مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام الخامنئي: شهداء الثوب الأبيض(*)


في كلّ سنة وقبل موسم الحجّ، لدينا لقاء عامّ شبيه بهذا اللقاء مع العاملين في شؤون الحجّ مع المديرين وبعض الحجّاج المحترمين. عادةً تكون اللقاءات جلسات فرح وسرور، تجمع المؤمنين المخلصين، الشباب والكهول، من كلّ أنحاء البلاد الذين يستعدّون للذهاب إلى الحجّ، وكنّا نفتخر بذلك ونشعر بالفرح؛ لأنّ هؤلاء ينطلقون لأداء فريضة الحجّ مع جموع المسلمين الآخرين في البلدان الأخرى، لكنّ هذا العامّ، وللأسف، فإنّ لقاءنا ليس جلسة سرور، إنّما هو جلسة حزن ومصيبة وذكرى الحادثة المفجعة الأخيرة التي وقعت للحجّاج(1). إنّ مسألة فقدان واستشهاد أعزائنا الحجّاج في مِنَى هي مسألة شديدة الأهمية.

•حادثة ينبغي ألّا تُنسى
حين قلنا إنّ هذه الحادثة ينبغي ألّا تُنسى، فليس بسبب خسارتنا هؤلاء الأعزّاء فقط. إنّ هذه الحادثة مهمّة وذات أبعاد متعدّدة، إنّها مليئة بالدروس والعبر من الناحية السياسية وكذلك من الناحية الاجتماعية والأخلاقية والدينية.
بالنسبة إلينا وبالنسبة إلى أهالي هؤلاء الشهداء من سائر الدول الأخرى، هي حادثة ملأت قلوبنا بالحزن والغمّ. ولن يمحُوَ مرور الزمن أهميّة هذه الحادثة وحزنها من صدورنا وقلوبنا. لقد قضى أعزّاؤنا نَحْبهم في مِنى، وكذلك في المسجد الحرام، وهم في حالة العبادة، رحلوا عن الدنيا بشفاه ذابلة وتحمّلوا حرارة الشمس اللاهبة في آخر ساعات عمرهم. كلّ ذلك يؤلم ويفطر قلوبنا، ولا يمكننا أن ننساه، لكن أبعاد المسألة أوسع من ذلك.

•خاتمة الحياة تحدّد المصير
أقول لكم أنتم عوائل الشهداء وأقاربهم، إنّ فقدان أعزائكم هو أمر شاقّ وحادثة صعبة. حين أقيس الأمر على نفسي أدرك كم أنّ هذا مؤلم للقلوب؛ فأهلٌ ودّعوا عزيزاً راحلاً إلى مكة بكلّ أمل وفرح وسعادة بأنّه نال هذا التوفيق، وينتظرون عودته ليعود إليهم بفرح وسرور، ثمّ يأتيهم خبر أنّه سيعود جثّةً هامدة! هذا أمرٌ صعب جدّاً.. صعبٌ جدّاً! لكن ما يمكن أن يُسكّن روع قلوبكم ويعزّيكم، أنّ أعزاءكم هؤلاء -رغم أنّ فقدانهم صعب- يهنأون في النعيم الإلهيّ إن شاء الله. لقد كان خاتمةً جيّدة. إنّ كيفيّة موت الإنسان ورحيله عن الدنيا تحدّد له مصيره. كلّنا سنرحل. لا فرق بين الشيخ والشابّ والمرأة والرجل. كلّهم سيرحلون. غاية الأمر أنّ بعض حالات الرحيل والموت، إذا نظر إليها الإنسان بعين الحقيقة فإنّه يفرح ويشعر بالسعادة؛ كالشهداء مثلاً، حيث إنّ كلّ الشهداء هم كذلك.

•رحلوا وهم يذكرون الله
لقد رحل أعزّاؤكم هؤلاء وهم في حالة العبادة وذكر الله، رحلوا في لباس الإحرام بقلوب متوجّهة إلى الله وفي حالة القيام بالفرائض والواجبات. كلّ هذه الأمور هي مصدر ووسيلة للمغفرة والرحمة الإلهيّة وعلوّ الدرجات عند الله تعالى. فضلاً عن كلّ هذا، فقد تحمّلوا المشاقّ والصعوبات. لعلّ بعضهم بقي حيّاً لعدّة ساعات في زحمة التدافع، تحت لهيب الشمس أو داخل تلك المستوعبات الساخنة، بشفاهٍ ذابلة. هذه أمور تستنزل الرحمة الإلهية. نعم، أنتم في حالة مصاب وعزاء وحداد. هذا صعب ولكن تذكّروا في أيّ حال هم الآن.

•هذا عزاءٌ لكم
نحن -في هذه الدنيا- مبتلون بالابتلاءات الدنيويّة، حيث نتحرّك وسط دنيا ملوّثة بشتّى عوامل الإضلال والإفساد والانحطاط للإنسان ونخطو في طريقنا للأمام. يجب أن نذرف الدموع حزناً على أنفسنا أكثر مما نتألّم على أولئك الذين رحلوا نحو الرحمة الإلهية. وإن شاء الله فهم منعّمون في أحضان النّعم الإلهية واللطف الإلهيّ. وهذا باعث سلوى وعزاء لكم. ونحن أيضاً سنرحل، فليرحمنا الله، مع كلّ هذه البلاءات والمشكلات. لقد خلّص الله أعزاءكم هؤلاء من دنيا التلوّث في أحسن مكان وأفضل وضع؛ في حالة العبادة. يموت بعض الناس في حالة الذنب والمعصية، وبعضهم يموت مغموراً في حياته اليومية والرتيبة، بعضٌ آخر يموت وهو ناكر للجميل؛ هكذا أنواع من الموت هي مصيبة حقّاً لأصحابها؛ فيما يموت بعض الناس وهو في حالة الذكر الإلهيّ، يرحل عن الدنيا وهو متوجّه إلى الله. وهذا مبعث راحة وسلوى فؤاد أهل هذا المتوفّى. هذا بعدٌ للمسألة.

•المصيبة الكبرى: صمت العالم الإسلاميّ
هناك بُعدٌ آخر، وهو موقف أمّة الإسلام. لقد ثُكلت الأمة الإسلامية في أرجائها الواسعة بهذه الحادثة. إنّ الإحصاءات المتداولة تفيد بأنّ مجموع الشهداء من البلدان المختلفة وصل إلى حدود السبعة آلاف شهيد! وهو عدد مرتفع جدّاً. فلماذا لم تقم الحكومات إذاً وأهالي الشهداء والشعوب في البلدان الأخرى بأيّ ردّ فعل تجاه هذه الحادثة؟ ما هذا البلاء الكبير الذي أصاب روح الأمة الإسلاميّة؟ هذه مصيبة كبرى. لماذا بقي العلماء صامتين؟ لماذا سكت الناشطون السياسيّون؟ لماذا لم يكتب المثقّفون مقالات، ولم يعترضوا ولم ينطقوا بكلمة؟ إنّ فقدان الحساسية مقابل حادثة بهذه العظمة في بيت الله، في جوار البيت الإلهي، وحين يرتكب أشخاص حادثة مخزية ومفجعة بكل وقاحة وقلّة حياء؛ دون أن يقدّموا اعتذاراً للعالم الإسلاميّ، لهوَ البلاء والمصيبة الكبرى في هذا العالم.


(*) من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله خلال لقائه عوائل شهداء مِنَى بمناسبة الذكرى السنوية الأولى، بتاريخ: 7/9/2016م.
1.مجزرة حجّاج بيت الله الحرام، في مِنى عام 1436هـ، 2015م.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع