مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

صيَّادو العقول

تحقيق: أحمد شعيتو

لم يعد الأمر متوقفاً على "سهرة رأس السنة"، بل أصبحت ترافقنا على مدار أيام العام.. إنها التنبؤات و"مشاهيرها". كان لهم يوم واحد في العام فأضحوا في صدارة الشاشات. هذا الاتساع الملفت لهذه البرامج يدلّ على أنّها أثبتت نجاحاً! فلو لم يكن جمهورها إلى اتساع وتأثيرها على العقول إلى زيادة، ولو لم تكن سلعة رائجة في سوق الاهتمام الجماهيري لما استمرّت، بل لما تنامت وباتت ظاهرة ملفتة. وللأسف ليس كلّ ما هو منتشر وشعبي، صحّياً ومفيداً.

*إعلام التنبؤات
نميّز طبعاً بين تنبّؤ قائم على بحث ودراسة علميّة للظواهر وبعض التنبؤات الغيبية التي أوحى بها الله تعالى إلى أنبيائه، وبين تنبّؤات واهمة، تقوم على الخداع، باتت حاضرة بكثافة في الإعلام. حتّى أصبح يمكننا القول إن بعض الإعلام بات إعلام تنبّؤات.

يمكن في حالات معيّنة، اعتبار المتعلّق بهذه التنبؤات بمثابة المريض نفسياً، حيث إن تأثّره الشديد بالأسلوب الجذّاب جعل منه كذلك، أو هو في ظروف اجتماعية دفعته إلى أن يصبح أكثر تعلقاً بها إلى درجة المرض النفسي. لأننا إذا عدنا إلى المعلومات المتعلّقة بفحص شخصيّة وكيفية علاجها كحالة نفسيّة، يمكن ملاحظة أنّ "أهمّ الاختبارات المستخدمة في العلاج النفسي السلوكي هي:
1 - اختبار يسبر المخاوف والعلاقات.
2 - اختبار القدرة التخيّلية.
3 - اختبار قياس الذكاء العام(1).


فربما المخاوف تجعله يلجأ إلى هكذا تنبؤات لكي يطمئن، وبما أن الذكاء قد يكون بنسبة غير كافية، يتعلق بها.

*نبوءات مطّاطة
ورغم أن الكثير من التنبؤات لا يحدث لكن الناس لا تتابع ولا تحقّق في وقوعها، تنسى ولا تُراجع. هذا عدا عن أنّ تلك المتعلّقة بأمور شخصيّة، قد يقدّمها المتنبّئ ككأس باردة بعد ظمأ تشفي غليل المتلقّي وعطشه إلى مستقبل واعد. كما قد يقدّمها بقالب وأسلوب ذكي بحيث تنطبق على كثيرين وتحمل معاني متعدّدة الأوجه. وقد لاحظت ذلك من متابعتي لبعض مشاهير التنبّؤ الذين يبرعون في تقديم تنبؤات "مطاطة".

وأذكر أنه في إحدى المرّات قامت متّصلة بالحديث مع المتنبّئ وكذّبت تنبؤاً سابقاً له حولها وقالت له إنّ ما توقّعه لم يحصل، بل حصل العكس، هنا ارتبك هذا الشخص بشكل واضح، وحاول تقديم تبريرات لم تكن مقنعة.. ومَن يراجع العديد من التنبؤات التي قيلت في "رأس السنة" الماضية حول العام الذي سيأتي سيتأكد لديه أن أكثر من 90 % منها لم يتحقق، ورغم كل ذلك نجد أنّ لهذه التنبؤات سطوة وتأثيراً كبيرين.

*الإعلام وتأثيره أقوى
ترتكز التنبؤات على أجوبة عن أسئلة يرغب الفرد في الوقوف عليها سواء تعلّقت به وبمستقبله أو بأمور وأوضاع عامة. وهي إعلامياً ترتكز على منظومة تركب صهوة الإعلام لتنطلق إلى العقول بكلّ ما للإعلام من قوّة تأثير وحضور يومي. فالإعلام أصبح المؤثّر الأول في العقول والطبائع.
وبعد أن كان علماء النفس يضعون البيئة في أعلى سلّم التأثير، أصبح الإعلام هو البديل، حتى طغى على البيئة وبات ينافس التربية أيضاً.

الإعلام دخل في طور ضخم من التقدّم. لذا، فإنّ تأثير هذه التنبؤات وبرامجها أصبح أوسع وأكثر انتشاراً وتأثيراً في العقول. والخطير أنّه بقدر ما يسري التطوّر في جسد الإعلام يسري فيه مرض التجرّد من البعد القِيمي والإنساني، دون أن نعمّم طبعاً. وأصبح همّ القيّمين على معظم وسائل الإعلام الوصول إلى أكبر قدر من المنفعة الماديّة أو المنافع السياسية، عبر الوسائل التي منها ظاهرة التنبؤ.

*لهو وإشباع نَهم إلى المستقبل
يشير الدكتور المحاضر في كلية الإعلام عباس مزنّر في حديث خاص مع "بقية الله" إلى نقطة الارتكاز و"الحبكة" في تأثير النبوءات، وفي حضورها القوي إعلامياً. فيلفت إلى أنَّ "كثيراً من الإعلام في هذه المرحلة يتحرّك ويسير بشكل يجعل الناس تعيش القلق والخوف على المصير وعلى المستقبل، وتأتي هذه التنبؤات لتملأ بعض الفراغ والتوقّعات عند الناس". ويلفت إلى أن "من آثار ذلك أن الشعوب تنسى قضاياها الحقيقية". لكن ألا يدرك الكثيرون أن هذه التنبؤات واهمة؟

يقول مزنّر: "قرأت بالأمس خطاباً إعلامياً لأحد الباحثين يقول فيه إن الناس يعرفون أن معظم التنبؤات ليست حقائق، ومع ذلك يسعون وراء محاولات إشباع وهمية وافتراضية للنفس القلقة على المستقبل والوضع الأمني. فالناس يحبّون إشباع نهمهم إلى المستقبل، خاصة إذا قاربت هذه التوقعات الأوضاع السياسية والأمنية. وهناك قنوات مهمة تقدم المتنبئين ممّن يحملون رسائل أمنية ومخابراتية وتوجيهيّة للمجتمعات".

*بين الإعلام والإعلان.. مكاسب مشتركة
نستكمل الحديث عن نقطة الارتكاز التي يستند إليها الإعلام والمتنبّئ، يضيف د. مزنّر: "فالاتفاق يقوم بين الطرفين على أسس استفادة مشتركة على الصعيد المصلحي المادي، حيث إنّ المتنبّئ يكسب من المؤسسة الإعلامية. وهذه المؤسسة تكسب من اتّساع القاعدة الجماهيرية. إذ من المعروف في الوسط الإعلامي والإعلاني أن البرامج ذات القاعدة الجماهيريّة الواسعة تأتي بمردود مادي كبير خاصّة من الإعلانات المصاحبة؛ إذ كلما كان البرنامج أوسع مشاهدة، كانت أكثر وأغلى سعراً، هذا على الصعيد المادي.

أما على الصعيد المعنوي، فهناك أفكار يكون من المقصود إيصالها وتثبيتها والتركيز عليها في عقول الناس، فيتم توسّل برامج التنبؤ لتقديمها. وفي بعض الأحيان هناك محرّك مشترك للإعلام والمتنبئ من أجل صنع رأي عام أو توجيه عقول أو إفسادها أو إلهائها أو تخريبها".

*ماذا يستفيد الإعلام؟
وفي هذا الإطار يشير مزنّر إلى أن "الإعلام يستفيد من أكثر من شقّ:
أولاً - استقطاب الجمهور: فالإعلام يهمّه الجمهور. وهناك تتواطأ وسائل الإعلام مع المتنبئين ويدخل معهم الجمهور في تواطؤ غير مباشر. وللثقافة الاجتماعيّة حول التنبؤات والفلك دور كبير يساهم بتعزيز هذا التواطؤ بين الأسس الثلاثة. فيما يستفيد الإعلام من كل ذلك عبر الحصول على الجمهور فيتفق مع أسماء تأتي بجمهور كبير. وهذه الأسماء أضحت مشاهير على كثير من المحطات التلفزيونية.

ثانياً - الناحية التجارية التي تتعلق بالحصول على مردود مادي".

*لإعلام مقاوم أكثر وعياً
"كذلك هناك ناحية أخرى تتعلق بإيصال رسالة، خاصة في العالم العربي، تتعلق بتصنيع وترسيخ زعماء معيّنين وسياسة معينة. هذا الأمر ليس مقتصراً على العالم العربي فقط، بل على بعض الدول الأوروبية أيضاً".

ويخلص مزنّر إلى أنّ "عامة الناس متأثرة بموضوع التنبؤ... والإعلام يسيطر على العقل تحت ادّعاء الارتكاز إلى علوم مثل "علم الفلك". وهنا تدخل الرسالة الاجتماعيّة والسياسيّة والأمنيّة، وهذا جزء من صنع المعرفة "المُقَولبة" وخاصة لدى الإعلام الخليجي الذي لديه الأموال وشبكات القنوات ولديه السلطة وهو يشتري الكفاءات والكوادر من أجل صنع هذا النوع من المعرفة، وكل ذلك يجعل الطرف الآخر ملغى. بالمقابل هناك محاولات من الإعلام المقاوم لصنع رأي عام أكثر وعياً".


 1- انظر: الوجيز في ممارسة العلاج النفسي السلوكي، د. محمد الحجار.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع