الشيخ ياسين عيسى
عندما نتكلّم عن الصلاة والدخول في أبعادها المعنويّة لا بدّ من الإشارة إلى مفهوم
العبادات الإلهيّة. فالعبادة كما جاء في تعريفها: هي فعل المكلّف على خلاف هوى
نفسه، تعظيماً لربّه(1).
وقد أخذت العبادات حيّزاً من الأحكام الإلهيّة في القرآن والسنَّة النبويّة،
وتَجَلْبَبَتْ بعباءة "القداسة"؛ لأنّها مظهر من مظاهر الطهارة من الكفر الجاحد
لوجود الله سبحانه، ومن الشريك الذي يفترَض للواحد الأحد المثيل والنظير والكفؤ.
* الصلاة.. أهمّ العبادات
إنّ الصلاة من أهمّ العبادات التي فرضها الله تعالى. وقد أورد سبحانه في كتابه
مشتقّات الصلاة بأكثر من سبعين مورداً، ناهيك عن الأحاديث الشريفة التي تعرّضت
للأحكام المفصَّلة للصلاة في ذكر المقدّمات، والأجزاء والشرائط والموانع
والمستتبعات. كما أفرد للصلاة الباب الرئيس في الرسائل العمليّة للمراجع العظام.
كيف لا والصلاة هي عمود الدين، وهي كفّارة الذنوب(2)؟
وقد أوصى القرآن بالمحافظة على الصلاة:
﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ
والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ﴾(البقرة: 238)، والوسطى فسّرها العلماء بتفسيرات عدّة، منها
صلاة الظهر(3).
وكانت الصلاة وصية النبيّ إبراهيم عليه السلام وكلّ الأنبياء:
﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ
وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ (إبراهيم: 40).
وللصلاة بُعدها التربويّ للأجيال الصاعدة. قال الإمام عليّ عليه السلام: "علّموا
صبيانكم الصلاة، وخذوهم بها إذا بلغوا الحُلُم"(4).
وهي عمود الدين. عن الإمام الباقر عليه السلام: "الصلاة عمود الدين مثلها كمثل
عمود الفسطاط إذا ثبت العمود ثبتت الأوتاد والأطناب، وإذا مال العمود لم يثبُت وتد
ولا طنب"(5).
* لماذا نصلّي لله؟
إنّ الصلاة حاجة للعبد الفقير المسكين البائس المستكين كي يتكامل مع وليّ نعمته
ومبدأ وجوده. هي حاجة تكامليّة؛ إذ كلّما خضع العبد لمولاه ازداد قربه منه، واستحقّ
رحمته ولطفه وعنايته وحمايته.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "لو يعلم المصلِّي ما يغشاه من الرحمة لما رفع رأسه
من السجود"(6).
وعنه عليه السلام: "تقرّب إلى الله سبحانه بالسجود والركوع والخضوع لعظمته
والخشوع"(7)، و"مَن رغب فيما عند الله كثُر سجوده وركوعه"(8).
وعن الإمام الصادق عليه السلام في مورد افتتاح الصلاة: "... وقِفْ على قدم الخوف
والرجاء، فإذا كبّرت فاستصغر ما بين السماوات العلى والثرى دون كبريائه... فاجعل
الحياء رداءً والعجز إزاراً، وادخُلْ تحت سرير سلطان الله تعالى تغتنم فوائد
ربوبيّته مستعيناً به مستغيثاً إليه"(9).
* ضمانة الأخلاق في المجتمع
إنَّ الصلاة كمفردة من العبادات هي حالة خشوع واقعيّة بين يدي الله الغنيّ المطلق،
والقادر المطلق والعالم المطلق، وبمثل الصلاة تتقرّب إلى الله جلَّ ثناؤه، وبالقرب
من العظيم نحصل على كلّ شيء، بينما بالبعد عنه نفقد كلّ شيء. وهذا شأن الفقير
المحتاج الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ولا حياةً ولا نشوراً.
ويمكن أن نشبّه الأمر بالطفل الضعيف الرضيع الذي كلّ تكامله واستقراره وسعادته أن
يكون في حضن أمّه ومن دونها يكون ضياعه وشقاؤه وتعاسته وحرمانه.
هذه الصلاة لها دور كبير في سلامة النهضة الاجتماعيّة الواعية؛ لأنّ المجتمع كيان
مؤلّف من أفراد، ونجاح المجتمع فرع وجود القيم الإنسانيّة في أفراده من صدق وأمانة،
ورحمة، وتعاطف، وإيثار وتقديم المصالح العامّة على المصالح الفرديّة... ويكون في آن
بعيداً عن كلّ فحشاء ومنكر من خيانة وعدوانيّة وسقوط في أوحال الرذيلة كالسرقة
والزنا والكذب...
إنّ الصلاة هي ضمانة الفرد في حركته الاجتماعيّة. قال تعالى:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ (العنكبوت: 45).
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ أحسن الناس عيشاً من حَسُن عيشُ الناس في
عيشه"(10).
* أول الوقت أبداً أفضل
إنّ الحفاظ على الصلاة في أوّل وقتها يكشف عن اهتمام العبد بهذه الفريضة المقدّسة.
وقد ورد استحباب الصلاة في أوّل وقتها. فعن الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام:
"اعلم أنّ أول الوقت أبداً أفضل، فعجِّل الخير ما استطعت، وأحبّ الأعمال إلى الله
ما داوم عليه العبد وإن قلَّ"(11).
كما ورد استحباب إقامة هذه الصلاة جماعة وفي المسجد لِمَا في ذلك من الإعانة على
البرّ والتقوى والزجر عن كثير من المعاصي.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان
له بكلّ خطوة سبعون ألف حَسَنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، فإنْ مات وهو على ذلك
وَكَّلَ الله به سبعين ألف مَلَك يعودونه في قبره ويبشِّرونه ويؤنسونه في وَحدته،
ويستغفرون له حتى يُبعث"(12).
* صلاة الخاشعين
كيف يحضر القلب في الصلاة؟ وما هي السبيل لنصلّي صلاة الخاشعين؟
يُشترط لتحصيل الآداب القلبيّة المطلوبة في العبادات وبالأخصّ الصلاة، ما يلي:
1- الالتفات إلى عزّ الربوبيّة وذلّ العبودية(13).
2- الخشوع والخضوع التام بين يدي الله الممزوج بالحب أو الخوف(14).
3- الطمأنينة وأداء العبادة بسكينة قلب واطمئنان بال(15).
4- "المحافظة على الأعمال من التصرفات الشيطانيّة" وذلك يتجلّى بالحذر من مكائد
الشيطان من العُجب والغرور والكِبَر والتفاخر وسوء الظنّ بعباد الله(16)...
5- الإقبال والاجتهاد، بأن يُقْبِل على العبادة بالابتهاج وسرور الخاطر والاحتراز
من الكَسَل(17)...
6- تفهيم القلب بأنّ القرآن هو كلام الله، والذكر هو ذكر الحقّ، وأنّ الأفعال هي
انقياد للرب(18).
7- حضور القلب يجعل مملكة الباطن والظاهر بأسرها مسخَّرة لإرادة الله، متحرّكةً
بأمره تعالى(19).
نسأل الله العزيز الحكيم أن يأخذ بأيدينا إلى كلّ خير وأن يعيننا على طاعته
وإقامة صلاته ببركة محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين.
1- التعريفات، الجرجاني، ص63.
2- وهي قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي قربان كل تقيّ وهي خير العمل
وهي أفضل الأعمال بعد المعرفة بالصفات.
3- العروة الوثقى، اليزدي، ج2، ص247.
4- جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج4، ص44.
5- ميزان الحكمة، الريشهري، ج5، ص370.
6- عيون الحِكم والمواعظ، علي بن الليثي الواسطي، ص417.
7- (م.ن)، 200.
8- غرر الحكم ودرر الكلم، الآمدي، ص175.
9- مصباح الشريعة، منسوب للإمام الصادق، ص87 - 88.
10- عيون الحكم والمواعظ، (م.س)، ص156.
11- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج1، ص131.
12- (م.ن)، ج5، ص372.
13- آداب الصلاة، الإمام الخميني، ص23.
14- (م.ن)، ص31.
15- (م.ن)، ص37.
16- (م.ن)، ص41 - 43.
17- (م.ن)، ص45.
18- (م.ن)، ص51.
19- (م.ن)، ص55 - 56