الشيخ تامر محمد حمزة
من الصحابة المشهورين، والذين أكثروا من الرواية. شهد هو
وأبوه بيعة العقبة الثانية، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوات عدّة.
كان من شيعة أهل البيت عليهم السلام، وملازماً لهم. شهد صفّين مع الإمام عليّ عليه
السلام، وأدرك بعد النبيّ والوصي أربعةً من الأئمّة الطاهرين عليهم السلام.
* نسبه وكنيته
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سواد بن سلمة
الأنصاري(1)، ويُكنّى بأبي عبد الله، وقيل بأبي عبد الرحمن(2). وكان والده من
السابقين السابقين، ومن الذين ناصروا النبيّ قبل الهجرة، وهو أحد النقباء الاثني
عشر الذين اختارهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لينوبوا عن قبائلهم، ومن الذين
حضروا في بدر وأُحُد في طليعة المبايعين للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في بيعة
العقبة الثانية(3). ولم يذكر المؤرّخون عام ولادته، واختلفوا في عام وفاته على أربع
روايات أشهرها عام 78هـ عن عمر يناهز الـ94. ولو أخذنا بالرواية المشهورة، فتكون
ولادته قبل الهجرة بستّ عشرة سنة.
* كثرة رواياته
بلغت روايات جابر عن أهل البيت عليهم السلام نحو 1540 رواية. وهذا يُعدّ رقماً
كبيراً، ويدلّ على حضور جابر عند أهل البيت عليهم السلام.
* جابر والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
1- حضوره بيعة العقبة الثانية
إنّ أول ظهور لجابر كان برفقة أبيه في بيعة العقبة الثانية، حيث كان عمرهٍ نحو ست
عشرة سنة.
2- في نصرة الإسلام
شهد جابر مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم غزوات وسرايا عدّة، ولم يتخلّف إلّا عن
بعضها، كما في معركة بدر، حيث يعلِّل جابر غيابه بقوله: لم أشهد بدراً؛ لأنّ أبي
كان يخلفني على أخواتي، وكنَّ تسعاً(4). وفي رواية أخرى، أنّه كان حاضراً فيها
بشهادة بعضهم بأنّه كان ينقل الماء للمقاتلين(5).
* كراماته على يدي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
لقد أولى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم جابراً عناية خاصّة، حتّى أراه بعض
الكرامات والآيات الباهرات، ومنها أنّه لمّا توفِّي والد جابر، أتاه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فقال له: إنّ أبي ترك عليه دَيناً وليس عندي إلّا ما يخرج من
نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنتين ما عليه، فانطلق معه لكيلا يفحش على الغرماء. قال
جابر: فمشى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حول بيدر من بيادر التمر، فدعا ثمّ جلس
عليه، فقال: انزعوا، فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل الذي أعطاهم(6). وفي حادثة أخرى
يقول جابر: عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضي فوجدني لا أعقل، فدعا
بماء فتوضّأ، ثمّ رشّ عليّ منه، فأفقت(7).
* جابر وأهل البيت عليهم السلام
عاصر جابر خمسةً من أئمّة أهل البيت عليهم السلام. وقد رأى في أمير المؤمنين عليه
السلام الميزان الذي يُعرف به المؤمنون والمنافقون، حيث يقول: ما كنّا نعرف
المنافقين إلّا ببغضهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام(8). وكان يسير في أزقّة
المدينة مخاطباً الأنصار: أدِّبوا أبناءكم على حبِّ عليّ بن أبي طالب...(9). ولذا،
قاتل تحت رايته في عداد صفوة أصحابه، وكان من شرطة خميسه.
* إبلاغه سلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
جاء في كتب السيرة والحديث أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال لجابر: "يوشَك
أن تبقى حتّى تلقى ولداً من الحسين يُقال له محمّد يبقر علم الدين بقراً، فإذا
لقيته فأقرئه منّي السلام"(10). وكان جابر ينتظر قدوم ذلك اليوم، وكان ينادي في
مسجد المدينة: يا باقر العلم، إلى أن التقى به الإمام الباقر عليه السلام فضمّه
إليه جابر، وقال: يا محمّد، محمّد رسول الله يقرأ عليك السلام.
* تمسُّكه بإمامة الإمام السجّاد عليه السلام
كان جابر من القلائل الذين تمسّكوا بإمامة الإمام السجاد عليه السلام في الأيّام
الأولى لإمامته، وقد تحمّل الكثير من المضايقات بسبب ذلك.
* جابر والأمويّون
كان أكثر ما يؤلم جابراً ما أحدثه بنو أميّة من أحكام تضلّل المسلمين وتدخل عليهم
الشكّ والشبهات. وأمّا موقفه السياسيّ منهم، فيتضح في هذين الموقفين:
الأول: في سفر لجابر إلى دمشق، أراد الدخول على معاوية فلم يأذن له أيّاماً،
ثمّ بعد ذلك أذِنَ له، قال: يا معاوية أما سمعت رسول الله يقول: "من حجب ذا فاقة
وحاجة حجبه الله يوم القيامة، يوم فاقته وحاجته؟"، فغضب معاوية، وخرج جابر فاستوى
على راحلته ومضى، فوجّه إليه معاوية بستمائة دينار فردّها على معاوية(11)، وقال
لرسوله: قل له: والله يا ابن آكلة الأكباد لا وُجد في صحيفتك حَسَنة أنا سببها أبداً،
وكتب له أيضاً:
إنّي لأختار القنوع على الغنى
وفي الناس من يُقضى عليه ولا يقضي
وألبس أثواب الحياء وقد أرى
مكان الغنى أن أهين له عرضي.
الثاني: دخل الحجّاج الثقفيّ المدينة سنة 74هـ وأخذ يتعنّت على أهلها ويستخفّ
ببقايا من فيها من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وختم في أعناقهم
وأيديهم كالعبيد، ومنهم جابر بن عبد الله، الذي أعرض عن الحجّاج فيما بعد، وأوصى أن
لا يُصلّي عليه الحجّاج(12).
* جابر بين ولادة الحسين عليه السلام وشهادته
يقول جابر بن عبد الله الأنصاريّ: دخلت على فاطمة الزهراء عليها السلام، فهنّأتها
بولادة الإمام الحسين عليه السلام، فرأيت في يديها لوحاً أخضر كالزمرّد فيه كتاب
أبيض شبه لون الشمس، فسألتها عنه، فحدّثته بحديث اللوح(13)، الذي اشتمل على أسماء
وصفات الأئمّة الأطهار عليهم السلام من أوّلهم إلى آخرهم، وتضمّن ذكر بعض فضائل
الإمام الحسين عليه السلام التي اختصّ بها، منها إكرامه بالشهادة وأنّه أفضل من
استشهد وأنّه أرفع الشهداء درجة وأنّ الأئمّة من ذريّته. ويكفي جابراً من الفخر
والعزّة أنّه جرى اسمه على لسان الإمام الحسين عليه السلام حينما احتجّ على جيش
عبيد الله بن زياد حين قال لهم: "سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري"(14).
* جابر أوّل زائر للحسين عليه السلام
يقول عطيّة العوفيّ: "خرجت مع جابر بن عبد الله زائراً قبر الحسين عليه السلام،
فلمّا وردنا كربلاء، دنا جابر من شاطئ الفرات، فاغتسل، ثمّ اتّزر بإزار وارتدى بآخر،
ثمّ فتح صرّة فيها سعد فنثرها على بدنه ثمّ لم يخطُ خطوة إلّا بذكر الله، حتّى إذا
دنا من القبر، قال: ألمسنيه، فألمسته إيّاه، فخرّ على القبر مغشيّاً عليه، فرششت
عليه شيئاً من الماء، فلمّا أفاق قال: يا حسين ثلاثاً، ثمّ قال: حبيب لا يجيب حبيبه،
ثمّ قال: أنّى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك، وفُرّق بين بدنك ورأسك؟ أشهد
أنّك ابن خير البنيّين وابن سيّد المؤمنين... وهو على هذه الحال، ناداه عطيّة: يا
جابر، هذا سواد قد طلع من ناحية الشام، فقال جابر لعبده: انطلق إلى هذا السواد
وائتنا بخبره... وإن كان زين العابدين فأنت حرّ لوجه الله تعالى. قال: فمضى العبد
فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول: يا جابر، قم واستقبل حرم رسول الله، هذا زين
العابدين قد جاء بعمّاته وأخواته، فقام جابر يمشي حافي القدمين مكشوف الرأس إلى أن
دنا من الإمام زين العابدين عليه السلام فقال الإمام: أنت جابر؟ فقال: نعم، يا بن
رسول الله، فقال: يا جابر، ههنا والله قُتلت رجالنا وذُبحت أطفالنا وسُبيت نساؤنا
وحُرقت خيامنا"(15).
* الإمام الباقر عليه السلام في عيادة جابر
لمّا ابتُلي جابر بن عبد الله في آخر عمره بالضعف والكِبَر، ذهب الإمام الباقر عليه
السلام إلى زيارته وسأله عن حاله، فقال: "أنا في حال الكِبَر أحبّ إليَّ من الشباب،
والمرض أحبّ إليَّ من الصحّة، والموت أحبّ إليَّ من الحياة، فقال الإمام الباقر
عليه السلام: أمّا أنا فأحبّ إليّ الحالة التي يختارها الله لي من الشباب والكِبَر
والمرض والعافية والحياة والموت، فلمّا سمع جابر ذلك أخذ يد الإمام الباقر عليه
السلام وقبّلها وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"(16).
1- أعيان الشيعة، الأمين، ج 4، ص 45.
2- الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج 3، قسم 2، ص 104؛ تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج
11، ص 208.
3- تاريخ مدينة دمشق، (م.ن)، ج 11، ص 208؛ أنساب الأشراف، البلاذري، ج 1، ص 286.
4- تاريخ مدينة دمشق، (م.ن)، ج 11، ص 214.
5- الطبقات الكبرى، (م.س)، ج1، قسم 1، ص 34؛ أنساب الأشراف، (م.س)، ج 1، ص 402.
6- الطبقات الكبرى، (م.ن)، ج 8، ص 284؛ البداية والنهاية، ابن كثير، ج 4، ص 99.
7- التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، ذيل الآية 176 من سورة النساء.
8- اختيار معرفة الرجال، الطوسي، ص 4؛ تاريخ مدينة دمشق، (م.س)، ج 42، ص 284.
9- تاريخ مدينة دمشق، (م.ن)، ج 42، ص 44؛ أعيان الشيعة، (م.س)، ج 4، ص 46.
10- الإرشاد، المفيد، ج 2، ص 159.
11- أنساب الأشراف، البلاذري، ج 1، ص 288.
12- الإصابة في تميّز الصحابة، العسقلاني، ج 1، ص547.
13- الكافي، الكلينيّ، ج 1، ص 527.
14- الإرشاد، (م.س)، ج 2، ص 97؛ الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 4، ص 62.
15- أعيان الشيعة، (م.س)، ج 4، ص 47.
16- (م.ن)، ص 46.