﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾
(الأنعام/90)
من النماذج التي تبين جانباً من أدب الأنبياء (عليهم السلام) في خطابهم مع الله جلّ
جلاله. ما ورد عن نبي الله آدم (عليه السلام) وزوجته حواء. يقول تعالى حاكياً عنهما:
﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين﴾َ
(الأعراف/23).
هذا القول نقله الله تعالى على لسان النبي آدم (عليه السلام) وزوجته حواء بعدما
خالفاً نهي الله الإرشادي(*) بعدم الاقتراب من الشجرة والأكل منها.
ذلك أنهما أطاعا إبليس وصدّقاه في يمينه بأنه ناصح لهما
﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ
﴾.
وتبينت لهما المحنة والبلية التي وقعا فيها، إذاً سيحرمان من نعيم الجنة التي كانا
فيها، ولن يخلدا فيها، فما الحيلة؟ وكيف السبيل لتدارك الخطأ؟
وكنبي يعرف مولاه الغفور الرحيم، وكذا الإنسان المؤمن، لذا لم يعيشا اليأس والقنوط
من رحمته تبارك وتعالى. بل توجها في حاجتهما إلى دفع هذا الخسران الكبير الذي أوقعا
نفسيهما به وتوجها بأدب التوجه إلى من هو قادر - ولا أحد غيره قادر - على دفع ذلك
الخسران عنهما.
ولكن ما هو الأسلوب الذي يمكن أن يتبعاه، وكانا قد خالفا التحذير الإلهي لهما من
قبل؟
وبأدب يليق بحضرة الباري عزّ وجلّ قالا:
﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين﴾َ
﴿رَبَّنَا﴾
لهجة ولفظة فيها كل الخشوع والانكسار مع إحاطتها بالمعنى المطلوب. فمن شأن الربّ
تأمين جميع مستلزمات المربوبين، وهو قادر على ذلك فعلاً - ثم الذل والمسكنة
بالاعتراف الذنب - بترك الأولى -﴿
ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾
* بعدها هل طلبا المغفرة مباشرة؟
استجداء العطف من الربّ الرحمن الرحيم وذلك بالاعتراف والتسليم لحكم الملك العزيز
الحكيم: الأمر لك وحدك يا رب، ونحن مربوبان فكل ما نأمله منك هو ما يأمله مربوب لا
حيلة له من رب حكيم بعباده رؤوف رحيم.
﴿قَالاَ
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين﴾َ
خسران الرحمة؟ أم خسران الجنة؟ أم خسران القرب من الله تعالى؟ كلها خسران وكلها آدم
(عليه السلام) ونحن بنو آدم بحاجة إليها. فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من
الخاسرين يا رب العالمين.
(*) ملاحظة: إن ذنوب جميع الأنبياء خاصة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم هي
مخالفة لأمر إرشادي، وليس مخالفة لأمر تكليفي بمعنى أن النبي لا يرتكب معصية يحاسب
عليها وإنما يترك الأولى والأفضل، وهم (عليهم السلام) يعودون إلى الله تعالى
بالمغفرة ونهم يحبون أن ينالوا الدرجات العلى بالقرب منه. ويخافون من نزولهم درجة
لا عقاباً على ذنب والعياذ بالله.