سلاح طائرات الهليكوبتر، أثبت لنفسه دوراً في مواجهة حروب
العصابات وفي التسلل إلى مواقع الثوريين والمجاهدين.. وتحقيق إصابات مهمة. فقد
تمتعت هذه الطائرة بمزايا، كالتوقف في الجو، والصعود والهبوط عمودياً والدوران في
مركزها، وأخذ درجة رماية على ثلاثمائة وستين درجة تماماً.. وزادت أميركا و"إسرائيل"
على ذلك تسليحاً فائقاً وقدرة تدميرية. وانتشرت الدعاية لهذه الطائرة حتى أصبح
يعدّها البعض عدواً فتاكاً وسلاحاً لا يمكن الإفلات منه.. خصوصاً إذا سيطرت على أرض
المعركة وعلى ارتفاع أمتار...
ولكن صاحبنا، وكان من مجموعة الصواريخ، استطاع تجربة قدرتها على ملاحقة رجل من رجال
المقاومة.. وهو أعزل وهي مدججة بآخر ما وصلت إليه العقول الأميركية واليهودية من
أسلحة الفتك والتدمير والقتل.
فقد كشفت الطوافتان راجمة
الصواريخ واندفع منهما سيل من القذائف والصواريخ باتجاهها.
ولم يصب بأذى، واستطاع الابتعاد عن الراجمة وربض بعيداً عنها يراقب ما يجري.. شيء
واحد كان يشغله ألا وهو أن لا تلاحظ الطائرتان وجوده على بعد خمسين متراً من
الراجمة، وما أن غابتا عن نظره قليلاً حتى بادر إلى الخروج محاولاً قدْر الإمكان
الابتعاد عن منطقة الراجمة، دائرة القصف المعادي.. وسرعان ما وصل إلى الطريق، وبسير
حثيث، ومن ظل شجرةٍ إلى ظل صخرة وبينما كان نظره على الأفق صنَّ أذنيه أزيزُ
الصاروخ الذي انفجر بقربه.. لقد كشفته الطوافة.. ورفع بصره فإذا بهما قد جاءتا من
الجهة الثانية.. وابتدأت مطاردة حقيقية. طائرتان ورجل.. واحدة ترمي عليه تارةً
صاروخاً وأخرى رشقة من رشاشها الثقيل (800) 45 ملم والأخرى تحاول الالتفاف عليه
وتطويق مناوراته للإفلات.. فقد كان يعلم أنها تحتاج إلى هدف ثابت أو سائرٍ في خط
مستقيم على الأقل حتى تستطيع تحقيق الإصابة فأخذ يفوّت عليها الفرصة فيركض مستقيماً
عشرة أمتار ثم ينحرف تسعين درجة عشرة أمتار ثم يعود منحرفاً وهكذا.. وأخذتا تدوران
في حركة لولبية مجنونة وتطلقان عليه النيران رشقة تلو رشقة.. وهو يركض ويناور..
وعلى نفس واحد.
من أين حصل على هذه القوة في التنفس؟ هو الآن يحاول أن يتذكر ولا يعلم.. ولكنه لم
يكن يجرؤ على الالتجاء إلى مكان ليرتاح فيه لأن معنى ذلك سيكون فقط هو أن هذا
المكان سيهبط على رأسه فور الالتجاء إليه..
واستمرت المطاردة.. حتى
وصل إلى القرية القريبة ودخل منطقة مكشوفة بين البيوت فازداد أمله بالنجاة وقبل أن
ينحرف إلى قرب بيت قريب زرعت الطوافة بعيداً عنه بنصف متر خطأ طويلاً من رصاص
رشاشها الثقيل وبرشقة واحدة.. إنها شبه إصابة وإن لم تصبه فعلاً... فانحرف بسرعة
إلى أزقة حي مجاور.. واستمر في حركته المناورة ثم خرج إلى كرم زيتونٍ ثم إلى حيٍّ
آخر.. بينما كانت الطوافتان تحومان وتطلقان النار والصواريخ على الحي.. وعلى الأزقة..
وهنا وعلى بعد خمسين متراً من المكان الذي اعتقدتا أنه اختبأ فيه وأخذتا تطلقان
عليه النار.. جلس يتنفس ويراقبهما.. وموّه نفسه حينئذٍ بهدوء بينما كانت عيناه على
الطائرتين.. واحدة وقفت وأخذت الأخرى تدور بجنون.. وعلى ارتفاع عشرات الأمتار..