مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قراءة في وصيّة الإمام الخميني قدس سره

آية الله الشيخ عبد الله جوادي آملي



شكّلت الوصيّة الإلهية السياسيّة للإمام الخميني قدس سره وثيقة تقوم على أساسها حركة الجمهورية الإسلامية. ولذا كان من المفيد تقديم قراءة لهذه الوصية، وهو ما قام به الشيخ جوادي آملي في هذه المقالة. اعتمدت الوصيّة الإلهية السياسية للإمام الخميني قدس سره مضامين هامّة، كانت ركيزتها شرح آية من القرآن الكريم أو رواية عن العترة المعصومين عليهم السلام، لذا كان لا بد من الإضاءة على المصادر القرآنية والروائية التي بنى عليها الإمام الخميني قدس سره وصيته هذه ضمن مسائل:


المسألة الأولى: الإسلام هو الدين الوحيد الموصوف بأنه الحق والمقبول عند الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ (آل عمران: 19)، ﴿رَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً (المائدة: 3). والسبب في ثباته ورضايته أنه جامع للكمال وللنعمة الإلهية بأتمها. وقد أوصى الأنبياء عليهم السلام النّاس باتّباع دين الإسلام: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (البقرة: 132).

المسألة الثانية: بما أن حقيقة الإسلام تنحصر في مجموعة الوجودَين التشريعي والتكويني، فقد أوصى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بالتمسك بالكتاب والعترة: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهلي بيتي" (1). وتحدث أمير المؤمنين عليه السلام عنهما فقال: "أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين" (2). وبما أن العترة تعمل على توضيح الوحي فهما لا يفترقان عن بعضهما بعضاً أبداً.

المسألة الثالثة: بما أن القادة الإلهيين هم أولياء الله، وجب التمسك بولايتهم على أساس أنّهم يدعون إلى الحق، وأما ترك العمل بوصيّتهم فيؤدي إلى الهلاك، عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "إن تمسكتم بهما لن تضلوا" (3). ومن هنا ندرك سبب بدء الإمام الخميني قدس سره وصيته بحديث الثقلين المتواتر. وقد اعتبر أن حياة الأمة الإسلامية مرهونةٌ بالتمسك بهما، وأنّ هجران أحدهما هو هجرانٌ للآخر (4).

المسألة الرابعة: يشير برهان النبوة العامة إلى أن الدين مجموعة من القوانين الفردية والاجتماعية، وهو بعينه جعل وجود المنفِّذ والقائد والمعصوم عليه السلام ضرورياً. وهذا بعينه هو المزج بين الديانة والسياسة.

المسألة الخامسة: انتصار الثورة الإسلامية في إيران هدية إلهية تشبه انتصار الإسلام في المدينة المنورة، حيث أدى الأمر إلى انزواء اليهود.

المسألة السادسة: يكفي في أهمية حفظ الإسلام اعتبار العترة الطاهرة الثقل الآخر الذي يجب الحفاظ عليه بكل القدرات والإمكانيات.

المسألة السابعة: إن سرّ انتصار الثورة الإسلامية هو بعينه سرّ بقائها. وقد ساهم في انتصارها ركنان أساسان:
1ـ الدافع الإلهي: وذلك من خلال الآية الكريمة ﴿وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا (التوبة: 40).
2ـ الوحدة: وهو ما جاء في القرآن الكريم ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا (آل عمران: 103). ويؤثر هذان الركنان في ثبات الحق وتوجه كافة القوى نحو هدفٍ واحدٍ حيث لا مجال في هذا الإطار للاختلاف والتشتت.

المسألة الثامنة: إن حضور الأمة في الساحة شرطٌ ضروري للنصر. صحيح أن عدم وجود قائد إمام عادل لا يؤدي إلى النصر، إلا أن حضور الأمة ضروري حيث تكون الأمة السند الأساس؛ فتمشي مع القائد نحو الهدف الواحد: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ... (النور: 62). وقد عملت الأمة الإيرانية بهذه الآية الشريفة، فكانت مدافعةً عن الإسلام المحمدي وكما تحدث القرآن الكريم بإجلال حول إيثار الأنصار في المدينة، كذلك تحدث الإمام الخميني قدس سره بإجلالٍ حول كافة أبناء الشعب.

المسألة التاسعة: إذا كان الاكتفاء الذاتي متفرِّعاً عن معرفة الذات، فإن الأمة الإسلامية ونتيجة معرفة الذات تتقدم في مجال المعارف العلمية واستخراج المخازن الاقتصادية، وتصبح عَلماً للآخرين حتى المكاتب والتيارات الأخرى. ولا يشير هذا الأمر إلى علمٍ خاصٍّ بعينه، بل إلى العلوم التي تحتاجها الأمة في كل وجودها الاجتماعي. وإذا تمكّنت الحوزة من تقديم الفقيه الورع والجامعة من تقديم الطبيب الثقة عند ذلك تتمكن من التخلص من إمارة الأهواء.

المسألة العاشرة: إن المال في الثقافة الإسلامية بمنزلة العمود الفقري للمجتمع، لذا لا يجب وضعه في أيدي السفهاء: ﴿وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً (النساء: 5)؛ لأن وجوده في أيديهم سيوجّه ضربةً قاسيةً إلى ذاك المجتمع، وسينتشر الفقر. من هنا تحتل مسألة إزالة الفقر أهميةً خاصةً في النظام الإسلامي، أضف إلى أنّه يجب الالتفات في المجتمع إلى طائفتين من الناس، هما:
الطائفة الأولى: المتعفّفون، وهم الفقراء الذين لا يسألون خوفاً على حيثيةٍ يمتلكونها: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ (البقرة: 273).
الطائفة الثانية: المهاجرون والمجاهدون الذين أُخْرجوا من ديارهم بغير حق، وذلك لوقوفهم إلى جانب الحق. ومن هنا يتضح السرّ في دفاع الإمام الخميني قدس سره عن المحرومين.

المسألة الحادية عشرة:
يلعب الناس دوراً أساساً في الحفاظ على الثورة، ما داموا متيقظين. أما غفلتهم فتؤدي إلى محاولة الأعداء النيل من الثورة. ومن هنا ندرك سرّ وصايا الإمام قدس سره بضرورة اليقظة والتنبه للأخطار التي يشكّلها الأعداء ونفوذهم في المجتمع، بالأخص في الحوزة والجامعة حيث يظهر في وصيته حث الجميع على المواجهة والنهوض للدفاع. ما نرجوه هو أن تنهض الأمة الإسلامية لتعمل بما أوصى به الإمام في وصيته السياسية الإلهية التي تحمل أرقى وأعلى المضامين.


(1) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 1، ص 76.
(2) نهج البلاغة، الشريف الرضي، من كلامٍ له عليه السلام في وصيته قبل استشهاده، رقم 149، ج 2، ص 33.
(3) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 36، ص 331.
(4) صحيفة نور، الطبعة القديمة، ج 21، ص 169.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع