لقد وقعت حوادث عجيبة ونادرة عند مولد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، حسب رواياتنا وروايات أهل السنّة. من هذه الحوادث تصدّع طاق كسرى(1) وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفات قصره، ومنها خمود نار فارس في معبدها، وسقوط الأصنام على وجه الأرض(2). إنَّ قضية طاق كسرى ربما كانت إشارة إلى أنّه كان في عهد هذا النبيّ العظيم طاق ظُلم، وأطواق الظلم تتصدّع، وقد تصدّع طاق كسرى، لأنّه كان مركز ظلم "أنوشيروان".
*تحريف القضايا التاريخية
لقد كان "أنوشيروان" واحداً من ظلَمَةِ الساسانيّين، خلافاً لما كان يصوّره بعض شعراء ذلك الوقت، ومرتزقة قصره، ورجال دينه المرتزقة. كما وضعوا حديثاً مختلقاً ونسبوه إلى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بتقوّلهم عليه "ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان". وهذا الحديث مرسلٌ لا سند له أولاً، وقد كذّبه أهل هذا الفنّ ثانياً، وواضح أنّهم كذبوا فيه. ويجب أن يقال عن "أنوشيروان" إنّه ظالم وليس عادلاً.
أنا لا أعتقد بوجود إنسان بمعنى الكلمة بين أولئك السلاطين. غاية الأمر أنَّ الدعايات الإعلامية كانت كثيرة وخاصة بالنسبة إلى الشاه عباس، مع أنّه لم يكن بين ملوك الصفوية من هو أسوأ منه وأردأ، وكذلك بالنسبة إلى ناصر الدين شاه في العهد القاجاريّ. فقد وصلت الدعايات في حقه حدّاً وصفته بـ"الملك الشهيد" وأمثال ذلك في حين أنّه كان ظالماً غدّاراً وربما كان أسوأ من الآخرين. فهذه الدعايات الفارغة، في ذلك الوقت، كانت مستمرّة. فعدالة "أنوشيروان" مثل الدعايات التي تبثّ الآن عن محبّة رئيس جمهورية أمريكا للصلح والسلام، ومثل شيوعيّة الاتحاد السوفياتي.
*قريباً ستتحطّم كلّ الأصنام
لقد تهدّمت أربع عشرة شرفة من شرفات قصر الظلم. ألم يكن يخطر ببالكم أن يحدث هذا الأمر في القرن الرابع عشر أو أنّه سيحدث بعد أربعة عشر قرناً؟ قد يخطر هذا بالبال، ويحتمل أن يزول بناء الظلم الشاهنشاهي من الوجود بعد أربعة عشر قرناً. وقد زال بحمد الله، وسقطت كلّ الأصنام على وجوهها. وآن أوان أن يزول من الوجود جميع أنواع الأصنام وأشكالها، سواء الأصنام التي نُحتت من الصخور، أو الأشخاص الذين صنعت منهم شعوبهم أصناماً.
*الهدف الأساس للأنبياء
إنَّ الهدف الأساس للأنبياء لم يتحقّق منه لحدّ الآن إلّا النزر القليل. هذا إذا لم يقل العلماء المرتزقة غداً إنَّ فلاناً قال: إنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يتمكن من تحقيق شيء. ولو تحقّق شيء من أهداف النبيّ لما كان لهؤلاء العلماء المرتزقة وجود في الوقت الحاضر. ولو كان قد تحقّق هدف الأنبياء عليهم السلام لما كان لأمريكا وأمثالها الآن وجود. ولو قال هؤلاء: إنَّ هدف الأنبياء قد تحقق، فمع وجود كلّ هذا الفساد في الدنيا يصبح معلوماً أنَّ هدف الأنبياء لم يتحقّق، بل تحقّق حصول هذه المفاسد. ونحن كذلك نتحدّث عن هدف الأنبياء، ولكنَّ أيدينا لا تصل إلى الهدف الذي أرادوه. لم يكن هدف الأنبياء هو الوصول إلى الحكم، بل أرادوا الحكم وسيلة للوصول إلى شيء آخر، والأهداف كلّها تعود إلى معرفة الله.
*معرفة الله والإيمان به
كلّ ما كان الأنبياء يسعَون إليه هو معرفة الله تعالى معرفة حقيقية. فلو تحقّقت هذه المعرفة تحقّق على أثرها كلّ شيء. إنّ كلّ المفاسد إنّما حصلت في العالم بسبب عدم الإيمان بالله فضلًا عن عدم معرفته. فلو حصل الإيمان بالله لحصل كلّ شيء تبعاً له، ولحصلت الفضائل تبعاً له أيضاً. كان الأنبياء يسعَون إلى سوق البشر تدريجيّاً نحو معرفة الله، وكلّ الأمور الأخرى هي مقدمة لهذا الأمر، وما كان يؤلم الأنبياء هو أنّهم يرون الناس يجرّون أنفسهم نحو جهنّم.
فالأنبياء هم مظهر رحمة الحقّ تعالى ويريدون الخير للناس جميعاً، كما يريدون أن تكون معرفة الله لدى الجميع وأن ينعم الجميع بالسعادة، ويأسفون أشدّ الأسف عندما يرون الناس يتّجهون نحو جهنم، والقرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى بقوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ (الكهف: 6)، حيث كان الجميع يسعون إلى تعريف الناس بالله.
*عبدوا الله حبّاً
ورد عن الإمام عليّ عليه السلام في دعاء كميل: "فهبني يا إلهي صبرتُ على عذابك، فكيف أصبر على فراقك"؟ فماذا كان يقول هؤلاء العظام!؟ وماذا جاء في المناجاة الشعبانية من كلمات وأقوال؟ لقد وردت إشارات كثيرة في أدعية الأئمة عليهم السلام إلى أهداف الأنبياء عليهم السلام. وفي القرآن الكريم إشارات لطيفة جداً، وبما أنّها جاءت للناس كافّة، فقد قيلت بشكل يفهمه الخواصّ والعوامّ، فالقرآن الكريم مركز العرفان كله ومبدأ كلّ المعارف، لكنَّ فهمها صعب على العوام. لقد فهمه مَن خوطب به ومَن كان متّصلاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهؤلاء يعلمون الحقيقة ويعرفون ماذا كانت مقاصد الأنبياء عليهم السلام وأهدافهم. أمّا نحن فبعيدون عن القرآن وهاجرون له، ولكنّ عناية الله تعالى كبيرة ويقبل منّا ما يتأتّى من أيدينا نحن المقصّرين. علينا أن نتابع هذا المقدار الذي يتأتّى من أيدينا في العمل والعلم والأخلاق وفي سائر الأمور، ولو تحرّكنا بهذا المقدار فهو حسن وعاقبته جنات عدن.
(*) خطاب للإمام الخميني قدس سره ألقاه في 17 ربيع الأول 1406 هـ. ق في حسينية طهران، جماران.
1- هذا الطاق العظيم هو جزء من قصر أنوشيروان الساساني في مدينة المدائن بالعراق.
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج15، ص257.