الشيخ إبراهيم نايف السباعي
عند الحديث عن فضل الساعات والأيام والأشهر، لا ينبغي غضّ
النظر عما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، من
الروايات المتحدثة عن عدم التشاؤم وعدم معاداة الأيام فتعاديكم، لأن كل الساعات خير
وكل الأيام سعد وكل الأشهر بركة ونعم. إلا أنه قد ورد في من أراد المزيد وطلب
الاستزادة والزيادة من الخير، فهناك الكثير وهناك الأكثر، مثلاً: لا ريب أن الصدقة
في يوم الجمعة أكثر ثواباً من الصدقة في يوم الاثنين، وإن كانت فيهما معاً تعطي
ثواباً، وكذا الدعاء يوم الأربعاء مستحب إلا أن الدعاء في آخر ساعة من يوم الجمعة
استحبابه أكثر وهكذا بقية الأمور. لكن الشيء المهم أن لا نعادي شيئاً من الساعات
والأيام والأشهر بمعنى أن لا نعتقد أن فيها سوءاً ونرتب عليه الأثر، كما هو المشهور
عند عدد من الناس وهو التشاؤم من يوم الأربعاء واعتبار العدد ثلاثة عشر نحساً...
والصحيح هو أنّ ليس فيها أي سوء والأربعاء كغيرها من الأيام والأعداد متساوية تماماً
بلا فرق، إنما المسائل خاضعة للصدفة والاتفاقات لأنه ليس في شيء كل الخير وفي شيء
كل الشر بل القضايا خاضعة للعلية، المعصية تعطي سلباً للنعم بمختلف أشكالها
وأنواعها، وفعل الخير يعطي زيادة في الخير وتوفيقاً من الله سبحانه وتعالى ممن كانت
ومهما كانت. الخير كل الخير في أيام مزرعة الآخرة وهي الدنيا فإن الساعات والأيام
والأشهر تحمل معها كل الخير لنا فلنحمّلها بالأعمال الحسنة لتنقلب هذه الأعمال
بالتالي ثواباً وأجراً وأوراقاً نقدية لا تصرف إلا عند رب العالمين يوم لا ينفع مال
ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
* من الأشياء الغريبة فضل أيام رجب العجيبة
شهر رجب المرجب من هذه الأشهر التي يكثر فيها الخير ويعم فيها الرزق وكذا الثواب
ويستجاب فيها الدعاء... فالصدقة فيه للمعاصي دواء، والصلاة فيه للوساوس شفاء،
والصوم فيه يدفع عنا البلاء، والأعمال الحسنة فيه جنة من النار، بل: إن الثواب الذي
يحمله لنا هذا الشهر يعجز عن وصفه اللسان فلو تركنا البيان للنبي صلى الله عليه
وآله وآله الأطهار عليهم السلام كان خير بيان وأصدق لسان. قد ورد في التطوع بالصوم
وفضل صوم أيام رجب المرجب الكثير من الروايات وصورتها على أنها مهمة، وفصلت في ذلك
في الصوم في من صام يوماً ويومين وثلاثاً، وهكذا فلو أردت ذكرها بتمامها لطال بنا
المقام لكن أرى من الجيد ذكر شيء من الأمور الوسط كي نقف على فكرة وبها كل العبرة.
روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: "إن نوحاً عليه السلام ركب
السفينة أول يوم من رجب فأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم، وقال: من صام ذلك اليوم
تباعدت عنه النار مسيرة سنة ومن صام اليوم الأول والثاني تباعدت عنه الناس سنتين".
وقال عليه السلام: "رجب نهر في الجنة أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل فمن
صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر".
* صم في رجب الكثير وخزّن ليوم عسير
كما ترى عزيزي القارئ إن كنت ممن ترك في كل سنة من رجب صيامه خسر وندم على خسران
أيامه، هل رأيت كم نخسر في كل سنة من الثواب ونترك بمحض اختيارنا صكوك الغفران
ونغلق أبواب الجنان، نعم، الكثير الكثير فإن صوم القليل في رجب المرجب كان جنة من
النار، لا وأزيدك من الشعر بيتاً فإن منافعها الدنيوية والمادية كثيرة فضلاً عن
الأخروية، كما ورد عن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنه قال: "من صام من رجب يوماً
واحداً من أوله أو وسطه أو آخره أوجب الله له الجنة وجعله معنا في درجتنا يوم
القيامة". نرى أئمتنا عليهم السلام يشددون على أصحابهم لصيام شهر رجب ويدفعونهم
لعدم تفويت ثوابه، بل ويشجعونهم على عدم التساهل بذلك أن في صيامه مغنماً وفي تركه
ندماً وحسرة. في حديث ورد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال لأحد أصحابه
وقد بقي من رجب أيام فنظر إليه وقال: هل صمت في هذا الشهر شيئاً؟ قلت: لا، يا بن
رسول الله، قال عليه السلام: قد فاتك من الثواب ما لم يعلم مبلغه إلا الله... فقال
عليه السلام: "يا سالم من صام يوماً من آخر هذا الشهر كان ذلك أماناً من شدة
سكرات الموت وأماناً له من هول المطلع وعذاب القبر، ومن صام يومين من آخر هذا الشهر
أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده، وأعطي براءة من النار".
* رجب كله ثواب ينجي من العذاب
أما صيام رجب فكما تقدم ثوابه كثير وكلما زاد الإنسان في صيام أيامه زاد الله في
ثوابه، لذا سأترك الحديث للإمام الصادق عليه السلام يروي لنا ما ورد عن النبي صلى
الله عليه وآله في فضل أيامه، بالطبع لم أورد كل الحديث لطوله بل اقتصرت على ما
رأيته حافزاً للقارئ للرجوع إلى المراجع لزيادة الثواب:
ـ ومن صام من رجب أربعة أيام عوفي من البلايا كلها من الجنون والجذام والبرص...
وأجير من عذاب القبر وكتب له أجور أولي الألباب والتوابين الأولين وأعطي كتابه
بيمينه في أوائل العابدين.
ـ ومن صام من رجب خمسة أيام كان حقاً على الله عزَّ وجلَّ أن يرضيه يوم القيامة
وبعث يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر وكتب له عدد رمل عالج حسنات وأدخل الجنة
بغير حساب ويقال له تمنَّ على ربك ما شئت.
ـ قال عليه السلام: من صام من رجب ستة أيام خرج من قبره ولوجهه نور يتلألأ أشد
بياضاً من نور الشمس، وأعطي سوى ذلك النور نوراً يستضيء به أهل الجمع يوم القيامة
حتى يمرّ على الصراط بغير حساب ويعافى من حقوق الوالدين وقطيعة الرحم.
ـ ومن صام من رجب ثمانية أيام فإن للجنة ثمانية أبواب يفتح له صوم كل يوم باباً من
أبوابها ويقال له: أدخل من أي أبواب الجنان شئت.
ـ ومن صام من رجب أيام البيض كتب الله بكل يوم صيام سنة وقيامها، ووقف يوم القيامة
موقف الآمنين.
ـ ومن صام من رجب ستة عشر يوماً كان في أوائل من يركب على دواب من نور يطير بهم في
عرصة الجنان إلى دار الرحمن.
ـ ومن صام من رجب سبعة عشر يوماً وضع له يوم القيامة على الصراط سبعون ألف مصباح من
نور حتى يمر على الصراط بنور تلك المصابيح إلى الجنان يشيعه الملائكة بالترحيب
والتسليم.
ـ ومن صام من رجب أحد وعشرين يوماً شفع في مثل ربيعة ومضر كلهم من أهل الخطايا
والذنوب.
ـ ومن صام من رجب أربعة وعشرين يوماً فإذا أنزل به ملك الموت تراءى له في صورة شاب...
وهوّن عليه سكرات الموت..
ـ ومن صام رجباً كله نادى منادٍ من السماء يا عبد الله أما ما مضى فقد غفر لك
فاستأنف العمل فيما بقي...
كما هو واضح عزيزي القارئ الثواب كثيروعظيم بلا مقابل، فقط تحتاج إلى قليل إرادة
وبعض التصميم ونضيف عليهما لحظة تفكير سليم فيما ستؤول إليه حالنا يوم لا ينفع مال
ولا بنون، وما ستحمله أيامنا وتُعبَّأ به خزائن أعمالنا. لنعلب الأيام بصورة جميلة
ونعبئ الخزائن بالمستحبات والأعمال الحسنة والأفعال الخيرة ففي صوم رجب كل العجب.
* في رجب لا عاجز بل الكل فيه فائز
هؤلاء الذين عجزوا عن إدراك صوم رجب من علة أو سبب أو أمور أخرى لكن لا عن إهمال أو
تسامح فيه وعدم اعتناء، قد جعل رب الأكوان سبحانه وتعالى في رجب رحمة للإنس والجان
رحمة بهم وشفقة عليهم وحباً لهم، فقد جعل الله بديلاً عن الصوم لهؤلاء المرضى
العاجزين عن صومه الراغبين في ثوابه كالمريض غير القادر على الصوم أو المرأة
المعذورة غير طاهرة فإن الله تعالى قد كتب لهم ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام
عن النبي صلى الله عليه وآله عندما سئل عن مثل هؤلاء أنه قال: "يتصدق في كل يوم
برغيف على المساكين والذي نفسي بيده إنه إذا تصدق بهذه الصدقة كل يوم ينال ما وصفت
وأكثر، لو اجتمع جميع الخلائق كلهم على أن يقدروا قدر ثوابه ما بلغوا عشر ما يصيب
في الجنان".
* اختم بالسلام ولكن ما زال عندي كلام
سئل النبي صلى الله عليه وآله عمن لم يقدر على هذه الصدقة في شهر رجب ماذا يفعل
لينال ما وصفت؟ قال صلى الله عليه وآله: "يسبح الله كل يوم من شهر رجب إلى إتمام
ثلاثين يوماً بهذا التسبيح مائة مرة: "سبحان الإله الجليل، سبحان من لا ينبغي
التسبيح إلا له، سبحان الأعز الأكرم، سبحان من لبس العزّ وهو أهل له".
* مسك الختام:
إن قراءة القرآن الكريم في شهر رجب له ثواب كبير أيضاً، ومن ثقلت همته عن ذلك لا
يفوِّتن قراءة سورة التوحيد فيه، لما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:
"ومن قرأها (سورة التوحيد) في رجب بُني له إثنا عشر قصراً في الجنة. وذكر لذلك
ثواباً عظيماً وأجراً جزيلاً".
(1) لآلئ الأخبار، ج1، ص217.