السيد سامي خضرا
يحرص الدين الإسلامي على بقاء العلاقة الزوجية والحفاظ على تماسك الأسرة من حيث اتخاذ جميع الوسائل والأساليب لعلاج المشاكل الطارئة, إلا أنه مع ذلك شرَّع الطلاق ووضع له نظاماً حتى يتم بأقل قدر من الخسائر، ولكي يعطي فرصة لحياة جديدة لكلا الزوجين.
* أبغض الحلال
فإذا سُدَّت الطرق ونضب معين الحلول فلا مفرَّ من الطلاق كوسيلة لإنهاء الأزمات والمشاكل المستمرة ولتحصيل الاستقرار المنشود... من هنا يبرز مفهوم الطلاق (أبغض الحلال إلى الله كما قيل). فالتخيير هو : بين طلاق وفرصة جديدة أو حياة زوجية ملؤها المرارة والتعب ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ (البقرة: 229). وصحيح أنَّ الطلاق هدم لبناء الأسرة, إلا أنه في الإسلام هدم منظَّم يحافظ على اللبنة، فينقلها من مكان إلى مكان آخر أكثر تلاؤماً دون كسرها أو إهمالها. فالطلاق مخرج صحي لعلاقة مضطربة. عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "أيُّما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس, فحرامٌ عليها رائحة الجنة" (1).
يقول ابن سينا:
"ينبغي أن يكون إلى الفرقة سبيل ما, وألّا يُسدُّ ذلك من كل وجه, لأن حسم أسباب التوصّل إلى الفرقة بالكلية يقتضي وجوهاً من الضرر والخلل, منها: أنَّ من الطبائع ما لا يألف بعض الطبائع, فكلما اجتهد في الجمع بينهما زاد الشر والنبوّ (أي الخلاف), وتنغّصت المعايش" (2). واللازم أن يراعي الطلاق الجوانب والآثار التي تحصل بسبب الفرقة.
* آداب الطلاق
كثير من الناس يظهر منهم في ظروف الطلاق السوء والظلم, حيث تتملكهم مشاعر الكراهية والغضب, وتستحوذ عليهم رغبة في الانتقام من الطرف الآخر أو إذلاله أو استغلاله أو الضغط عليه. ولهذا تكثر الاتهامات المتبادلة والتهم ومحاولة كل طرف الانتقاص من الطرف الآخر، والمغالطات وشهادات الزور ومحاولات الابتزاز. وهذا كله ليس من آداب الإسلام وليس من الخُلق القويم وإنما يعكس دناءة في النفس.
* ومن آداب الطلاق
1ـ أن يقع الطلاق في حالة هدوء لا غضب فيه ولا تسرّع من كلا الطرفين.
2ـ لا تخرج المرأة من البيت إلا إذا أتمَّت العدة وتبيّن بعد انقضائها صدق الرغبة في الطلاق والإصرار على الفراق، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ... وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ (الطلاق: 1).
3ـ ولا تعضلوهنّ: لا يجوز الابتزاز للتنازل عن الحقوق كالمهر وغيره, كما لا يجوز أن يبخسها حقوقها الشخصية، يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾ (النساء: 20).
4ـ الاحترام: فمهما كان الألم ومهما كانت المعاناة فلا بد من الاحترام المتبادل بين الطرفين، وإظهار ذلك بقدر المستطاع والحرص الشديد على كتمان ما يتعلق بتفاصيل الحياة السابقة بينهما، وعدم فضح أحدهما للآخر؛ لأن في ذلك ضرراً لهما, فلا يتناولا باللسان ما يسيء بحق أو بباطل امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (البقرة: 237).
5ـ ولا تنازعوا: لا يصبح التنازع هدفاً انتقامياً لتحطيم الآخر وإهانته، أو وسيلة لإظهار سلطة أحدهما على الآخر، فمثل هذه التصرفات مخالفة لشرع الله تعالى وتؤدي غالباً إلى نتائج لا تُحمد عقباها.
6ـ الكتمان وعدم إفشاء الأسرار: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "إن من شرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه ثم ينشر أحدهما سرَّ صاحبه" (3). وروي عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأته فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته، فلما طلقها قيل: لم طلقتها؟ فقال: ما لي وامرأة غيري. وروي أيضاً أن رجلاً طلق زوجته فسأله أحد الناس عن السبب في طلاقها فقال: كنت أصون لساني عن ذكر عيوبها وهي زوجتي فكيف أستبيح ذلك وقد صارت أجنبية عني؟ !
7ـ حفظ الحقوق: أن يتم الاتفاق على النفقة وتفاصيلها، وترتيب إقامة الأولاد بحيث لا يحرموا من أحد الأبوين، والاتفاق على نظام التعليم الخاص بهم إذا كان كل من الأب والأم في بلد منفصل عن الآخر وأين ومع من سيتم قضاء الإجازات، وما الوسيلة التي من خلالها يتم تبادل الآراء ووجهات النظر حول شؤون الأولاد، وما الآلية التي ستتبع في مراعاة الجوانب النفسية عندهم، وكيفية متابعتهم في ذلك.
8ـ البعد عن النكاية والنكد: فالطلاق هو حل وعلاج وضرورة إنسانية تحتمها الفطرة البشرية ويقتضيها الإصلاح الاجتماعي فيكون الطلاق بكل ما يحمله من سلبيات هو أخف الضررين، فيقرر الزوجان إنهاء مرحلة التعاسة أملاً بأن يحقق السعادة كل منهما بعيداً عن الآخر. والحكمة من تشريع الطلاق توفير الراحة لكلا الزوجين وضمان أداء الأسرة لواجبها الاجتماعي والإنساني كما قال الله تعالى: ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ.. ﴾ (النساء: 130).
9ـ التلطَّف وعدم التعنيف: والإبقاء على شيء من الودّ وتطييب القلب، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ (النساء: 19).
(1) زبدة البيان، المحقق الأردبيلي، ص 608.
(2) فقه السنة، الشيخ سيد سابق، ج 2، ص 244.
(3) شرح رسالة الحقوق، حسن السيد علي القبانجي، ص 525.