آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآملي
في القسم الأول من "الممهدون بعدلهم" وصلنا إلى خلاصة هامة تقول: "إذا أردتم انتظار الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإذا أردتم له الظهور وأردتم منه إقامة العدل والاستفادة من عدله فعليكم أن تطلبوا العدل"، ومن هنا نستكمل بسؤال: من هي الأمة المتعطشة للعدل؟
*نحن أحياء أم أموات؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من بيان أمور:
الأول: نحن نحترم قادتنا لأنهم جديرون بالقيادة. ولكن، نحن نمتلك طريقاً فلسفياً وعقلياً يجعلنا ندرك أن حياتنا مدينة لهم.
الثاني: نحن نخاف الموت، وهو أمر قبيح للغاية، ولا يوجد شخصٌ يسرُّه الموت حتى الذين يقدمون على الانتحار يظنون أنهم يفنون بهذا الأسلوب. مع العلم أن الذي يفنى هو الجسم. ويبدأ العذاب الإلهي بعد الانتحار. ولكن ما علينا الالتفات إليه، ويوضحه بعض العلماء أن الخوف من الموت هو أمر جيد، إلا أنّ عليكم أن تدركوا أنكم الآن أموات.وهذا يرجع إلى معرفة من هو الشخص الميت. فالميت هو الذي لا يعرف إمام زمانه. هو الذي إن ملك القدرة ارتكب الموبقات، وإذا عجز أخذ يقرأ دعاء الفرج. ويشهد لهذا الأمر تدبّر آيات كتاب الله لمعرفة الأمّة الحيّة من الأمّة الميّتة. وفي الرواية: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية"1. إنّ شخصاً كهذا هو ميت وموته موت جاهليّ وليس موتاً عادياً. وإذا كان الموت موت جاهلية، فهو لأنّ الحياة حياة جاهلية.
*معرفة الإمام حياة
من هنا نصل إلى أن معرفة الوجود المبارك للإمام صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، أمر ذو أهمية حياتيّة عندنا. وليس هذا من باب المبالغات؛ فالحقيقة أن هذه المعرفة حياتية. والذي لا تربطه علاقة بإمام الزمان أو لا يعرفه فهو ميت. وأما الشخص الحي، فهو الذي تربطه علاقة به. "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميته جاهلية". ماذا يعني ذلك؟
ذلك يعني أنّ هذا الشخص (الإمام) حيّ في الظاهر، وهو اسم من دون مسمّى، فلكلّ زمن إمام. وفي معرفته عصارةُ إنسانيّةِ كل إنسان. ومن تُسلب منه معرفته، فلن يكون حينها إنساناً حقيقياً. فالإنسان إمّا أنّه حيّ أو ميت. وجاء في سورة يس المباركة:
﴿لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (يس: 70). فالإنسان، كما ورد في القرآن، إما حي أو كافر؛ فالمؤمن هو الحي والكافر هو الميت.
*الكافر ميت في التعبير القرآني
يقابل الحي الميت ويقابل الكافر المؤمن. وفي الثقافة القرآنية الكافر ميت، أو كما يعبّر القرآن الكريم عن الكفار بالخالية قلوبهم. هؤلاء لا شيء في قلوبهم ولا شيء في عقولهم
﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء﴾ (إبراهيم: 43). عند ذلك يصبحون أسماء بلا مسميات، في الفهم القرآني. هذا السيد إنسان، إلا أنّه لا مسمى له. يتّضح بعد هذه المقدمات ضرورة معرفة الوجود المبارك لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. إذا لم يعرف المجتمع إمام زمانه وإذا لم تربطه علاقة به، أصبح مصداقاً لقوله:
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا﴾ (النجم: 23).
و"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية". لذلك علينا أن نعرف إمام زماننا حتى لا تكون حياتنا حياةً جاهلية.
في البداية، يجب أن نكون أحياء بأنفسنا، ثم نعمل على إحياء الآخرين. الذي لا يتعطش للعدل - لأن العدل هو العنصر المحوري في الإمامة - فهو لم يعرف إمام زمانه. وعندما تحدّث القرآن الكريم حول العلماء ذكرهم إلى جانب العدل الإلهي. ويذكر القرآن الكريم أنّ "الله عالم وكذلك العلماء" كما جاء في القرآن:
﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ﴾ (آل عمران: 18).
*يجب أن نكون أحياء
يجب أن نكون يقظين. رسالتنا هامة للغاية وعملنا مهم أيضاً. يجب أن نكون أحياء، وأن تكون حياتنا حقيقية وأن نمتلك ماء الحياة لنتمكن من إحياء المجتمع. وإلا فإذا ظهر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف فلن يكون الجو بعيداً عن زمان أمير المؤمنين عليّ عليه السلام. ألم يفرضوا الحرب على الإمام؟
علينا الاعتياد على طلب العدل. إذا عملنا على هذا النحو، تبِعنا المجتمع. وإذا شاهدوا أن سيرتنا وسنّتنا وطريقتنا هي العدل، لتحرّكوا في أثرنا، لأن المجتمع متعطّش للعدل.
1- بحار الأنوار، المجلسي، ج7 ص368.