أيّها المسلمون، اعرفوا قدر الذين حافظوا على الإسلام، ومنهم هذا الجيش الذي يخدم
تحت القصف والنار. فهؤلاء لأجل مَن يعملون؟ هؤلاء الذين يُصلّون صلاة الليل في
الجبهة ويعملون، الذين لا يخافون الموت، ويقولون: دعنا نذهب [من هذه الدنيا] ونرتاح.
لا بد أنّكم رأيتم وصاياهم. حافظوا على هذه القوّة، إنّها قوّة الإسلام، التي لو
فشلت -لا سمح الله- ولن تفشل، فإنّنا نحن وكلّ الحاضرين هنا وكل المفكّرين
والكُتّاب سنذهب في مهبّ الريح. هذه القوّة هي التي حفظتكم(1).
* اقرأوا هذه الوصايا
يجب أن نفكّر دوماً: كم سنة سنعيش؟ وكم سنة يُمكن أن نعمّر؟ اعتبروا من أحداث
التاريخ، إنّه معلّم الإنسان، فتعلّموا منه ومن الأحداث التي تقع في العالم. إنّكم
راحلون عن هذا العالم بعد سنوات عدّة. مثلاً، الشهيد شمران رحل، لكن بعد أن ضحّى
بحياته في سبيل عزّة الإسلام وعظمته، ونال العزّة والشرف في الدنيا، ورحمة الله
سبحانه وتعالى في الآخرة، ونحن سنرحل أيضاً، فلنرحل كما رحل شمران، وكما يرحل
جنودنا المرابطون على الحدود.
اقرأوا الوصايا التي كتبها أعزاؤنا هؤلاء. لقد عبدتم الله 50 سنة، فلماذا لا
تخصّصون يوماً واحداً لقراءة هذه الوصايا والتأمّل فيها؟ تعلّموا من هؤلاء الشبّان
الذين سبّبت الحرب لهم إعاقة دائمة مثلاً. كل يوم، يحضر إليّ بعضهم، منهم من فقد
إحدى ساقيه، فيأتي وهو يتوكّأ على عصا، ويبكي أمامي ويرجوني أن أدعو له بالشهادة.
فعليكم أن تتعلّموا منهم، وتسحقوا هوى النفس، والرغبات الشيطانيّة التي في
داخلكم(2).
* الوصايا المُوقظة
توجد أمثلة ونماذج كثيرة عن حال الناس، وتلبيتهم للجهاد، حيث يأتي إليّ رجلٌ طاعن
في السنّ، استشهد ابنه، يبكي راجياً منّي السماح له بالذهاب إلى جبهة الحرب، فأقول
له: "إنّك مثلي، طاعنٌ في السنّ، ولا تقوى على القتال"، لكنّه يصرّ على أنّه قادر،
وبإمكانه أن يؤدّي عملاً ما هناك، وهكذا المرأة الفلانيّة، أو الفتاة الفلانيّة،
فالكلّ يريد الالتحاق بالجبهة، وهم جادّون في ذلك.
أمّا الشبّان، فهل قرأتم وصاياهم؟ إنّها وصايا تهزّ الإنسان وتوقظه، ونحمد الله على
أن أمّتنا باتت نموذجيّة، وكُلي أمل بأن يواصل الشعب سيره على نهج الإسلام، ويحافظ
عليه، ويسعى إلى تطبيق جميع أحكامه. وليس لهذا الجهاد هدفٌ دنيويّ، كالوصول إلى
السلطة، بل هدفه دائماً إحياء الإسلام، وهو ما نسعى إليه، ونقترب منه(3).
* إنّني أخجل منهم
بالنسبة إلى وصايا الشهداء، إنّني أشعر بالخجل عندما أراها، وأرى -من خلالها-
اجتماعات المجاهدين وأحوالهم والتزامهم. مثلاً، من تلك الوصايا التى نعرفها، وصيّة
ذلك الحارس الذي يصلّي نافلة الليل إلى جانب خندقه ويعرف أنّه مُعرّضٌ للخطر، ويكتب
وصيّته! إذا كان هذا الجندي مُسلماً، فماذا عسايَ أنا أن أكون؟(4).
إنّ ما في أيديكم جملٌ من وصايا عدد من شهداء الثورة الإسلاميّة، هي بصدق تُذكّر
الإنسان بشهداء صدر الإسلام، وإنّني أخجل عندما أقارن نفسي بهؤلاء الأعزّاء
المفعمين بالإيمان والعشق والتضحية، فقد التحقوا بعشقهم لله العظيم، ووصلوا إلى
معشوقهم، في حين نحن ما زلنا في بدايات الطريق.
إلهي! تقبّل هؤلاء الأعزاء الذين ضحّوا بأنفسهم، في جوار رحمتك، ونجّنا برحمتك
من القيود، ومن أسر الكبر والأنانية، إنّك ذو الفضل العظيم(5).
1- من خطاب له قدس سره، بتاريخ: 22- رجب- 1401هـ، صحيفة الإمام، ج 14، ص295.
2- من خطاب له قدس سره، بتاريخ: 19- شعبان- 1401 هـ، (م، ن)، ج 14، ص 385.
3- من خطاب له قدس سره، بتاريخ: 8- ربيع الثاني- 1402 هـ، (م، ن)، ج 16، ص 18.
4- من خطاب له قدس سره، بتاريخ: 28- شعبان- 1401 هـ، (م، ن)، ج 15، ص 14.
5- من رسالة له إلى مؤسسة شهيد الثورة الإسلاميّة، نشرت في إصدار يحوي بعضاً من
الوصايا القيمة لجمع من شهداء الثورة الإسلامية. نقلاً عن: (م، ن)، ج14، ص 244.