السيد ربيع أبو الحسن
جعل المولى تعالى لعباده رحمةً بهم مواقيت زمانية ومكانية، بغيةَ تعميق العلاقة
والارتباط بخالقهم والتفرغ فيها له عمّن سواه. ومن هذه المواقيت شهر رجب الحرام.
* فضله
شهر رجب هو شهر أيامه من أيام الله. وهو من مواسم الدعاء.
عن النبي صلى الله
عليه وآله : "إن الله تعالى نصب في السماء السابعة ملَكاً يقال له "الداعي", فإذا
دخل شهر رجب نادى ذلك الملك كل ليلة منه إلى الصباح "طوبى للذاكرين, طوبى للطائعين,
(يعني هنيئاً) ويقول الله تعالى: أنا جليس من جالسني ومطيع من أطاعني وغافر من
استغفرني. الشهر شهري والعبد عبدي والرحمة رحمتي فمن دعاني في هذا الشهر أجبته
وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي، فمن اعتصم به وصل إليّ" (1). وفي
روايات أهل البيت عليهم السلام:
رجب شهر الله وشعبان شهر رسول الله صلى الله عليه وآله.... (2). وسُمِّيَ بـ رجب "الأصب"؛
لأن "الرحمة تُصبُّ على أمتي فيه صبّاً..."(3). وروي أن رجباً نهر في الجنة أشدُّ
بياضاً من اللبن وأحلى من العسل...(4). وكان هذا الشهر الفضيل معروفاً عند أهل
الجاهلية، فكانوا ينتظرونه لحوائجهم، ويسمّونه رجب الأصمّ؛ لأنهم كانوا يعطّلون فيه
أسلحتهم ويضعونها، حتى لو مرَّ أحدهم على قاتل أبيه لم يوقظه، وقد راعى الإسلام ذلك
فكان هذا الشهر من الأشهر الحرم.
* محطّات من الشهر الفضيل
من مراقبات هذا الشهر معرفة حقه حتى يراقب السالك فيه حركاته وسكناته. وفي هذا
الشهر محطات ومناسبات عظيمة لا بدّ من إحيائها بالأعمال الواردة في كتب الأدعية حتى
يستوفي السالك حقها، ومن هذه المحطات:
* ليلة الرغائب
وهي ليلة عظيمة الشأن، وذات فضل كبير. فقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله:
"... ولكن لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة فيه، فإنها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة
الرغائب، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لم يبق ملك في السماوات والأرض إلا ويجتمعون
في الكعبة وحواليها ويطلع الله عليهم إطلاعة فيقول لهم: يا ملائكتي اسألوني ما شئتم،
فيقولون: ربنا حاجاتنا إليك أن تغفر لصوّام رجب، فيقول الله عز وجل: قد فعلت ذلك.
ثم يذكر صلى الله عليه وآله الصلاة الخاصّة بهذه الليلة، ويقول: والذي نفسي بيده لا
يصلي عبدٌ أو أمةٌ هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه، ولو كانت ذنوبه مثل زبد
البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وعدد ورق الأشجار، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من
أهل بيته ممن قد استوجب النار..."(5). ويذكر صلى الله عليه وآله ثواباً كثيراً
لمقيم هذه الصلاة ولمن يحيي هذه الليلة أعرضنا عن ذكره اختصاراً.
* الليالي والأيام البيض
الليالي البيض وهي ليلة 13-14-15 من كلّ شهر، وأيامها الأيام البيض. وإنما سميت
بِيضاً لبياض لياليها؛ بظهور القمر فيها من أول الليل إلى آخره. والأيام البيض
يستحب صومها، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لأمير المؤمنين عليه السلام:
"من صام الأيام البيض... كتب الله له بصوم أول يوم صوم عشرة آلاف سنة وبثاني يوم
صوم ثلاثين ألف سنة وبثالث يوم صوم مائة ألف سنة ثم قال هذا لك ولمن عمل ذلك"(6).
* اليوم الثالث عشر
يوم ولادة أمير المؤمنين عليه السلام. وهو من الأعياد الكبرى التي تستوجب الشكر
وذلك من خلال زيارة الأمير في مولده والإتيان ببعض الأعمال من صوم وصلاة وزيارة
وإظهار الفرح بهذه النعمة الكبرى.
* ليلة الخامس عشر من رجب
هي من الليالي العظيمة والمباركة، ينظر فيها الله بالرحمة لعباده؛ فيغفر لهم ذنوبهم،
لا، بل ويبدلها حسنات، فعن النبي صلى الله عليه وآله: "إذا كان ليلة النصف من رجب
أمر الله خزان ديوان الخلائق وكتبة أعمالهم، فيقول عز وجل لهم: انظروا في ديوان
عبادي وكل سيئة وجدتموها فامحوها وبدّلوها حسنات"(7).
* يوم النصف من رجب
ورد عن ابن عباس أنه قال: "قال آدم عليه السلام: يا رب أخبرني بأحب الأيام إليك
وأحب الأوقات، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: يا آدم أحب الأوقات إلي يوم النصف من
رجب، يا آدم تقرَّب إلي يوم النصف من رجب إلى أن قال إني باعث من ولدك نبياً (..)
عظيم البركة، أخصُّه وأمته بيوم النصف من رجب، لا يسألوني فيه شيئاً إلا أعطيتهم،
ولا يستغفروني إلا غفرت لهم، ولا يسترزقوني إلا رزقتهم، ولا يستقيلوني إلا أقلتهم،
ولا يسترحموني إلا رحمتهم. يا آدم من أصبح يوم النصف من رجب صائماً ذاكراً خاشعاً
حافظاً لفرجه متصدِّقاً من ماله لم يكن له جزاءٌ عندي إلا الجنة، يا آدم قل لولدك
أن يحفظوا أنفسهم في رجب فإن الخطيئة فيه عظيمة"(8).
* عمل أم داود
هو من أهمّ أعمال يوم الخامس عشر من رجب. وهو عمل عظيم، موصوفٌ بالإجابة، مجرّبٌ
لقضاء الحاجات المهمّة وكشف الكُرُبات ودفع ظلم الظلمة. أمّا سبب تسميته بعمل أمِ
داود فله قصة نذكرها مع مراعاة الاختصار: كانت أم داود (9) امرأةً مؤمنة فقدت ولدها
وتقول في ذلك: غاب عني (أي داوود) حيناً بالعراق وكان قد أُسر بأمرٍ من المنصور
العباسي ولم أسمع له خبراً، ولم أزل أدعو وأتضرع إلى الله جل اسمه... وأنا في ذلك
كله لا أرى في دعائي الإجابة، فدخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام...
فقال لي: يا أمّ داوود ما فعل داوود؟ فقلت: يا سيدي أين داوود وقد فارقني منذ مدةٍ
طويلةٍ وهو محبوسٌ بالعراق؟ فقال عليه السلام: وأين أنت عن دعاء الاستفتاح وهو
الدعاء الذي تفتح له أبواب السماء ويلقى صاحبه الإجابة من ساعته وليس لصاحبه عند
الله تعالى جزاءٌ إلا الجنة. فقلت له: كيف ذلك يا ابن الصادقين؟... فذكر لي الدعاء
فكتبته وانصرفت. ولما دخل شهر رجب فعلت مثل ما أمرني به، ثم رقدت في تلك الليلة
ولما كان في آخر الليل رأيت محمداً صلى الله عليه وآله، وكل من صليت عليهم من
الملائكة والنبيين, ومحمدٌ صلى الله عليه وآله وعليهم يقول يا أم داوود: أبشري وكل
من ترين من إخوانك (أعوانك) يبشرونك بنجح حاجتك, وأبشري فإن الله تعالى يحفظك ويحفظ
ولدك ويرده عليك، قالت: فانتبهت فما لبثت إلا قدر مسافة الطريق من العراق إلى
المدينة للراكب المجد المسرع العجل حتى قدم علي ّ داوود...(10).
ليلة ويوم المبعث الشريف
روي عن الإمام الجواد عليه السلام أنه قال:"إن في رجب ليلة هي خير للناس مما طلعت
عليه الشمس، وهي ليلة سبع وعشرين من رجب، فيها نُبِّئ رسول الله صلى الله عليه وآله
في صبيحتها، وإن للعامل فيها من شيعتنا أجرَ عمل ستين سنة، ثمّ ذكر عليه السلام عمل
هذه الليلة..."(11). ويستحب فيها زيارة أمير المؤمنين عليه السلام. قال السيد ابن
طاووس عليه الرحمة:" اعلم أن من أفضل الأعمال فيها زيارة مولانا أمير المؤمنين عليه
السلام(12). وأما يوم السابع والعشرين، فهو لا يقلّ فضلاً عن ليلته، وكيف ذا
وهو اليوم الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وآله. وهو من أعياد المسلمين
العظيمة. ويستحب تعظيم هذا اليوم ومعرفة حق نعمته. وفيه أعمال هامة تطلب من كتب
الأدعية. وأخيراً، نسأله تعالى أن يتغمّدنا برحمته، ويعفو عن زللنا وخطئنا بكرمه.
(1) إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، ج3، ص 174.
(2) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج5، ص232، ح1.
(3) م.ن، ج10، ص112، ح10.
(4) ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، ص53.
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 95، ص395.
(6) كشف الغطاء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء،ج2، ص322.
(7) إقبال الأعمال، م.س، ج3، ص232.
(8) م.ن، ص236.
(9) وهي أم للإمام الصادق عليه السلام بالرضاعة. قيل اسمها حبيبة أو فاطمة وكنيتها
أم خالد البربرية.
(10) بحار الأنوار، م.س، ج47، ص307.
(11) مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص813.
(12) إقبال الأعمال، م.س، ج3، ص265.