مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

وصايا العلماء: هؤلاء شيعتنا (7)


آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (حفظه الله)


ذكرنا في العدد السابق صفات للشيعة ذكرها الإمام عليّ عليه السلام عند سؤال "نوف بن عبد الله البكالي" له عن أوصافهم، ووصلنا في الرواية الواردة عنه عليه السلام إلى قوله: "... ذُبل الشفاه من الذكر، خُمص البطون من الطوى، تُعْرَف الربّانية في وجوههم، والرهبانيّة في سِمتهم، مصابيح كلّ ظلمة، وريحان كلّ قبيل لا يثنون من المسلمين سلفاً، ولا يقفون لهم خلفاً".

* هم أهل الذكر
الشيعة الحقيقيون هم أهل الذكر الدائم؛ لذلك أصبحت شفاههم ذابلة يابسة، وهم لا يُكثرون من الأكل، ويصومون أغلب الأيام؛ لذلك ليس لهم بطون بارزة، بل التصقت بطونهم بظهورهم.

عندما ننظر إلى وجوههم الربّانية والنورانيّة، نتذكّر الله. ويحكي سلوكهم عن عدم التعلّق بالدنيا. هم مصابيح الظلمات وهم الذين يرفعون البدع والضلال من أمام عباد الله؛ بنور هدايتهم، ويرشدونهم إلى سبيل السعادة والهداية الصحيح والنوراني. وهم أعزاء كرماء بسبب سلوكهم الإنساني والفاعل في قبيلتهم كما يقول الإمام عليه السلام: "هم ريحان كل قبيل"؛ يضفون النضارة والطراوة على حياة الآخرين.

* الحقّ معيار سلوكهم

الشيعة الحقيقيّون لا يتبعون الآخرين بشكل أعمى ولا يجعلونهم قدوة لهم. هم يتبعون البرهان ومعيار الحقّ ويؤدّون كلّ ما ينطبق مع الحق. تعتقد مجموعة من أهل السنّة، وهم السلفيّون، بضرورة اتّباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومسلمي صدر الإسلام في المجالات كافة، وحتّى في مجال المباحات وذلك في السلوك والعمل. وعلى هذا الأساس فما لم يأتِ ذكره في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، في نظرهم، بِدعة. ويعتبرون إقامة مجلس الفرح في يوم ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شركاً وبدعةً.

الشيعة "شرورهم مكنونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، أنفسهم منهم في عناء، والناس منهم في راحة، فهم الكاسة الألباء، والخالصة النجباء، فهم الروّاغون فراراً بدينهم، إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، أولئك شيعتي الأطيبون وإخواني الأكرمون، ألا هاه شوقاً إليهم"(1).

* بشاشة الوجه وحزن الباطن
قلوب الشيعة الحقيقيّين حزينة ووجوههم بشوشة، إمّا لقلّة أعمالهم، وإمّا بسبب الفرص التي فقدوها أو بسبب انحرافات ومعاصي الآخرين.

بناءً على الروايات، فإنّ قلب المؤمن حزين باستمرار. طبعاً، أكّدت الروايات أنّ حزن المؤمنين في قلوبهم، وأمّا ظاهرهم فهو يعبّر عن السرور. وينشأ هذا الحزن من التقصير الذي يصدر عن المؤمن فيما يتعلّق بالآخرة. هؤلاء لا طريق للحزن إلى قلوبهم بسبب نواقص ومصائب الدنيا الفانية وهم لا ينزعجون إذا ما سلبت منهم نعمة من نِعَم الدنيا.

المؤمن جاهز لأن يحترق بنار جهنّم بشرط أن لا يُحْرم من لقاء الله ونظرته الكريمة. هكذا يُخْبر أمير المؤمنين عليه السلام فيقول: "فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك، وهبني صبرت على حَرِّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك"(2).

هذا الحزن ليس سلبياً، بل هو حزن إيجابيّ يؤدّي إلى المزيد من بذل المجهود في مسيرة الوصول إلى السعادة والقرب الإلهيّ. إنّ الحزن والألم اللذين يسبّبهما النقص في الأمور الأخرويّة، من لوازم الإيمان، وعامل للتقدّم ولتعالي المؤمن وبذله المزيد من الجهد في سبيل عبوديّة الله تعالى.

* أنفسهم عفيفة
الشيعيّ الحقيقيّ عفيف. طبعاً، ليس المقصود العفّة في المسائل الجنسيّة فقط، بل المقصود امتلاك عزّة النفس والاكتفاء من شهوات الدنيا بحدود الضرورة وعدم جعلها هدفاً ومطلوباً واقعياً. الذي يهتمّ للأحكام الإلهيّة، لا يمدّ يده إلى أموال الآخرين وهو الذي يغضّ نظره عن ناموس الناس، لذلك فهو عفيف.

الشيعيّ الحقيقيّ صاحب حياة بسيطة يقنع بالقليل، ولا يسعى لحياة الرفاه أو البيوت الفخمة والأثاث المرتفع الثمن.

* يتعب نفسه لراحة الآخرين
وعلى عكس الذين يلقون أثقالهم على الآخرين ليكونوا في راحة، الشيعيّ الحقيقيّ يُتْعب نفسه لأجل راحة الآخرين. وهو الذي يسعى لتحمّل الوظائف والأعمال الكثيرة عند مجالسته الأقارب والآخرين؛ والهدف أن تكون حياة الآخرين مريحة؛ على عكس الذين يبتدعون المبرّرات الواهية ليكونوا في راحة على حساب آلام الآخرين.

وتصدُق هذه المسألة على الأشخاص العاديّين، ومن جملة ذلك على طالبَيْ العلم اللذين يسكنان حجرة واحدة؛ فقد يعمد الطالب في الحجرة إلى إطفاء الأضواء ليرتاح صديقه المعتاد على النوم باكراً والذي يزعجه الضوء، ولكنّ بعض الطلبة لا يفكّرون إلّا في أنفسهم، فهم غير جاهزين لإطفاء المصباح مع أنهم يشاهدون أصدقاءهم غير قادرين على النوم. طالب العلم المنصف هو الذي لا يفكّر في نفسه فقط، هو الذي يفكّر في راحة الآخرين قبل راحته.

* أصحاب عقل وكياسة
الشيعة الحقيقيّون من وجهة نظر أمير المؤمنين عليه السلام أصحاب عقل وذكاء وكياسة ولا يمكن لأحد خداعهم سواء في الفكر أو السلوك.
يُرَوّج اليوم لمسألة ضرورة أن يكون الإنسان متعدّد الأوجه، فيتكلّم ويتصرّف مع الأشخاص وفي كلّ مكان بما يتناسب مع المخاطب؛ فإذا جالس الصلحاء مثلاً، أظهر أنه على رأسهم؛ إلّا أنّ الشيعيّ الحقيقيّ خالص وصافٍ وعلى وتيرة واحدة. الشيعة ليسوا من أصحاب الرياء وعملهم واضح عند الجميع. إذا كان الشخص من أصحاب الصلاح، أصبح صديقاً لهم، وإذا كان من أصحاب الانحراف والمعصية، ابتعد عنهم.

إذا شعروا بوجود من يسلبهم دينهم، ابتعدوا عنه وخرجوا عن جمع المنحرفين، وإذا اجتمعوا بمن يشعرون أنه قد يوقعهم في المعصية ويهدّد دينهم، خرجوا عنه بهدوء ومن دون إحداث ضجيج وحفظوا دينهم من الضرر.

* إن شُهدوا لم يُعرفوا
المؤمنون لا يعملون لأجل الشهرة ويعيشون في المجتمع مجهولين، فإذا دخلوا مجلساً لم يُعرَفوا وإذا غابوا لم يُفقَدوا.

يطلب الإنسان وبشكل غريزيّ اهتمام الآخرين به. حتّى إنّ الطفل ذا السنتين يحدث الضجيج والبكاء ليلفت الانتباه ويجري الاهتمام به. وهذا يعني أنّ طلب الشهرة مزروع في الإنسان منذ الطفولة بشكل غريزيّ. ولكن الذي تربّى في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فإنّه يجعل ما يريده الله تعالى على رأس ما يريد. فهو يأتي بالعمل الذي يريده الله تعالى.

في مرحلة الدراسة كان لنا شرف التعرّف والاستفادة من شخصيات علميّة كبيرة وكان على رأسهم المرحوم العلّامة الطباطبائي قدس سره الذي كان يعيش في منتهى البساطة بعيداً عن الشهرة. كان مظهره وشكله ولباسه وطريقة مشيه بسيطاً وعادياً، حتّى إنّ من يراه كان يظنّ أنه عالم دين قرويّ. كان العلّامة يضع على رأسه عمامة صغيرة ويرتدي لباساً قديماً ارتداه لأكثر من عشر سنوات، وكان يمشي بهدوء، وعندما يدخل مجلساً يتّخذ من إحدى زواياه مكاناً من دون أن يحدث ضجيجاً، فلم يكن هناك من يرسل الصلوات لدخوله. وعند الدرس كان يتحدّث بهدوء أيضاً.

طبعاً تجب الإشارة إلى أنّ الإمام عليّاً عليه السلام عدّد هذه الصفات بما يقتضيه ذاك الزمان وأحوال مخاطبيه فكان يطلعهم على المسائل والصفات التي يجب عليهم معرفتها والتحلّي بها.

وليس الحديث هنا أن يجلس الشخص في زاوية فلا يُعْرف، بل المقصود أن لا يبذل جهوداً ليُعرف ويصبح مشهوراً، ولكن إذا أوجبت الوظيفة والتكليف ذلك، يجب أن يقبل الشهرة والاعتبار والموقع الاجتماعيّ.

* الصفات العامّة لشيعة أمير المؤمنين عليه السلام
إنّ الفضائل التي عدّدناها للشيعة في هذه الرواية، جاءت في روايات أخرى بمضامين مشابهة. أمّا نتيجة هذه الفضائل فهي أنّ الشيعة الحقيقيين هم عباد الله الصالحون والأتقياء، وأمّا أبرز صفاتهم فعدم التعلّق بالدنيا، فيستفيدون من الأمور الدنيويّة في حدود الضرورة؛ لأنّ قلب الإنسان عندما يتعلّق بالدنيا، تصبح اللذائذ ذات جاذبية ويندفع للحصول على إمكانيات أفضل للحياة. أمّا غير المتعلّق بالدنيا، فهو وإن حصل على مال يصرف منه بمقدار الضرورة والحاجة ويصرف الباقي في سبيل الخير، ثم إنّه لا يفكّر في ادّخار الثروات والأموال.

بشكل عام، يمكن الحديث عن محورين إيجابيّ وسلبيّ لسلوك الشيعة الحقيقيين. المحور الإيجابيّ في سلوكهم هو الاهتمام بالإتيان بالوظائف الإلهيّة ليصلوا بواسطة ذلك إلى مقام القرب الإلهيّ. ويتصرّفون على أساس الأوامر والتكاليف الإلهيّة. فالله تعالى قد أخبر بأنّهم من أصحاب الصلاة والصيام والزكاة والإنفاق للحصول على رضى الله تعالى، بالإضافة إلى اهتمامهم بالتهجّد وقيام الليل.

أمّا المحور السلبيّ في سلوكهم فهو الابتعاد عن كلّ عمل يمنعهم عن أداء الوظائف الإلهيّة. بشكل عامّ المحور السلبيّ في سلوكهم هو عدم التعلّق بالدنيا، ما يحول بينهم وبين كلّ وضع فيه معصية وعمل حرام؛ لأنهم يدركون أنّ هذه الأعمال ليست مقبولة عند الله تعالى. وفي مرتبة لاحقة يبتعدون عن المكروهات والمشتبهات ويمتنعون عن كلّ عمل يؤدّي إلى الغفلة عن الله والآخرة.


(1) الأمالي، الطوسي، ص576.
(2) مفاتيح الجنان، عباس القمّي، ص130

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع