة القرآن، وصلة الرحم، والإكثار من الصلاة على النبيّ وآله صلى الله عليه وآله وسلم، والورع عن محارم الله، وإحياء ليالي القدر ما أمكن بما ورد فيها من أعمال.
2- ما هو أفضل إحياء لفترة السحر من شهر رمضان وأثره على روحيّة الإنسان؟ وهل لديكم توصيات خاصّة؟
فترة السحر هي أفضل فترة زمنيّة من الليل، وتزداد فضلاً في شهر رمضان؛ لأنّ لياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، ومنها ساعات السحر، والسحر هو الثلث الأخير من الليل، والمطلوب أن يجتهد فيه المؤمن بالعبادة والدعاء ما يستطيع. ومع الأسف، فإنّ كثيراً من الصائمين يخسرون بركات هذه الليالي، وخصوصاً السحر، لعدم استيقاظهم للسحور، علماً أنّ السحور مستحبّ في شهر رمضان.
ولعلّ أفضل ما يأتي به المؤمن في فترة السحور:
- قراءة دعاء السحر مع دعاء أبي حمزة الثمالي، ولو بعضاً منه إذا لم يتّسع الوقت لتمامه؛ لطوله.
- الإتيان بصلاة الليل بتمام ركعاتها؛ فإنّ السحر هو أفضل أوقاتها.
- قراءة القرآن فيها.
وهذا يستدعي الاستيقاظ مبكّراً؛ مراعاةً لهذا الوقت.
- الاستغفار.
3- كيف يمكننا الاستعداد لإحياء ليالي القدر ليتمكّن الإنسان من تحقيق روحيّة وجدّ في العبادة؟
ليلة القدر بنصّ القرآن الكريم هي خير من ألف شهر، كما عبّر عنها بأنّها ليلة مباركة في سورة الدخان، وكفاها فضلاً بذلك، وقد ورد في فضلها الكثير من الروايات، نذكر منها:
ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: من أحيا ليلة القدر غُفرت له ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء، ومثاقيل الجبال، ومكاييل البحار"(2). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "تُفتح أبواب السماء في ليلة القدر، فما من عبدٍ يصلّي فيها إلّا كتب الله له بكلّ سجدةٍ شجرةً في الجنّة..."(3).
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوي فراشه، ويشدّ مئزره في العشر الأواخر من شهر رمضان، وكان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين، وكان يرشّ وجوه النيام بالماء في تلك الليلة، وكانت فاطمة عليها السلام لا تدع أحداً من أهلها ينام تلك الليلة، وتداويهم بقلّة الطعام، وتتأهّب لها من النهار، وتقول: (محروم من حُرِم خيرها)"(4).
ومن لا يستطيع إحياء الليلة كاملةً، فليقتصر على أهمّها، كدعاء الجوشن الكبير، وقراءة سورة القدر ألف مرّة، وإلّا فما أمكن.
4- ورد في خطبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الشياطين مغلولة، لكنّ النفس تجمح أحياناً للتلهّي، خاصّةً أمام ظاهرة المسلسلات الرمضانيّة، والسهرات، والمطاعم، والمقاهي المنتشرة. كيف يمكن أن نستعيد بركة الشهر أمام سوق التلهّي هذا؟
ورد في خطبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "... والشياطين مغلولة، فأسالوا الله أن لا يسلّطها عليكم"(5). كيف يسلّط الله الشياطين المغلولة على الناس في شهر رمضان؟ هناك من يفكّ الأغلال، وهو الإنسان نفسه الذي لا يستفيد من بركات هذا الشهر بالتوبة، والاستغفار، والدعاء، والطاعات، ولا يكون قد وطّن نفسه وهيّأها لدخول هذا الشهر بالعزم على الاستفادة من خلال الابتعاد عن كلّ ما يلهي النفس عن أن تنهل من نبع بركات هذا الشهر، فيأتي بما يُسخط الله، فيُخلي الله بينه وبين الشياطين لتوسوس له وتقوده إلى المهاوي السحيقة إن لم يتدارك نفسه.
ولذلك، على المؤمن أن يعدّ نفسه من أوّل الشهر للابتعاد عن كلّ ما يلهي، واجتناب قضاء الأوقات والساعات في مثل هذه الأمور التي تنسي ذكر الله، وتجعل الإنسان ليس له من صيامه إلّا الجوع والعطش، وأن يعلم أنّه أمام نفحة من نفحات الله الكبرى، فليستفد منها للتزوّد لأخراه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
•توصيات مفيدة
ينصح بقراءة خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في بداية شهر رمضان؛ وذلك للمرور على أهم وصاياه صلى الله عليه وآله وسلم، ويمكن أن يعمد المؤمن إلى وضع لائحة بالأعمال التي يودّ الالتزام بها أو تنفيذها ليراقب يومياً أو في نهاية الشهر مدى التزامه بما ورد، ليعزم العام القادم على تنفيذ ما لم يوفّق إليه. تساعد هذه الطريقة في أن نتمكن من تطبيق وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلّها، ولو مرةً في العمر.
كما يُنصح بقراءة دعاء وداع شهر رمضان في أوّله، لتدارك ما يمكن أن نندم على فواته من الشهر ذي الساعات المباركة.
1.فضائل الأشهر الثلاثة، الصدوق، ص58، ح61.
2.(م.ن)، ح9.
3.مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج7، ص470، ح15.
4.فضائل الأشهر الثلاثة، (م.س)، ص58، ح61.
5.الأمالي، الصدوق، ص155.