مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

اللحوم المستوردة بين الشرع والصحة

إعداد: لنا العزير



كثيراً ما يتردّد على أسماعنا وخصوصاً في الفترة الأخيرة وجود لحوم وأسماك غير شرعية في الأسواق من اللحوم المجمدة إلى فيليه السمك. وقبل الدخول في هذا الموضوع من الناحية الشرعية والصحية أجرينا بعض الاستصراحات للسؤال عن موقف المستهلكين عند شراء اللحوم حيث اعتبر البعض أن كل اللحوم شرعية وآخرون علقوا إن "معدتنا تعودت فلم يعد يقطع فيها سم" والكلام الأغلب على الألسنة: "نحن نشتري من مناطق إسلامية ونتكل على ذمة البائع. وبكثير من الرجاء كان أهل الحرص على دينهم وصحتهم يأملون أن يتوصلوا إلى خبر حاسم عن هذا الموضوع. اللحوم المستوردة متى يحلُّ أكلها ومتى يحرُم؟ ضوابط وتشريعات يحدثنا عنها سماحة الشيخ نجيب صالح حفظه الله.


* معيار الحلّية
س: لحوم مستوردة، تأتينا من بلاد أخرى وتحطّ رحالها في بلدنا، ما هو الحكم الشرعي الابتدائي في حلّية اللحوم؟
ج هناك قاعدة شرعيّة بالنسبة للحوم أنه "ما أُخذ من سوق المسلمين وما أُخذ من يد المسلم فهو محكوم بالحلّية ويجوز أكله". أما بالنسبة للّحوم المستوردة من بلاد أخرى، فلو كانت هذه البلاد إسلاميّة فيجوز أكلها كما أنه يجوز الأكل من يد المسلم، إلّا إذا عُلم عدم التذكية. أما بالنسبة للبلاد، غير الإسلاميّة، فلا بد من إحراز التذكية الشرعية في هذه اللحوم الّتي تأتينا من أسواقها.

س: يستورد لبنان لحوماً من بلاد متنوّعة الديانات، والتّجار فيهم المسلم وفيهم غير المسلم، فما حكم هذه اللحوم بالتحديد؟
ج: لبنان بلد مفتوح وأسواقه مفتوحة على كلّ شيء، الأمر الذي يُوجب علينا نحن المتدينين المسلمين، تبعاً لاعتقادنا بأنّه لا يحوز لنا أكل الميتة واللحوم غير المذكّاة شرعاً، يوجب علينا إحراز الاطمئنان بأنّ ما يأتينا من اللحوم من الخارج قد ذُبح وفق الشريعة الإسلاميّة. وفي حال كان هناك أشخاص من أهل الثقة يُشرفون على الذبح في هذه البلاد، وهم ممّن يتّقون الله في عباده وأحكام الله، فيمكن لنا أن نأكل بناءً على إشراف تلك الجهة الموثوقة. لكن ما لم تُحرز التذكية، ولو بالطريقة المذكورة يحرم على المسلمين أن يأكلوا من هذه اللحوم.

* كيفية مراعاة الجانب الشرعي
س: حسبما علمنا من الجهات المعنيّة (وزير الزراعة) فإنّه لا يوجد جهات رقابيّة لمراعاة الجانب الشرعي في عملها حتّى الآن. فمن أين يشتري المكلّف في سوق اختلط فيه الحابل بالنابل؟
ج: لا يمكن بأن أسمّي مكاناً خاصّاً لشراء اللحوم، ولكن أنصح من يحرص على الجانب الشرعي، أن يسأل عن مصدر اللحم الذي يأخذه وأن يختار اللحّام الّذي يوثَق بدينه، فالإمام علي عليه السلام قال: "التاجر فاجر ما لم يتفقّه".(1)  ولكن ما دمت أنا في منطقة المسلمين ولم أعرف إن كان اللحم عند هذا البائع مستورداً أم لا، فهل يجوز أن أشتري من عنده؟ من حيث المبدأ يجوز، ما لم أتيقّن أنّ اللّحم الّذي يبيعه مستوردٌ من بلاد غير إسلاميّة، إنّما على ظاهر الحال يبدو كما لو أنّه ذبحه في بلده (لبنان)، والبائع مسلم، أما من يريد أن يحتاط فله ذلك.

س: إذاً هل يكفي فيما لو أردت شراء اللحم أن أسأل البائع عن شرعيّة هذه اللحوم، وعليه أكون مبرأ الذمة؟
ج: في الواقع، لا يوجد ما يوجب السؤال عمّا لو كانت اللحوم مستوردة من بلاد غير إسلاميّة أو شرعيّة في منطقة المسلمين. إلّا إذا كان هناك إخبار من أهل ثقة بأنّهم قد رأوا بأمّ العين أو أن البائع نفسه أقرّ لهم بأنّه يشتري اللحوم من البلاد الأجنبيّة غير المسلمة ويبيعها أو يخلط هذه اللحوم باللحوم المذكّاة، هنا يجب اجتناب الأكل من اللحوم التي يبيعها.

س: ما هي درجات الامتناع عن أكل اللحوم، تبعاً للشريعة الإسلاميّة، ومتى تكون؟
ج: أولاً: هناك الحرمة، وتحصل عند التيقن والتأكد. ثانيا:ً هناك الشبهة المحصورة، وتكون إذا تيقّنت أنّ هذا الشخص عنده لحوم مستوردة من البلاد الأجنبية غير المسلمة ولم أحرز تذكيتها، وأنّه يخلط اللّحم المذكّى مع اللحم غير المذكّى، هنا يجب الاجتناب عن طرفي الشبهة، ولا يجوز لي أن آكل.

* من حكم الأسماك
س: هل ما ذكرتم من أحكام ينطبق على جميع أنواع اللّحوم من مواشٍ وطيور وأسماك؟
ج: ما أوردته من أحكام ينطبق على المواشي والطيور (الفروج). أمّا الأسماك فتذكيتها تختلف عن تذكية اللحوم، إذ لا يُشترط في صيّاد السمك أن يكون مسلماً، بينما يكفي أن يتوفّر شرطان في تذكية الأسماك، أولاً: بأن تُستخرج من الماء حيّة وتموت خارج الماء، وثانيا:ً تكون ممّا يجوز أكله، أي ممّا له "فِلس". إذا أحرزنا هاتين الصفتين فيجوز أكله من أي بلدٍ أتى. نعم يكفي على فتوى سماحة السيد القائد في الشرط الثاني، الشكّ في كون السمك ممّا له فلس لأصالة الحليّة.

س: سمعتم عن قضية السمك "الفيليه" المستورد، وبطبيعته الفيليه لا يمكن تحديد مواصفات حلّيته، فما الحكم فيه؟
ج: باتت في الأسواق اليوم أنواع مختلفة من الفيليه أو السمك المنزوع الجلد والحسك، ومنها نوع "البينغاثياس" المستورد من الفيتنام، وحسب أهل الخبرة فإنَّ هذا النوع ليس ممّا له فلس، وبناء على فتوى المشهور من العلماء لا يجوز أكله. وللأسف نجد أنّ بعض التجار يحتال على الناس ويغيّر أسماء هذه الأصناف من الفيليه ليتمكن من بيعها.  لذا بالنسبة لسمك الفيليه، لا يجوز أكل ما أحرزنا أنّه ممّا لا يجوز أكله كما ورد ومع الشكّ في كونه ممّا له فلس فالأصل الحليّة بعد إحراز تذكيته بالنحو المذكور في الشرط الأوّل. ويبقى الاحتياط حسناً.

* مواضع الشبهة
س: جميعنا نعلم بأنّ كلّ ما هو محرّم لا يجوز أكله قطعاً، ولكن في مورد الشبهة، إلى أي مدى يكون على المكلّف الامتناع وجوباً أو استحباباً عن مواضع الشبهة ؟
ج: الاجتناب عن الشبهات أحياناً يكون واجباً وأخرى غير واجب، يبحثه العلماء في مقام الاحتياط اللازم وغير اللازم. لكن عدم الاجتناب عن مواضع الشبهة، شئنا أم أبينا، سيكون له الأثر في أرواحنا ونفوسنا. سنكون كمكلّفين معذورين عند ربّ العالمين من ناحية أنّنا لم نرتكب محرّماً عمداً، ولكن َمن يشرب جرعة من السمّ ظنّاً منه أنّها حليب، لا يُحاسب كمن أراد أن يقتل نفسه، لكن قطعاً سيتأثّر جسده ونفسه سلباً بالسمّ.

س: ظهرت مؤخراً بعض اللّوائح التي تحمل أسماء لمحالّ تبيع لحوماً شرعيّة وأخرى غير شرعيّة. السؤال هنا يحمل شقّين، متى يجوز لي من أن أُعلن عن أسماء هذه المحالّ؟ وهل فيما لو تيقّنت بأنّ أحدهم يبيع اللحوم غير المذكّاة، يجب علي الإخبار عنه ؟
ج: بداية مسألة اللوائح لا تعنيني، فقد تكون مسألة منافسة بين التجار أنفسهم. إلّا إن كانت الجهة الّتي أصدرت هذه اللوائح من أهل الثقة وتأكّد أنّها صادرة عنهم.  أمّا في الشقّ الثاني، فيما لو تأكّدت أن فلاناً يبيع لحم ميتة (غير مذكّى)، بداية لا يجوز لي أن أشتري منه، ثانياً من باب النهي عن المنكر، أنبّهه فإن لم يرتدع، فأستطيع أن أُحذّر أقاربي وجيراني وأقول لهم عنه، وذلك طبعاً مع التأكّد وليس مع الإشاعة والظن. أمّا موضوع الإخبار عنه، فإن كان هناك جهات معيّنة تملك السلطات الإجرائيّة لمنعه من بيع هذه اللحوم، قد يكون تكليفاً علي الإخبار من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لمنع مثل هذه المخالفات.

* شروط صلاحية اللّحوم
اللحوم إذاً حسب ما علمنا بحاجة إلى عناية كونها لحوماً مبرّدة أو مجمّدة.  قوانين التجميد والتبريد، وكيفية التعاطي مع هذه اللحوم من التاجر إلى المستهلك رحلة رافقنا فيها أخصائية التغذية، الآنسة سارة الموسوي.

س: تنوعّت مصادر اللحوم التي ترتع في أسواقنا، جاهلين العناصر الضامنة لصلاحية هذه اللحوم، مجمّدة كانت، مبرّدة أو طازجة. السؤال الطارئ هنا ما هي المبادئ الأولية التي يجب اعتمادها في سلامة اللحوم؟
لدينا هنا ثلاثة أنواع من اللّحوم: المواشي، الطيور والأسماك.  من شروط صلاحية اللحوم الطازجة، أن تصل للبائع محفوظة، إن كانت مبرّدة فيجب أن تكون على درجة مئوية ما بين صفر إلى 4 درجة مئوية، أما إذا كانت مجمّدة فيجب أن تكون على حرارة، تحت(8 -1) درجة مئوية.  وإن لم تنطبق هذه الشروط على اللحوم، فعلى البائع إعادتها إلى المصدر لأنها تكون غير صالحة للأكل.  كما من الشروط التي يجب التركيز عليها، أن تكون اللحوم عند استلامها من قبل اللّحام، مغطاة بالكامل، سواء بالنايلون أو سواه، لأن كشفها يجعلها أكثر تعرّضاً للبكتيريا.

س: هذا بالنسبة للشروط التي يجب أن تتوفر حتى وصولها إلى البائع. ولكن المستهلك كيف يمكنه تمييز السليم من اللحوم؟
ج: أما لكيفية معرفة اللحوم ما إذا كانت طازجة وصالحة للأكل أم لا، فبالنسبة للحم البقر، يجب أن يكون ذا لون أحمر توتي، وفي حال وجود أي بقع بنفسجية، أو بنّية، أو كانت اللحوم جافة فيجب أن لا تُأكل. بينما بالنسبة للغنم، فلونها الطبيعي أحمر فاتح، وإن كان غامقاً فهو غير صالح.  أما بالنسبة للطيور، يجب أن لا يكون هناك أي تغير في اللون، ولكن في حال وجدنا نوعاً من الإزرقاق حول عنق الدجاج أو في أطراف جوانحه، هذا يعني أن هذه الطيور فاسدة. أما الأسماك فإنه يُمكن تمييزها من رائحتها، فتلك التي تنشر رائحة قوية هي طبعاً غير طازجة والعكس صحيح. كما يُمكن النظر إلى عين السمك، إن كان صافياً فهو طازج بينما لو رأينا خطاً أحمر يُحيط بقرنية العين، فهي غير طازجة. يُضاف إلى ذلك وجوب وجود الأسماك على ألواح من الثلج عند البيع.  وهناك أيضاً معيار الملمس، فلو وضعنا يدنا على اللحوم وضغطنا عليها ثم رفعنا يدنا عنها، وعادت اللحوم إلى وضعها الطبيعي، فتكون طازجة، أما إن تأخّرت لتسترجع شكلها السابق، فهي حتماً غير طازجة. وهذا المعيار نفسه بالنسبة للدواجن والأسماك.

* اللّحوم المجمّدة والطازجة
س: بعد هذا العرض، ما هي المشكلة في أن تكون اللحوم التي نتناولها مجمّدة وغير طازجة ؟
لا يوجد فرق جسيم بين هذه وتلك. فاللحوم أساساً غنية بالبكتيريا وعند تجميدها يتوقف تزايد هذه البكتيريا، التي تنشط في بيئة حرارية بين 4-61 درجة مئوية. من هنا نجد أن المخاطر ليست في كونها مجمّدة، بل المشكلة محصورة في ما تتعرّض له أثناء مسيرتها، من حيث شروط النقل والتعليب، مثل أن تتعرّض للذوبان ومن ثم يُعاد تجميدها، ما يؤدي إلى تزايد البكتيريا في اللحوم.

س:ذكرت المشكلة الوحيدة التي تشكّل فرقاً ما بين اللحوم الطازجة والمجمّدة، فما هي التدابير التي تمكّننا من اتّقاء المخاطر التي نجهلها مع هذه اللحوم ؟
ج: الإحتياط الأساس مع اللحوم في هذه الأحوال هو طهو اللحوم في المنزل، وحفظها حتى بعد الطهو في الثلاجة.

* اللّحوم النيئة
س: هل يعني ذلك أنه لا يصحّ تناول اللحوم نيئة غير مطهوّة؟

ج: لو كانت اللحوم مذبوحة من قبل من نثق به ونحن أصلاً نتمتّع بمناعة على بكتيريا اللحوم، في هذه الحال ومع توافر الشروط التي أوردناها سابقاً، يُمكن تناولها غير مطهوّة. إلا أنه من الأفضل في ظل هذه الظروف التي تضيع معها معالم هذه اللحوم، من الأفضل الإبتعاد عن تناولها غير مطهوّة.

* إجراءات حفظ اللّحوم
وجدير بالذكر هنا أن هناك بعض الإجراءات التي يمكن اتباعها في المنزل لحفظ اللحوم.
أ- طريقة حفظها في الفريزر (الثلاجة) في بيئة حرارية، أقلّ من 4 درجة مئوية ولمدّة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر. أما بالنسبة لشكل الحفظ في الفريزر:
- الطبقة الأولى يوضع فيها أواني الثلج
- اللحوم الحمراء (الأبقار..)
- الأسماك
- الطيور (الفروج..) لكونها أكثر اللحوم غنىً بالبكتيريا.
ب- إذا أردنا طهوها يجب تفكيك الثلج عنها، إما بوضعها في الثلاّجة (البرّاد) قبل يوم من الطهو، أو بوضعها في ماء بارد وتغيير الماء عليها إلى أن تتفكك.
ج- بعد طهوها، نتركها حتى تزول حرارتها ثم نحفظها في البرّاد (الثلاّجة)
في حال ذابت اللّحوم المجمّدة لسبب ما، إمّا أن نطهوها فوراً أو نتخلّص منها. فلا يصحّ إعادة تجميدها.

س: إلى أي حدّ يتمادى أذى البكتيريا المتأصّلة في اللحوم؟
ج: هذا الأمر يعود إلى مناعة الشخص نفسه. وفي حال ضعف المناعة أمام هذه البكتيريا،تظهر عوارض كالإسهال والألم في الرأس والتقيؤ وارتفاع درجة حرارة الجسم.

* مدى إيجابية الذبح على الطريقة الإسلامية
س: بعض الدراسات العلمية الموجودة على الإنترنت تُفيد بأن طريقة الذبح على الطريقة الإسلامية لها الدور الكبير في تخلّص الذبيح من كمية كبيرة من البكتيريا، والعكس صحيح. ماذا تقولون في ذلك ؟
ج: من الناحية العلمية لا نتيجة محسومة لدينا، ولكن لو ناقشنا ذلك منطقياً لوجدنا أن الأوداج الأربعة تُساعد على ضخ الدم خارج الجسم، وعدم قطعها جميعاً، أو قطع الرأس مع أعصاب أمر الدماغ سيؤثر في هذه العملية، وبالتالي سيُخزّن الذبيح الدم الفاسد، ما يعني تزايداً حتمياً في البكتيريا.  لو ثبت ذلك، يمكننا حينها أن نُضيف عامل طريقة الذبح الشرعية إلى ضوابط وشروط صحّة اللحوم.


(1) مجمع البحرين، الشيخ الطريحي، ج 3، ص 365.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع