مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حكمة الأمير: ضالّة المؤمن‏

الشيخ علي ذو علم



عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الحكمة ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق" (1). الحكمة هي الكلام والمعرفة الصحيحة والمُحْكَمَةُ التي توجب اللياقة والمنطق في السلوك والأسلوب. والحكيم هو الذي يتمتَّع باستحكام وثبات وإتقان ومعرفة في النظر والعمل وفي الفكر والمسلك والسلوك، وهو الذي ينظّم ويدبّر أفكاره وأسلوبه بما يؤدِّي إلى الاستفادة من جميع الإمكانيات في طريق الكمال والسعادة الأبدية، وهو الذي يتحرَّك بوَلَهٍ وشوقٍ نحو مستقبل مشرق. إنّ الذي يصل إلى مقام ومنزلة الحكمة يروي المتعطِّشين لطريق السعادة وينقل الفضائل والقيم إلى الآخرين. والحكيم يتمتّع باستقامة وثبات ويمتلك سعة صدر وتواضعاً، فلا يقابل السيئة إلا بالحسنة، والأكثر من هذا أنَّه لا يغفل عن الحق في أقواله وأعماله ويتحرك ضمن حدود الحق فهو من أهل طاعة الله جلّ وعلا.

* رسالة الأنبياء عليهم السلام
لقد حمل الأنبياء عليهم السلام رسالة تعليم الناس الحكمة. كان أولياء اللَّه حكماء وكانوا يعلمونها للناس. مع الإشارة إلى أنَّ الحكمة قد تكون أحياناً عند غير المؤمن. يعتبر أمير المؤمنين عليه السلام أن الحكمة ضالّة المؤمن، ويأخذها أينما وجدها من غير اشتراط أن تكون عند المؤمن، فهو كالذي يسعى وراء شي‏ء قيّم ضائع يبحث عنه في كل مكان حتى لو وجدها عند غير المؤمن، فإنه يقبل على تعلّمها والعمل بها. قد تكون الحكمة عند من ليس أهلاً لها ولا من العاملين بها كما لو كانت عند المنافق أو الفاسق الذي غفل عن عظمتها وقيمتها، إلا أنَّ المؤمن يأخذها حتى من الكافر أو الفاسق ولا يمنعه وجودها عند هذين من الاستفادة، لأن الحكمة تعطي ثمارها أينما وجدت. وقد قالوا: "انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال". هناك العديد من الكلمات والحكم الخالدة والعظيمة تكون في متناول يد الفاسق والفاجر ولكن يجب التفريق بين القول والقائل.

بين حكمة المؤمن والمنافق
قد نجد من هو في غاية الطهارة والاستقامة إلا أنه لم يصل إلى مدارك الحكمة، وبالعكس قد يمتلك الخبيث أقوالاً صالحة حكيمة. طبعاً تجب الإشارة إلى أن الحكمة التي ينطق بها المنافق لا تتجاوز لسانه ولا طريق لها إلى قلبه، لأنها لو دخلت إلى قلبه وروحه لتمكن من الخروج من نفاقه. إنَّ بين الإيمان الحقيقي والحكمة علاقة وثيقة. فمن دون الحكمة تتزلزل الأسس المعرفية للإيمان. من جهة أخرى تفتح أبواب الحكمة على قلب الإنسان عند تجذّر الإيمان والإتيان بالأعمال الصالحة. من أخلص نفسه للَّه تعالى وراقبها بشكل مستمر، فإنَّ زلال الحكمة ينبع من قلبه ويجري على لسانه. ولا يمكن أن يكون هذا المقام لغير المؤمن. وهذا المستوى من الحكمة هو موهبة إلهية يعطيها اللَّه لمن يشاء، وأما من يحصل عليها فقد حصل على الخير الكثير. وقد أراد اللَّه تعالى أن يصل الصالحون والذين ابتعدوا عن اللذائذ الفانية إلى هذا المستوى.

* جوهر قلب المؤمن
الحكمة التي هي ضالّة المؤمن ليست مجرد المعرفة فقط أو التحدث بكلام حكيم كالتي نجدها عند من هو فاقد للإيمان. بل هي جوهر في قلب المؤمن يحركه نحو السلوك الحكيم والثابت والخلق الحسن والنية الخالصة الطاهرة ويأخذه إلى الكمال المطلق، إلى من هو "حكيم على الإطلاق" (2). ويلزم من البحث عن هكذا حكمة القرب من مظهر الحق التام إمام المتقين وأمير المؤمنين علي عليه السلام.


(1) نهج البلاغة، (خطب الإمام علي عليه السلام) الشريف الرضي، ج 4، ص 18.
(2) جامع الشتات (فارسي)، الميرزا القمي، ج 1، ص 99.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع