نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

منبر القادة: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مجاهد في كل الميادين

الشهيد السيّد عبّاس الموسوي قدس سره


أتوجّه لأبناء هذه الأمة، من الأحرار والمجاهدين والمخلصين، لأضع بين أيديهم القدوة الكبرى، القدوة التي تُعتبر أشرف ما خلق الله عزَّ وجلَّ في هذا الكون، وهي شخصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذه الشخصيّة التي لو حاولنا بكلّ وسائلنا وإمكاناتنا الإحاطة بها، لما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. لذلك سأحاول تسليط الضوء على الجانب الجهاديّ فقط من شخصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لنقدّم الانموذج الأرقى في الجهاد والنضال والكفاح، من أجل إعلاء كلمة "لا إله إلّا الله".

*مجاهد ضمن كلّ الأبعاد
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أردنا أن ندرس جهاده، نجد أنّه يفهم المسألة الجهاديّة بكلّ أبعادها. جاهد في سبيل الله ومن أجل الدعوة إلى الله بكلّ السبل، وبكلّ الإمكانات وضمن كلّ الأبعاد. لم يترك بوابةً للجهاد، سواءٌ على مستوى الجهاد مع نفسه، الجهاد من أجل مجتمعه، وأمته، والبشرية، أو من أجل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، أو الجهاد المسلّح من أجل إعلاء كلمة "لا إله إلّا الله" بالقوة.

كلّ هذه الأشكال والأبعاد من الجهاد، كانت واضحة وجليّة في شخصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعلى مستوى جهاده في الدعوة، الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان وحيداً في مكّة، مُحارَباً، وتُستنفر كلّ الطاقات وكلّ الإمكانات في مواجهته وهو رجلٌ واحد.

*رجل واحد ركّز دعائم الدعوة
كيف يمكن أن نتصوّر أنّ رجلاً واحداً يستطيع أن يواجه كلّ المجتمع من حوله: الطواغيت، الجبابرة، العادات المنحرفة وكلّ الفساد الذي كان قائماً في ذلك المجتمع؟ مع ذلك، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -نتيجة إيمانه بالله، وعظيم صِلته وتوكّله على الله تبارك وتعالى- يعمل في ليله ونهاره بالدعوة إلى الله عز وجل؛ ولذلك استطاع أن يركِّز دعائم الدعوة وهو رجلٌ واحد، حتّى أصبح هناك عدد قليل من المؤمنين المجاهدين، الذين لا يتمكّنون حتّى من حماية أنفسهم، مما اضطرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن يأمرهم بالهجرة تارةً إلى الحبشة، وأخرى إلى المدينة حتّى يأمنوا على أنفسهم.

إذاً، الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أجواء كانت من أصعب ما تكون، وفي ظروفٍ أمنيّة صعبة إلى أبعد الحدود، تعرّض فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى محاولة القتل، وتعرّض فيها المسلمون من النساء والرجال إلى القتل، والمضايقة، والتهجير، والتعذيب. كلّ أشكال التعذيب، والمضايقة، والمحاصرة حصلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكة المكرمة؛ مع ذلك أصرّ على الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

*من المدينة... الانطلاقة الكبرى
وعندما أُقفلت كلّ الأبواب في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكّة المكرّمة، فَتَح صلى الله عليه وآله وسلم باباً جديداً باتّجاه الطائف، وهو يعلم أنّه سيواجه مجتمعاً أكثر غِلظةً من مجتمع مكّة المكرّمة، وفعلاً عانى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الأمرَّين من أجلاف الطائف، حتى أُدميت قدماه وأغمي عليه، مع ذلك أصرّ على الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ورجع إلى مكة يدعو إلى الإسلام. ثم عندما رأى أن الأبواب لم تعد مفتوحة لا في مكّة ولا في الطائف، انطلق صلى الله عليه وآله وسلم برحلةٍ إلهيّةٍ عظيمةٍ، استطاعت أن تكون الانطلاقة الكبرى للدعوة إلى الله، وإعزاز كلمة "لا إله إلّا الله"، عندما هاجر صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة. وبهجرته تحوّلت الدعوة من دعوة ضعيفة لا تملك القدرة على حماية نفسها، إلى دعوة قادرة على الاحتماء بالقوّة وبالجهاد المسلّح.

*الجهاد المسلّح لحماية الدعوة الإلهيّة
وفعلاً، الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان مسؤولاً بالأمس عن الدعوة إلى الله، اليوم ومن خلال الأجواء الجديدة التي مهّد لها في المدينة المنورة، ومهّد لها بعض أصحابه الذين أرسلهم إلى المدينة المنورة، استطاع أن يؤمّن الحماية للدعوة الإلهيّة، وانطلقت الدعوة انطلاقتها الواسعة، وابتدأ جهاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المبارك والجديد، وهو جهاده المسلّح من أجل إعلاء كلمة "لا إله إلّا الله". وفعلاً ابتدأت الأوطان والبلدان تُفتح أمام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، من خلال مشاركته في الغزوات، ومباركته للجهاد المسلّح، الذي قاده من نصرٍ إلى نصر، ومن خندقٍ إلى خندق، فأصبحت المدينة المنوّرة محصَّنة من غزوات قريش، والأحزاب، واليهود، وغيرهم... ثمّ كان فتح مكّة، ثم الطائف، ثم فُتحت الجزيرة العربية، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرسل جيوشه في كلّ الاتّجاهات حتّى يمهّدوا لرفع لواء الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

*الجهاد الأكبر... جهاد النفس
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع كلّ الانشغالات بغزواته وجهاده المسلّح، لم ينسَ أن الجهاد الأكبر هو الجهاد مع النفس؛ ولذلك معروفٌ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه عندما رجع المسلمون من جهادهم المسلّح قال لهم: "رجعتم من الجهاد الأصغر، وبقي عليكم الجهاد الأكبر". وعندما كان يُسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّنا كنا في غزوٍ وجهادٍ كبيرين، فهل هناك جهاد أكبر من هذا الجهاد؟ فكان جواب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بكلّ بساطة وترابيّة: نعم، الجهاد الأكبر هو الجهاد مع النفس، لأنّ هذه النفس إنْ لم نقاومها، ونقاوم شهواتها، ونزواتها، وضعفها، لن نستطيع أن نكون في مواقع الجهاد المسلّح أقوياء. وقوة الإنسان بقوة إرادته، فكلّما كانت المواجهة في هذا الميدان أكثر فعاليةً وقدرةً، كلّما كان الإنسان أقدر على مواجهة تحدّيات الحياة، والأعداء الظاهرين مهما كانوا أقوياء.

*قمّة الجهاد في سبيل الله
إنّ شخصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عُرفت بقمّة الجهاد في سبيل الله، عُرفت بالجهاد الحقيقيّ الذي لا ملل معه ولا تعب من أجل إعلاء كلمة الحقّ، ومن أجل نصرة الحقّ ونصرة المظلومين والمستضعفين في كل مكان. فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدوتنا، فلنجعل من كل خطوة جهاديّة من خطواته العظيمة خطوةً لنا في حياتنا، حتّى تصبح كلّ حياتنا حياة عزّة وكرامة وقوة. وفعلاً، بمعزل عن شخصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لن تستطيع أن تنهض هذه الأمّة.

ومن هنا، الوصيّة الأساس لأنفسنا ولكلّ المجاهدين، أن نجعل نصب أعيننا معرفة شخصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتعرّف هنا لمجرد الاستئناس بالمعرفة، وإنّما من أجل الاقتداء والممارسة العمليّة، فهو صلى الله عليه وآله وسلم قدوةٌ لنا في الجهاد، في الأخلاق، وقدوةٌ لنا حتى في علاقاتنا الخاصّة بعضنا مع بعض: علاقة الأخ مع أخيه، علاقة المجاهد مع أخيه المجاهد، علاقة الجار مع جاره، علاقة الولد مع والده...

كلّ هذه الممارسات التي نحتاج إليها في حياتنا، نحتاج معها إلى استنارة حقيقيّة حتّى تضيء لنا الدرب، وتعرّفنا إلى طريقة التعامل الصحيح على أساس الإسلام. كلّ ذلك لا يمكننا أن نتعرّف إليه إلّا من خلال التعرّف إلى الشخصيّة الإسلاميّة الأولى، وهي شخصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج65، ص149.
2- الأمالي، الصدوق، ص156.
3- الوافي، الكاشاني، ج3، ص644.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع