إن يوم السابع عشر من ربيع الأول هو يوم عظيم جداً في تاريخ البشرية. ففي مثل هذا
اليوم كانت ولادة عصارة البشرية وصفوة الصالحين وخلاصة الفضائل الإلهية المودعة في
وجود البشرية. كذلك كانت ولادة الإمام الصادق عليه السلام الذي يُعدّ الوصي الحقيقي
للنبي صلى الله عليه وآله وناشر الأفكار الإسلامية الصحيحة والإسلام الأصيل.
* نور في دياجي الظلمات
إن هذا اليوم بالنسبة للمسلمين هو يوم مُفعم بالبركة، ففيه وضع هذا الوجود المقدّس
قدمه في هذا العالم وكان نوراً في دياجي الظلمات:
﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾
(النور: 4). يقول أمير المؤمنين عليه السلام في وصف الأوضاع في تلك
الأيام وما آلت إليه البشرية في ذلك الزمان: "والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور"
(1). كان نور الإنسانية قد انمحق من قلوب الناس والمجتمعات وليس في الجزيرة العربية
فحسب، بل في عمق الإمبراطوريات العظمى والحكومات المتمدنة في ذلك الزمان، أي حكومة
إيران القديمة وروما. والغرور والخطأ في فهم الحقيقة كان واضحاً في جميع نواحي حياة
البشرية. ولم يكن الناس يعرفون الطريق أو الهدف. ولا شكّ أن بعض المؤمنين كانوا
موجودين في ذلك الزمان ويسلكون الطريق الصحيح. فلا نعني أن جميع أفراد البشرية
كانوا عصاة ومذنبين في ذلك الزمان؛ ولكن الوضع العام للدنيا كان على هذه الشاكلة.
فالصورة العامّة للعالم كانت صورةً ظلمانية، وكانت مظهراً للظلم وضياع جميع علائم
الإنسانية. ففي مثل تلك الأوضاع سطع نور وجود النبي بإرادة الحق العزيز المتعال.
وإن مثل هذا يُعدّ يوماً لا يُنسى في تاريخ البشرية. وليس تذكّره بمعنى أننا نريد
أن نجدّد أثره في العالم. فسواء أشئنا أم أبينا فإن هذه الحادثة وهذه الظاهرة
المدهشة والعظيمة قد طبعت تاريخ البشرية بآثارها. فإذا كان هناك في العالم ذكرٌ
للقيم الإنسانية والفضائل الأخلاقية والمعالي في وجود الناس فذلك بسبب وجوده
المبارك وبسبب تلك البعثة التي جمعت كمال جميع البعثات وكل فضائل الأنبياء عليهم
السلام.
* حاجة الأمة إلى الهداية النبوية
وعلينا نحن أبناء الأمّة الإسلامية أن نجعل هذه الظاهرة وهذه الحادثة درساً لنا.
وقبل أن نفعل ذلك مع الآخرين يجب أن نقوم به مع أنفسنا. فالأمّة الإسلامية اليوم،
بأمسّ الحاجة إلى مشعل هداية النبي المكرّم صلى الله عليه وآله. فهي بلحاظ تعداد
السكّان تمثّل مجموعة عظيمة حوالي المليار ونصف المليار نسمة كما أن مناطق وجود هذه
المجموعة العظيمة هي من أهم مناطق العالم وأكثرها حساسيّة؛ ومع ذلك فإن هذه الأمّة
اليوم هي مجموعةٌ حائرة. فالمصائب الكبرى في العالم تحدث بشكلٍ أساس في الدول
الإسلامية. فالفقر، والتمييز فيما بيننا، والتخلف العلمي والتكنولوجي، والانهزام
الثقافي، والضعف الثقافي كلّه يمثل حال الأمّة الإسلامية. والمقتدرون في هذا العالم
يضيّعون حقّ هذه الأمّة صراحة؛ ولا تستطيع هذه الأمّة الإسلامية أن تدافع عن حقّها.
لقد أوجد أعداء الإسلام والأمّة الإسلامية ذلك السرطان المهلك, الخطر المسمى دولة
إسرائيل الصهيونية المزعومة في هذه المنطقة. والداعمون لهذا الكيان شركاء له في
الظلم والجرائم الكبيرة التي يرتكبها. وها هم يدافعون عن إسرائيل ولا يسمحون للأمّة
الإسلامية بأن تدافع عن نفسها؛ لماذا؟ علينا أن نجبر هذا الضعف بالرجوع إلى الإسلام
وبجعل تعاليم الرسول المكرّم محوراً.
* إنها وظيفة الجميع
اليوم يُعدّ الاتحاد في الأمّة الإسلامية أكثر ضرورة من أي شيء آخر. فعلينا أن نصنع
الوحدة ونوحّد كلمتنا ونجعل قلوبنا واحدة؛ فهذا تكليف كل واحد يمكن أن يكون له
تأثير في هذه الأمّة الإسلامية الكبرى، سواء الحكومات أو المثقفون أو العلماء أو
الفاعلون على المسرح السياسي والاجتماعي. وكل واحد من هؤلاء، في أي دولة من الدول
الإسلامية، مكلّفٌ باستنهاض الأمّة الإسلامية وبيان هذه الحقائق؛ فليبيّنوا هذه
الأوضاع المرّة التي أوجدها أعداء الإسلام للناس ويدعوهم لتحمّل مسؤوليتهم؛ فهذه
وظيفة الجميع. إخواني الأعزاء، أخواتي العزيزات، في أي مكانٍ كنتم وإلى أي مذهب
انتميتم، إعلموا أن أعداء الإسلام والمسلمين يعتمدون بشكلٍ أساس اليوم على إيجاد
الخلافات والتفرقة.
فهم لا يريدون أن تتقارب القلوب؛ لأنهم يعلمون أن الأيادي إذا
تماسكت والقلوب إذا تقاربت فإن الأمّة الإسلامية ستبدأ بالتفكير في معالجة مشاكلها
الكبرى. وإن منشأ أكثر هذه المشاكل التي تُعدّ قضية فلسطين وقضية الدولة الصهيونية
المختلَقة منها هم هؤلاء المقتدرون في هذا العالم. فالعدو يعلم أننا سنتمركز، وأن
كل الأمّة الإسلامية في جميع قواها سوف تتحرك على هذا الطريق حتى نواجه هذا
الاعتداء الذي يجري؛ لهذا لا يسمحون بتقارب القلوب. فعلينا إذاً أن نستيقظ.
الجمهورية الإسلامية منذ بداية تأسيسها جعلت في الأسطر الأولى الأساس من أهدافها
اتّحاد المسلمين وتقارب قلوبهم، كذلك قضية فلسطين؛ وفي كلمات إمامنا الراحل أيضاً
تظهر هاتان القضيتان بوضوح وجلاء تام. واليوم فإن الدول الإسلامية تمثّل مجموعة
كبرى، يمكنها تبادل العلم والثروات والتجارب والمعرفة فيما بينها. ويمكن لهذه الدول
أن تتعاون لأجل أن تتطور لتصل إلى القمّة. إلا أن هذه الغدّة السرطانيّة التي زرعت
بينهم، أدّت إلى أن تتباعد الدول الإسلامية بعضها عن بعض. ومع ذلك فإنّ شعوب الدول
الإسلامية ليست متعادية رغم تقصير المسؤولين في هذا المورد.
* نداء الوحدة
علينا أن نجعل أمر اتحاد الأمة الإسلامية درساً وذكرى في يوم ولادة نبي الإسلام
المكرّم صلى الله عليه وآله نحفظه في ذاكرتنا ونتعلّم منه ونعتبر ونتقارب؛ فاليوم
ولحسن الحظ إنّ نداء الدفاع عن وحدة الأمّة الإسلامية ونهضتها يجد انعكاسات مهمّة
جدّاً وإيجابية على صعيد العالم والدول الإسلامية المختلفة وبين الشعوب المتعدّدة.
والله تعالى يبارك بقول الحق ويرعى هذه النبتة التي غُرست في أرض الحق. فلمثل هذا
الكلام اليوم وقعٌ في الدنيا. واليوم هناك قبولٌ في العالم لهذا الكلام الحقّاني
الذي تعلنه الجمهورية الإسلامية بصوتٍ عالٍ وبكل وجودها. فالحكومة والشعب
والمسؤولون كلّهم في مثل هذه القضايا الأساس على كلامٍ واحد. فكلمة الجمهورية
الإسلامية في هذه المجالات كلمةٌ واضحة، وبحمد الله تلقى تجاوباً.
نسأل الله تعالى
أن يعيننا لكي تزداد هذه الأمّة الإسلامية يوماً بعد يوم وعياً وتقدّماً؛ ولتزداد
هذه الوحدة التي تمثّل عاملاً مهمّاً في الجميع قوّة أكثر فأكثر إن شاء الله.
رجاؤنا أن تشملكم التأييدات الإلهية ويؤيّدكم دعاء وليّ العصر أرواحنا فداه إن شاء
الله.
(1) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام شرح: الشيخ محمد عبده، ص 157.