مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أسرة ومجتمع‏: تقاعد قبل الأوان‏

نلا الزين‏


في بداية الحياة الزوجية، وربَّما في بداية كلِّ شي‏ء، ينطلق الواحدُ مِنَّا ليبرز ما لديه من طاقات وكوامن قد يرغب وقد لا يرغب في إبرازها إلاَّ أنَّ المعطيات الجديدة والظروف القائمة تستدعي خروجها للعيان. كذلك مع بداية أي عمل أو مشروع يبدأ المرء بدراسة ما يجب وما لا يجب أن يكون ويعمل على وضع الشي‏ء المناسب في المكان المناسب، هذا بشكل عام.

وعود أي بدء على بدء بالنسبة لموضوع الحياة الزوجية، فإنَّ طرفي العلاقة يبدأان بوعود وعهود ومشاريع لا تعد ولا تحصى، والانطلاقة تكون على براقٍ من التألق والحيوية والحضور، كلُّ واحدٍ جاء بما كان لديه سابقاً وأضاف إليه حصيلة الجديد من الحياة الزوجية. فهناك ما هو فردي الهوية وهناك ما هو ثنائي العلاقة بينهما... ولكن سرعان ما تبدو علاماتُ التحول تظهر في سماء حياتهما، فمثلاً الزوج الذي يكن الحب والاحترام لزوجته لديه أعمال ونشاطات ومسؤوليات قد يفرط فيها وقد يتوازن في تحديد المطلوب منها ولها وهناك الزوجة التي كانت لديها بعض علاقات ونشاطات اجتماعية أو عائلية. ها هي مع بداية زواجها تترك كلَّ ذلك جانباً لتهتم بعائلتها وزوجها وربما بأولادها إذا منَّ اللَّه عليهم بهم. مع مرور الوقت تدرك أنَّ هناك مساحة من الفراغ تلازمها وتسبب نوعاً من الملل حيناً والمزيد من إضاعة الوقت حيناً آخر. وتبدأ الحيوية والتألق والطموح يغور شيئاً فشيئاً. والأسباب كثيرة منها:

غياب الزوج الذي يصل لحدود المشاهدة المسائية له فقط وربما الأسبوعية وربما الشهرية... وذلك بسبب العمل وغيره... أيضاً من الأسباب، عدم وضع روزنامة عمل واضحة لشؤون المنزل لمعرفة الوقت اللازم لتنفيذها والقيام بها من أجل تحديد مدة الوقت المتبقي والعمل على وضع روزنامة نشاطات من شأنها أن تغني هذه الزوجة وتملأ وقتها بما هو مناسب ومفيد لها ولعائلتها ولمجتمعها.. ولكنَّ البعض من الناس سواء الزوجات أو غيرهن قد يُحِلْن أنفسهن إلى التقاعد قبل الأوان، التقاعد من الأمور التي تغني الساعات وتجعل من الوقت معراجاً نحو غاية الوجود وهو عمارة الأرض بالطيبات من الأعمال والأفعال والكتابات.

هناك من يبدو كالشمس الغاربة حتى وهو في عزِّ العمر وهناك من يظهر كشعاع وضاء وهو في عمر متقدم، والبعضُ يميل إلى الصفرة من اللون، وهو في ربيع الأيام وهناك من يتوقد حمرة ونوراً ولو كان في أصعب الظروف والسنين. نتفاجأ أحياناً بالغروب المبكر لبعض الناس عن مسرح الفعل والفاعلية ولا يبحثون عن مكامن الحياة المتجدِّدة مع أنَّ الحياة العامة وكذلك الخاصة تفتح ذراعيها للمتنافسين في الخيرات ومواجهة التحديات... الزوجة كغيرها من فئات وأفراد المجتمع تحتاج لجلسة مع الذات حتى لا تحيل نفسها إلى التقاعد قبل الأوان وحتى لا تفقد شعاع الروح المتوثبة حتى لو خرج الزوج إلى عمله والأولاد إلى مدارسهم وحياتهم الخاصة. وهذه سنة الحياة وحتى لا تكون أسيرة الملل أو الوحدة أو الشاشة التلفزيونية.

للقضاء على ذلك وللابتعاد عن الروتين اليومي الذي يصبح هو السيد الآمر والناهي. والغرق في متاهة الصبحيات التي تتحول بدورها إلى روتين، والمحادثات الهاتفية والنوم في هذا الوقت أو ذلك لا بدَّ للمرأة أن تعي بأن رحاب الدنيا واسعة وهي قابلة لاستيعاب الأحلام الخيرة والطموحات الضرورية والجميلة فالبيت مكان مقدس يثمر العطاء فيه أجمل الثمر في الدنيا والآخرة، هنا تكمن حياة المودة والرحمة ومن هنا يتخرج جيل يتحمل مسؤولية الغد الآتي، وكل عطاء فيه مبارك ومحمود ومطلوب، من خلال العمل على تأمين سبل الأمان والحنان لأفراد العائلة، من حيث التدبير المنزلي وحسن الاستقبال وحل المشاكل العالقة وتسهيل سبل النمو الطبيعي للطاقات البشرية والعمل على مواكبة ما يجري في الخارج، خارج اسوار المنزل، ولكن لهذه الأمور أوقاتها وظروفها ومساحتها من حياتك، دعي الأمور تجري دون أن تلغي نفسك من على خارطة الحقوق والأماني التي تودين الوصول إليها.

بعض النساء يرون في أنفسهن طاقة على متابعة ما وقفوا عنده من مراحل تعليمية، فيجدن أنفسهن في ساحة العلم من جديد والبعض الآخر يرى نافذة يستطعن من خلالها متابعة بعض المستجدات العلمية واللغوية والمهنية من باب الثقافة العامة، أو من باب التحصيل الضروري ليستفيد الأولاد من ذلك المخزون عند الوقت المناسب... وهناك من يجد منهن متسعاً للمطالعة في الصحف والجرائد والكتب التي يرونها مناسبة لهن وللعائلة والمجتمع معاً. حتى أنَّ بعض الأمهات تقول: لكي أشجع ولدي على المطالعة منذ الصغر فإنني أخصص له وقتاً عند المساء أو أوقات العطلة المدرسية ليشاركني المطالعة لما اقرأ وأكون قد اخترت ما يجذب انتباهه وحاجته، وهناك إحدى الأمهات تقول عن روزنامة نشاطها الأسبوعي الذي يكون خارج نطاق العمل المنزلي وتجد فيه الفائدة العملية لأولادها ولها وتجد أنها لا زالت قادرة على التمتع بحياتها وبجمال الوجود، فتقول بأنها تذهب أسبوعياً إذا سنحت الظروف بذلك إلى الطبيعة مع عائلتها من أجل التأمل في جمال الخضرة والطبيعة وتخصص وقتاً لشرح بعض المعلومات عن شي‏ء طالعته أو بحثت فيه كأنواع الأعشاب والأزهار وغيرها...

معلقة على ذلك بالقول في كلِّ يوم أجد نفسي مسؤولة عن عقلي لأتزود بما ينميه معرفة ومسؤولة عن وجداني لأقدم له ما ينعشه ويهدِّى‏ء من روعه وأيضاً أجد أني مسؤولة عن أبنائي لأقدم لهم ما يزرع الفرح في نفوسهم والمعرفة في عقولهم... كما أني أقدم لهم غذاءَهم وحاجة أجسادهم البدنية... ومن جهة ثانية تتحدث إحدى الأمهات عن نشاطها في النادي الرياضي الذي تذهب إليه أسبوعياً، فتقول بأنها تتعلم وتتدرب على بعض التمارين والأعمال وتأتي إلى المنزل وعند حضور أولادها تحاول نقل ما تدربت عليه إليهم ليكونوا دائماً في حالة صحية جيدة مع أنها بالصيف تحاول أن تخصص لهم يوماً في الأسبوع ليمارسوا بعض هواياتهم الرياضية الخاصة. نعم الوحدة: إحساس قاتل، وآثاره في النفس كآثار الرماد الذي يرث الحرائق ولكن باستطاعة الزوجة أن تخفف من هذه الآثار بالانفتاح على دورها جيداً وبمعرفة ما هو مطلوب منها للمنزل ولذاتها.

باستطاعة الإنسان أن يجعل حياته رائعة مما ينعكس روعة على حياة من نعيش معه داخل أسرة واحدة أو عمل واحد أو مجتمع واحد...قد نجد بعض الأمهات وهن يذرفن الدموع على انشغال الزوج الدائم أو على خروج الأولاد إلى دراستهم وأعمالهم وحياتهم الشخصية أو الزوجية الجديدة، نعم إنها دموع مباركة وجميلة لما تحمله هذه الأم من مزايا حبية وعاطفية أودعها اللَّه تعالى فيها وأسكنها قلبها المملوء رحمة ومودة ودفئاً. ولكن ما أجمل ذاك الوجه عندما يتحول من وجنات تكر وتنهمر عليها الدموع إلى وجه تكتنفه البسمة والرضا على كل ما يجري من تطور وتحول داخل الأسرة لأنه صنيع يديها وسهرها بالليل وتخطيطها بالنهار. وحسن إدارتها لبيتها...

شرط أن يتوازن ذلك مع بقائها في ساحة الحياة تعطي ولا تمل تخطط ولا تترك الأمور على غاربها وتجد نفسها حيث ينبغي أن تكون دون أن تقع فريسة الملل والفراغ والوحدة... السنة التي تمر من عمر الإنسان وكذلك الشهر واليوم والساعة تبقى محملة بأزاهير ما دونه المرء فيها وعلى صفحاتها ولا ينبغي أن نودع الحياة ونحن لا زلنا نتنفَّس، على قاعدة "اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدأ واعمل لآخرتِك كأنك تموت غداً". كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. لنقدم لغيرنا كما علينا أن نقدم لأنفسنا ولنهتم بمن حولنا كما يجب أن نهتم بأنفسنا ولنخطط لمستقبل غيرنا ولكن شرط أن لا نحول حياتنا إلى ماضٍ نعيش تحت وطأة ذكرياته واليوم لا زال يحمل إلينا الكثير فلماذا نتخلى عنه طوعاً...؟ اعرف نفسك تعرف ربَّك قول متين وحكيم عندما يعرف كل واحد منا نفسه لا بد وأن يقوده ذلك لمعرفة خالقه وما يريده منه والغاية من وجوده وعند ذلك يسير بالخط الذي يؤدي به إلى ذاك الشاطئ‏ "الأمان" وهذا يحتاج إلى معرفة وعلم وعمل وتخطيط والأنا والآخر، العاطفة والعقل، الراحة والتأمل الطعام والشراب للجسد وللروح معاً... أنت أيتها الأم كل ذلك تمثلين، لأنك مسؤولة عن ذاتِك وعن ذات أبنائِك وعن مستقبل مجتمعك الذي تخرجين له أركانه وعماده...

لا للملل، لا للفراغ، لا للوقت الضائع، لا للدموع عندما يأتي دور الابتسامة... ولا شي‏ء يعوض الإنسان عن ضياع نفسه وهدر وقته والوقوف بين يدي ربِّه... وحتى نلتقي بكم في واحة الأسرة والمجتمع نتمنى للجميع راحة البال والأمن والأمان والباقيات الصالحات من الأعمال.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع