إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

منبر القادة: كونوا للـظـالـمـيـن خصماً(*)

الشهيد السيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه)



يلاحظ كلّ من يقرأ القرآن الكريم أنّ عدداً كبيراً من آياته الشريفة وسوره المباركة قد اعتنت بتوضيح قصص الظالمين عبر التاريخ، وسمات المستكبرين، وكيفية مواجهتهم، ونتيجة أعمالهم، كذلك يسرد حال المستضعفين وصبرهم...

كما كان تركيز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام على موضوع الظالمين كبيراً، فلا نجد إماماً من الأئمّة إلّا وفي صدر أولويّاته وتوجيهاته التركيز على هذا الموضوع وإظهار: من هو الظالم؟ ما هي روحيّته؟ وما هو عمله؟ فيجب أن نسأل: ما علاقة قضيّة الظلم بتربية الإنسان؟

* التربية على تمييز أشكالِ الظلم
من جملة المزايا التي تفرّد بها أهل البيت عليهم السلام، في هذا المجال، محاولة تربية أصحابهم والموالين لهم على تحسّس كلّ أشكال الظلم أدناها انعقاد النيّة لمصلحة الظالم، (حتّى لو لم تخدمه بشيء). نجد أنّ الأئمّة يحاسِبون على هذه المسائل، ولذلك مثلاً ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أحبّ بقاء الظالمين، فقد أحبّ أن يُعصى الله"، فعندما تحبّ أن يبقى هذا الإنسان الظالم، فأنت تحبّ أن تبقــى المعصيــة على وجه الأرض، حتى لو لم تقــم بخدمتــه، أو تعمل إلى جانبه، ولم تكن جندياً من جنوده.

إذاً، إنّ لتوجيهات الإمام الصادق عليه السلام، وأهـل البيـت عليهم السلام منشأً تربويّاً، وهو ترسيخ التحسّس مــن الظالميــن وتميّزهم، وترسيخ حبّ مقاومة الظلم بكلّ أشكاله؛ لأنّ من أحبّ بقاء الظالمين وبقاء الظلم، أحبّ أن يكون هناك عصاةٌ لله على وجه هذه الأرض.

* لولا خدمتكم لهم لما سلبونا حقّنا
في رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام، حين جاءه رجل كان يعمل مع حكومة بني أمية، ولكنه من محبّي الإمام عليه السلام، ثمّ بعد أن توسّط له أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، عليّ بن حمزة على الأرجح، ليدخل إلى مجلس الإمام عليه السلام فيسأله: أنا أعمل في خدمة الأمويّين في البلاط، ولكنّي أحبّكم أهل البيت، ولا أؤذي أحداً، وأنا تحت طاعتكم، ولكنّ الأوضاع الماديّة اضطرّتني إلى أن أكون في خدمة هذا البلاط، فماذا أفعل؟ عندها أجابه الإمام الصادق عليه السلام جواباً دقيقاً، فقال له: "لولا أنَّ بني أمية وجدوا لهم من يكتب، ويَجبي لهم الفيء، ويُقاتل عنهم، ويشهد جماعتهم، لما سلبونا حقّنا"؛ أي لو لم يجدْ بنو أميّة أمثالك ممّن جنّد نفسه في خدمتهم، يجمع لهم الأموال والضرائب وأموال الخمس والزكاة، ومنهم من يشهد جماعتهم: إذا أقام يزيد بن معاوية صلاة الجماعة فالناس تأتي وتحضر الصلاة مع يزيد بن معاوية، لولا كلّ هذه المظاهر ولولا تأييد الناس ليزيد بن معاوية، هل تمكّن من أن يقتل الحسين؟ لولا مظاهر التأييد هذه هل تمكّن بنو العباس أو بنو أميّة من ظلم أئمّتنا، ومن ظلم أهل الحقّ؟ ثمّ قال له الإمام الصادق عليه السلام مكملاً حديثه: "ولو تركهم الناس، وما في أيديهم، ما وجدوا شيئاً إلّا ما وقع في أيديهم". يعني لا يكون عندهم قدرة ماليّة؛ لأنّه لن يُجمع لهم الفيء، ولا قدرة عسكرية؛ لأنّه لم يتجنّد في خدمتهم أحد، ساعتئذٍ؛ ستكون بنو أمية، يزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم، وفلان، وفلان، عشيرة قليلة لا تستطيع أن تفعل شيئاً، "وما وجدوا شيئاً" إلَّا ما في أيديهم فقط. هذا ما وجَّهنا به أئمّة أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم).

* نموذج: أَذْرُع الظالمين
أمّا عندما نقرأ الواقع، وندرس المجتمعات التي نعيش فيها في عصرنا الحاضر أو في العصور الماضية، نجد أنّ المسألة مختلفة تماماً، فلا يأتي ظالم إلّا ويجد له أنصاراً. فإذا أردت أن تستقرئ ظاهرة وجود ظالم وأنصاره من حوله نذكر مثلاً: "أنطوان لحد". لقد حَكم هذا الرجل، ولو بشكل غير رسميّ، داخل الشريط الحدوديّ في ما عُرف بدولة "أنطوان لحد"، فهل حكم كرجلٍ واحد أو كان له أنصار؟ الكثير من جُند لحد قالوا: نحن مضطرّون إلى أن نكون جُنداً له، وإلّا سنموت من الجوع. هذا الإنسان يصبح جنديّاً للشيطان بحجّة لقمة العيش، بحجّة الراتب الشهريّ. لقد استطاع كلّ ظالم، على مرّ التاريخ، أن يشكّل جيشاً ممّن يدّعون المجاعة فيما لو تركوا خدمة الظالم. هذه ظاهرة تتجسّد، ونلمس كلَّ آثارها البشعة.

* نموذج مقابل: مؤمنون يكسرون قيْد الظالم
في مقابل هذه الصورة يتفاجأ العالم بصورة المسلمين المجاهدين الحقيقيّين، ليذكِّروا الأمة بكاملها بمجدها الكبير وبتاريخها الحقيقيّ. يخرج رجال وهم تحت عين العدو، وفي قبضته، وفي سجنه، سجن الخيام، الذي هو مَثل من أمثلة الظلم الذي يُمارس فيه أساليب بشعة من التعذيب، ثمّ يتفاجأ العالم أنّ هناك شبّاناً يقومون بانتفاضة داخل السجن، ويتحدّون إرادة العدو الإسرائيليّ وعمـــلائــــه، فيُستشهد من يُستشهد من شباب المقاومة الإسلامية الشرفاء، ويُجــرح مـــن يُجرح، ويُعذّب من يُعذّب، ويصرّ المجاهدون على موقفهم، الذي هو نورٌ ينطلق في وسط هذا الظلام الكبير الذي يخيّم على العالم، ليذكِّر هذه الأمة بقوّة إرادتها وشكيمتها وقدرتها على التحدّي، مهما كان نوع الظلم، ومهما كانت قوّة الظلم والظالمين. إرادة شبابنا في المعتقل هي الإرادة الأكبر، قيَّدهم العدو بالسلاسل الحديديّة، وحاول أن يُكبّل إرادتهم؛ فكسروا الزنزانة، وكسروا السلاسل، خرج منهم (الشهيد بلال سلمان(1) وإخوانه) من المعتقل؛ ليقولوا للعالم: لا زلنا أحياء، لا زلنا نملك إرادة الحياة، نحن على خطّ إمامنا الخمينيّ (رضوان الله عليه)، أيّها المسلمون، لِمَ تسكتون عن ظلمنا؟

هؤلاء هم حجّة الله علينا في هذا العصر، وانتفاضتهم دليلٌ على إرادتهم وقوّتهم. يجب أن نفكّر كمسلمين، في أنْ نقف وقفة مسؤولة وواعية بين يدي الله عزّ وجلّ، نقيّم فيها ما في أنفسنا، نقيّم فيها أفكارنا، وسلوكنا، نقيّم فيها الواقع من حولنا، وأن نتحمّل جميعاً المسؤولية الإسلامية الكبرى، أن تقف بشجاعة تحت راية الوليّ الفقيه، تحت راية الإسلام مقابل كلّ ظالم.

عباد الله ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: 102).


(*) الشهيد السيد عباس الموسوي، خطبة جمعة 1/12/1989م.
1.قاد انتفاضة "معتقل الخيام"، لرفض الممارسات التعسّفية للعدو الإسرائيلي، استشهد خلالها بتاريخ 26/10/1989م.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع