تحت عنوان "النظام من الإيمان" أطلقت جمعية قيم حملة
أهلية لتوجيه المواطنين وتوعيتهم للمساهمة في تطبيق النظام. وقد ألقى في الحفل
السيد حسين فضل الله – المنسق العام للحملة الأهلية في تطبيق النظام العام – كملة
شرح فيها أفكار الحملة. كما ألقى كلمة وزير الداخلية والبلديات، المحامي زياد بارود،
محافظ جبل لبنان القاضي أنطوان سليمان. وفي الختام كانت كلمة لرئيس كتلة الوفاء
للمقاومة النائب محمد رعد جاء فيها:
* الاستقرار الاجتماعي، في نظم الأمور وتطبيق القانون:
إن جمعية "قيم" تنطلق اليوم بحملتها الأهلية لتوجيه المواطنين وتوعيتهم على أهمية
الاحترام والالتزام بالمحافظة على النظام العام، إيماناً منها بأن المدخل الطبيعي
للاستقرار الاجتماعي وللحياة المدنية المصانة هو في نظم الأمور والاحتكام إلى
القانون واستنقاذ المناطق كافة من فوضى المخالفات والتعديات. إن الخلفية الفكرية
والثقافية والحضارية التي ترتكز إليها هذه الحملة والبيئة الشعبية التي تتفاعل معها
إيجاباً، ستوفر بالتأكيد النجاح المأمول في تحقيق أهدافها. إن أهلنا الطيبين
المؤمنين بالله وبالرسالات السماوية وبحقهم في العيش الآمن والكريم في وطنهم لبنان،
الذي لم يبخلوا أبداً في الدفاع عن أرضه وسيادته وكرامته - وقد بذلوا من أجل تحريره
أغلى المهج والدماء وتسابقوا في تقديم القرابين من فلذات أكبادهم الشهداء الأبرار
ذوداً عن حياضه، إن هؤلاء - من حقهم أن يتوقوا لدولة قوية عادلة قادرة ومطمئنة،
تحفظ أمنهم وتصون كرامتهم وتضمن حقوقهم وتوفر لهم مستلزمات الاستقرار الاجتماعي
وترعى مصالحهم. وإن حضور هذه الدولة هو مطلب مزمن لهم، وهو واجب لا يحتاج إلى دعوة
ولا إلى مراسم استقبال.
* تنظيم الحياة وصية الرسل والأوصياء
إن شعبنا في لبنان وخصوصاً في ساحل المتن الجنوبي كما في بيروت والمناطق، لا ينطلق
في إيمانه بوجوب حضور الدولة من مجرد الحاجة الموضوعية لمؤسساتها ولدورها فحسب،
وإنما لأن هذا الحضور يشكل استجابة وتواصلاً مع انتمائه الحضاري والعقائدي المتجذّر
في وجدانه وتكوينه الفكري والنفسي. إن حفظ النظام العام يمثل في وجدان شعبنا المؤمن
الانسجام والتناغم مع نظام الكون الذي أبدعه الخالق العظيم سبحانه وأحكم سننه
وقوانينه وأتقن صنع كل شيء فيه، ولم يتركه لعبثٍ أو فوضى أو تسيّب. وجميع الأنبياء
والرسل إنما بعثهم الله إلى الناس لينظموا حياتهم ومجتمعاتهم وليعلموهم كيف يستقيم
سلوكهم الفردي وكيف يستقر عقدهم الاجتماعي. وفي تراثنا الديني ما يجعل حفظ النظام
العام بمرتبة العبادة، ففي وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لولديه الحسن
والحسين عليهم السلام: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ونظم
أمركم" . وفي الحديث الشريف: "إن عليك في كل يوم صدقة. قيل: ومن يطيق ذلك؟. فقال
عليه السلام: إماطتك الأذى عن الطريق صدقة" . كما ورد أيضاً: "دخل عبدٌ الجنة بغصن
من شوك كان على طريق المسلمين فأماطه عنه" . وورد أيضاً: "من أضر بشيء من طريق
المسلمين، فهو له ضامن" . وورد أيضاً: "اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون
حتى عن البقاع والبهائم" . وفي الأحكام الشرعية أبواب متعددة تؤكد النصوص الواردة
فيها على كفِّ الأذى، وعلى الأمانة، وعلى تحريم الغش، وعلى الحفاظ على البيئة، وعلى
حرمة الظلم، وعلى أداء الحقوق، وغيرها الكثير من مفردات تحقِّق بمجموعها السلامة
العامة للمجتمع.
* الدولة ومسؤولية حفظ النظام العام:
إن هذه التعاليم ليست مجرد توجيهات أخلاقية، وإنما هي ناظم عملي لسلوك الناس، يترتب
على مخالفتها مسؤوليات أمام الله. ومع ذلك، فإن إدارة هذا السلوك منوطة بالدولة
التي تحتل موقع الحكم المعبّر عن إرادة المواطنين في حفظ النظام العام. وإلى هذا
الدور بالذات أشار الإمام عليّ عليه السلام بقوله: "ومكان القيِّم بالأمر مكان
النظام من الخرز، يجمعه ويضمّه، فإن انقطع النظام تفرّق الخرز وذهب، ثم لم يجتمع
بحذافيره أبداً" . وحضور القيّم بالأمر... ضرورة موضوعية لانتظام المجتمع ولو بالحد
الأدنى، وهذه الضرورة أكدها الإمام المعصوم حين قال: "إن الناس لا يصلحهم إلا إمام
برّ أو فاجر" . وليس في هذا التأكيد شرعنةٌ لفجور الدولة كما يحلو للبعض أن يفهم،
بل هو تحريض على قيامها وحضورها وعدم التذرع بنقص الأهلية للتخفف منها أو تغييبها.
هذا هو ملخص نظرتنا إلى الدولة وضرورتها وحضورها، وهذه هي خلفيتنا الدينية والفكرية
التي نتعاطى على أساسها إيجاباً مع الدولة ومؤسساتها ونحتفظ بحقنا في تطوير
قوانينها وتحسين أدائها. وهذا ما يدفعنا لتحمُّل مسؤولياتنا إزاء مجتمعنا لتنظيم
شؤونه، وتخفيف الأعباء عنه، والنضال معه لنيل حقوقه، وحثّه على القيام بواجباته.
وفي قناعتنا، أن الدولة التي تحترم شعبها تجتذب بالضرورة الاحترام من شعبها، وهذا
ما نسعى إليه عبر توطيد العلاقة الإيجابية المتبادلة بين الدولة ومواطنيها.
* أهداف جمعية قيم في حفظ النظام:
إن جمعية قيم تعمل بموجب هذا التوجه، ومن خلال الحملات الأهلية التي نطلقها اليوم،
بدءاً من الضاحية الجنوبية لتوعية المواطنين على حفظ النظام العام وتطبيق القانون
تحت شعار "النظام من الإيمان". فإنها تهدف إلى تزخيم وعي المواطن على أهمية القيام
بواجباته، وعلى أهمية الالتزام بتطبيق الأنظمة والقوانين، وعلى إظهار مخاطر التعدي
على الأملاك العامة وشبكات الكهرباء والمياه، وكذلك على تبيان خطورة التعدي على
البيئة. كما أنها تهدف إلى إشراك المواطن في أنشطة هذه الحملة، انطلاقاً من ثقتها
بأن المواطن يتوق إلى النظام والاستقرار، وما يحتاجه هو الإدارة التي تبادر وتحظى
بالصدقية لديه. كما أن هذه الحملة ستسهم في تسهيل مهام القوى الأمنية الرسمية في
مجال حفظ الأمن، ومؤازرة البلديات في ضبط المخالفات، وتطبيق خطة السير، وتنفيذ
القوانين المرعية الإجراء. إن توفير المحيط الملائم على مستوى الوعي والتوجيه
وحُسْن الإدارة سيعكس الوجه الحضاري لأهلنا في كل المناطق اللبنانية. وإن حضور
الدولة على مستوى الاهتمام التنموي والخدماتي سيعزز من فاعلية الالتزام الأهلي
بالأنظمة والقوانين. ولذلك، نطلق نداءً خاصاً إلى كل المسؤولين ونحن على مشارف عهد
حكومي جديد، أن يبادروا إلى إقرار خطط ومشاريع حيوية تُشعر المواطنين، وخصوصاً في
المناطق المحرومة والمهملة، أنهم حاضرون في سياسات الدولة وبرامجها الإنمائية
والخدماتية، كما تُشعرهم بأنها في موقع المبادرة والمعالجة لكل ما يربك حياتهم
واستقرارهم الاجتماعي.
ختاماً...
إن أهلنا في الضاحية الجنوبية كما في كل المناطق اللبنانية هم مواطنون صالحون،
يستحقون من الدولة كل الرعاية والاهتمام لن يستنكفوا عن أداء واجبهم وحملة "النظام
من الإيمان" بادرة وطنية مسؤولة لتعزيز اللحمة بين النظام العام والمواطنين.