نهى عبد اللَّه
بينما كان بعض طلّاب العلم يتباحثون شؤونهم في باحة المسجد ويتناولون زادهم، هاجمهم
فتى في مُقتبل العمر، رثّ الثياب، بعد أن لمح ثمرة فاكهة في يد أحدهم، فخطفها بسرعة
وبدأ يلتهمها بنَهمٍ عتيق. بدا أنّه جائع منذ أيام. اقترب منه أحدهم ليتمكّن من
مساعدته، فتبيّن أنّه يعاني من خللٍ عقلي. قال آخر: علينا السؤال عن أهله وإيصاله
إليهم.
- "لا أهل له"، أجابهم خادم المسجد، وهو يحاول إخراجه بالقوّة من الباحة، وأوضح لهم
معتذراً أن والدة الفتى توفيت منذ مدة قصيرة، ولا يوجد من يرعاه ليس بسبب جنونه
فحسب، بل بسبب مرضه المُعدي أيضاً.
تلبّدت الهموم أمامهم؛ متشردٌ مجنون، بداء مُعدٍ.. لكنّه ما زال صغيراً.. ولا يمكن
تركه في الطريق. مَن يقدر على إيوائه في منزله والاهتمام به في هذه المدينة؟ أيّ
حياة هذه؟!
- صاح أحدهم: لو أعطاني الله تعالى زمام الكون مدة أسبوع، فسَأَشفي كل
المرضى، ولن أترك مريضاً على الأرض مهما كان مرضه.
- زاد عليه آخر: أمّا أنا فسأجعل الناس كلّهم أغنياء، ولن أترك محتاجاً دون
قضاء حاجته وكفاية همّه.
لم يلاحظوا أن صديقاً لهم غاب وعاد مستبشراً: "حُلّت قصة الفتى. لي قريبٌ وهو طبيبٌ
ماهرٌ، حالما أخبرته عن مرض الفتى، طلب أن يعتني به؛ لأنه لم يُزرق عيالاً. كان
رزقاً ساقه الله إليه". ثمّ نظر إليهم: "لو أن الله تعالى أعطاني زمام الكون،
فسأتركه على ما هو عليه؛ لأنّه أحكم الحاكمين".
قد نخال أنّ الكون مليءٌ بالآلام والمصاعب، وأنّها تمثّل خللاً فيه، لكن لولاها
لما عَرفنا الصبر ولا الإيثار ولا المساعدة.. ولا فَهمنا قيمة قضاء الحوائج.. ولا
بَذل النفس..
تلك سُنّة الله، وهو أحكم الحاكمين.