السيّد علي عباس الموسوي
فطر الله عزّ وجل الإنسان على حبِّ الكمال والسعي إليه. وتشمل هذه الفطرة الإلهيّة الكمالات المادّية والمعنويّة، وإن كان قد يغلب على سيرة الإنسان سعيه لأحد نوعَي الكمال دون الآخر. ولأنَّ الوصول إلى الكمالات غير متيسّر للإنسان لقصور معرفته فقد واتر الله عزّ وجل أنبياءه لإرشاد الناس إلى ما فيه كمالهم المعنويّ، وبعث مع رسله شرائع وأحكاماً تكفل وصول الناس إلى تلك الكمالات المجهولة.
ومن هذه الأحكام والتشريعات الإلهيّة نظام العبادات الذي يسعى في هدف أساس لبناء الشخصيّة المعنويّة عند الإنسان، من خلال الوصول به إلى مقام القرب الإلهيّ. وتعدّدت العبادات وتنوّعت من صوم وصلاة وحجّ وخمس وسائر الفرائض، لأنَّ للنفس الإنسانيّة جوانب متعدّدة لا بدّ وأن تشملها التشريعات. وقد جعل الله عزّ وجل عبادته على درجات، لينال كلُّ إنسان بقدر جهده وما يبذله في سبيل الوصول إلى الكمال. ودعا الإنسان للارتقاء بعبادته درجةً بعد أُخرى حتَّى يصل فيها إلى أعلى ما هو منشود من كمالٍ معنويّ. ومن هذه العبادات فريضة الصوم التي أوجبها في شهر رمضان الذي جعله من أفضل الشهور.
وللصوم حكمة منها تقوية الإرادة الإنسانيّة على الاجتناب عن المحرّمات. فالكفّ المفروض في هذا الشهر الكريم عن بعض المباحات بابٌ للكفّ عن سائر المحرّمات؛ لأنّ في ترويض النفس في ساعات نهار هذا الشهر تقويةً لإرادة الإنسان للكفّ عن المحرّمات، ولذا كان تأكيد المرويات الورادة عن أئمّة الدين على أنّ على الصائم أن يُكمل صومه بالكفّ عن كلِّ خُلقٍ سيىء ومعصية، وإلا لم يكن له من صومه إلا الحرمان من الطعام والشراب. ويرتقي الصوم بالإنسان الذي يأتي به على وجهه ليكفَّ في مرحلةٍ أُخرى حتّى عن التفكير في تلك المحرّمات، فهي لا تخطر بباله ولا تأتي إلى تفكيره، وبهذا يقي نفسه من الوقوع فيها، وهذا هو معنى ما ورد عن الإمام علي عليه السلام: "صيام القلب عن الفكر في الآثام ، أفضل من صيام البطن عن الطعام".(1) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.