في لقاء ثقافي، اجتمع الإمام الخامنئي مع العاملين في مجال الكتاب، وذكر أن الهدف الأول من اللّقاء هو التنويه بجهود القيّمين على الكتب والمكتبات. وأما الهدف الثاني فهو التعبير رمزياً عن احترام الكتاب ومطالعته وكذلك أهميته في المجتمع، فقال: كلّما تقدّمت وتطوّرت البشرية أكثر ازدادت حاجتنا للكتاب أكثر. يخطئ من يتصوّر أنّ ظهور وسائل الاتصال الجمعي الحديثة سوف يفرض علي الكتاب العزلة، لأن الكتاب يزداد أهميّة في المجتمع البشري يوماً بعد آخر. والميزة الأهم للأدوات والوسائل الحديثة هي نقل الكتب ومضامينها ومحتوياتها بسهولة أكبر. فلا شيء يمكنه أن يحلّ محلّ الكتاب. إذا أردنا أن نتكامل من الناحية الفكرية ومن حيث التجارب والأذواق والفنون، فيجب علينا تقوية أواصرنا بالكتاب. علينا أن نغتنم بجدّ فرصة انتفاعنا من النّتاج الفكري لأي إنسان، وهذا ما يقدّمه ويهديه لنا الكتاب. لذا فهو سيبقى ظاهرة وذا قيمة كبيرة. كان كذلك دائماً وسيكون كذلك في المستقبل أيضاً. لذلك ينبغي الاهتمام بالكتاب.
* أهميّة مطالعة الكتاب
إن الاهتمام بالكتاب يعني الاهتمام بمطالعته، وإشاعة تقليد المطالعة في المجتمع. لذا، كان لا بدّ من التشجيع على تعلّم القراءة والكتابة. وبذلك يستطيع الأفراد الاستفادة ممّا تقدّمه لهم أفكار الآخرين وأذواقهم ومواهبهم. وهذا غير متاح من دون المطالعة. وأعتقد أنّ من أسوأ أنواع الكسل وأفدحها خسارة هو الكسل عن قراءة الكتب. وهو ما قد يستحوذ على الإنسان إذا تساهل في هذا المجال. من هنا، تقع علي عاتق جميع الأجهزة والمؤسسات المسؤولة في هذا المضمار مسؤولية ترويج المطالعة في المجتمع، ابتداء من المدارس الابتدائية حيث يجب تعويد الأطفال على قراءة ما يناسب من كتب بتدبر وتأمل إلي وسائل الاتصال الجماعي، الإذاعة والتلفزيون والوسائل الإعلامية المختلفة.
* الترويج للمطالعة
ومن الأعمال الكبيرة والمهمّة علي مستوي المجتمع أن تكون الدّعاية لمطالعة الكتاب شاملة وواسعة، أي بمستوى ما يُروّج لبعض البضائع غير الضرورية في حياتنا، وربما يكون بعضها مضراً في أحيان أخرى. فيما وبلحاظ عظمة الكتاب وقيمته، جديرٌ أن يُروّج له ويُشجّع المستطيعون علي قراءته. يجب أن نكرّس هذا الأمر عادةً جاريةً بين الناس. وأقولها لكم، إننا غير راضين عن واقع المجتمع في هذا الخصوص. صحيح أن الكتب تنشر أحياناً بأضعاف مضاعفة، وأن عدد نسخ بعض الكتب يرتفع كثيراً، لكن هذا لا يكفي، هذا قليل جداً، يجب أن يشتري الناس الكتاب لقراءته لا لتجميل غرفة المكتبة واستعراضه علي هذا وذاك.
* مسؤولية من؟
أما فيما يتعلّق بالمكتبات وأمناء المكتبات فإنهم يتحملون في هذا الصدد مسؤولياتٍ وجهوداً كبيرة، لأنهم المتصدّون بشكل مباشر لهذه المهام، وبمقدورهم أن يكونوا مصدراً ومرجعاً لتوجيه الراغبين في مطالعة الكتب؛ فمن المهم أن نعوّد الذّهن على النظام. أحياناً، تتطلب مراجعة كتاب معيّن قراءة كتب أخرى مناسبة أو مقدّمة للموضوع، عند ذلك يكون تأثير قراءة الكتاب أكبر وأعمق بكثير مما لو قرئ دون ملاحظة ما يرتبط به من مواضيع مقدّمة له. وهذا يحتاج إلي توجيه طبعاً.
كما يوجد بعض الذهنيّات لديها قابليّة للكتابة، بيد أنّها تميل إلي قراءة الكتب السهلة التي لا تحتاج إلي تفكير. لا إشكال في ذلك فهذه أيضاً مطالعة للكتب، غير أن الأفضل من هذه الطريقة في مطالعة الكتب هو أن يمزج الإنسان في مطالعاته بين الكتب السهلة الرواية مثلاً أو الخواطر أو الكتب التاريخية السهلة والكتب التي تحتاج إلي تفكير ودراسة، حيث يعتاد الذّهن علي التأمل والتدقيق ويبذل جهداً وطاقة حيال الكتاب. وهذا بحاجة إلي توجيه أيضاً. ومن الأمور التي نحن بأمسّ الحاجة إليها اليوم تنظيم برامج للمطالعة، بحيث تتناسب مع شرائح المجتمع المختلفة: الشباب، الأحداث.. فتكون جاهزة عندما يسألنا هؤلاء عمّا ينبغي أن يقرؤوه. إذ ليس لهذا السؤال إجابة محددة، وربما كانت له إجابات متعددة. وهذه وظيفة ومسؤولية العاملين في شؤون الكتاب.
* انتقاء الكتاب النافع
مسألة أخرى نحتاج إليها هي معرفة انتخاب الكتاب وانتقائه. فالكتاب هو حصيلة أفكار شخص وتجاربه وفنونه وذوقه، أو قد يكون من إنتاج عدة أشخاص. فليس كل كتاب مفيداً بالضرورة، مع العلم أن بعض الكتب مضرّ، وهو ما ينبغي الالتفات إليه، فكما أن الأدوية المسمومة والأدوية الخطيرة والأدوية المخدرة لا تسمح الجهات المختصة للكل باستخدامها، بل يبعدونها عن متناول الأيدي ويحذّرون منها أحياناً، كذلك الأمر بالنسبة للكتاب فهو طعام معنوي ينبغي أن لا نغفل عن تأثيره؛ فقد يكون فاسداً أو مسموماً أو مضراً. وليس من حق الناشرين أو أمناء المكتبات أو المسؤولين عن التوزيع أن يضعوا هذه الأشياء تحت تصرف أفراد غير واعين. وهذا الأمر يُفرد له في الفقه الإسلامي فصلٌ خاص. إذاً، ينبغي توفير الكتب الجيدة السليمة، التي تستطيع المساعدة في التربية الفكرية وعرض الدّرب الصحيح. ومن الضروري الاهتمام بهذه النقطة في برامج المطالعة أيضاً.
* احذروا الأغراض السياسية
كما نلاحظ أحياناً أنّ التوجيه يشوبه شيء من الانحراف. إذ يري المرء بوضوح أن في سوق الكتاب وشؤونه أيديَ ناشطةً تستورد أو تترجم بعض المواضيع وبظاهر ثقافي لأغراض سياسية. فالكثير من الأمور التي تشاع ضمن الإطار الثقافي من قبل الأجانب والأعداء ومعارضي الإسلام والنظام الإسلامي ظاهرها ثقافي لكن باطنها سياسي. وهذه مسؤولية العاملين في مجال الكتاب سواء أمناء، أم مدراء المكتبات أم الناشرون المحترمون يجب أن يتفطنوا وينتبهوا إلي ضرورة نشر مواد "غذائية" معنوية سليمة ومفيدة ومقوّية في المجتمع. من حسن الحظ أن مستوي التعليم وإمكانية الاستفادة من الكتاب حالياً جيدة وواسعة. لنعمل ما من شأنه أن يجعل المطالعة أمراً شائعاً وأن لا يسقط الكتاب من أيدي الشباب. فالإنسان لا يستغني عن الكتاب أبداً، منذ فترة حداثته وبداية تعليمه إلي آخر عمره، فهو يحتاج إلي إدراك الأمور واجتذاب المواد الغذائية المعنوية والروحية والفكرية.. هذا ما يجب أن يُفهم ويُتابع ويُعمل له علي مستوي عموم المجتمع.أعانكم الله وشملكم بأدعية إمامنا بقية الله أرواحنا فداه إن شاء الله.
(*) من كلمة للإمام الخامنئي"دام ظله" في مدراء المكتبات العامة و أمنائها 20/07/2011.