مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الهجرة إلى الله

الشيخ محمود كرنيب


يقول الله تبارك وتعالى:
...﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله النحل/ 100. الهجرة إلى الله ورسوله مفهوم أصيل من مفاهيم الإسلام التي ندب إليها الإسلام وأشار إليها ظاهر القرآن الكريم وباطنه لمن تدبر آياته وعقلها. ومفهوم الهجرة في معناه اللغوي المتبادر هو ترك ومفارقة مكان تارة، وعادة ما أو خلق ما أو غير ذلك تارة أخرى... ولذا فقد اعتبرت مغايرة عادات وأخلاق وعقائد القوم هجرة لهم وإن مكث المهاجر في نفس وطنهم. ...﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا... والهجرة لما كانت أعم من المفارقة الجسدية، ومفارقة ومخالفة ما تأصل في المجتمع من سوء الفعل والخلق، أمرَ الله رسولَه في أول ما أمره بهجرة عادات وأخلاق قومه ...﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ.


* الرسول صلى الله عليه وآله قائد مسيرة الهجرة إلى الله:
لا شك إن الغاية من إرسال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ومن قبله كل الأنبياء هي دعوة الناس إلى الخروج من دار البعد إلى الله والهجرة إلى مقامات القرب الإلهي. فمهمة النبي صلى الله عليه وآله تتلخص بالهجرة بالناس من ظلمات الجهل والجاهلية إلى نور الهدى والعلم... ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ... ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ الله بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ الحديد/ 9. فوظيفة الرسول هي الهجرة بنفسه وبمجتمعه والبشرية متحملاً مسؤولية قيادة مسيرة الهجرة البشرية هذه من الظلمات إلى النور ولذا كان لا بد أن يكون بذاته آلة نور ودليل المسير. ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا. فهو معني بالهجرة وإخراج الناس من الظلمات إلى النور وبكل الوظائف المؤدية إلى ذلك... شاهد مبشر نذير إلخ.

* الجهاد والحج والهجرة إلى الله:
إن الله عز وجل قد أوجب أمرين هما الحج والجهاد وفي كلا الواجبين ترك للأهل والمال وللأولاد والأوطان وخوض مشقة السفر ومعاناة الاغتراب من جهة ومن جهة أخرى أهوال القتال والقتل والجرح والأسر. فعن الحج نقرأ فيما روي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: "فإن قال لما أمر بالحج قيل: لعلة الوفادة إلى الله عز وجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف العبد تائباً مما مضى...". وعن الجهاد نقرأ في كتاب الله كذلك ربطاً بين الهجرة والجهاد: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ الله وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ البقرة/ 218. فالحج هجرة إلى الله ومكابدة مشاق السفر في سبيل ذلك "لعلة الوفادة إلى الله" وكذلك الجهاد هجرة إلى الله لما فيه من ترك الأهل والراحة لملاقاة الله في ميادين الجهاد والقتال.

* الإمام الخميني قدس سره والثورة والهجرة:
وكما كان إرسال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله في منطقة شبه الجزيرة العربية بأرضها الصحراوية القاحلة ومجتمعها الذي كان آنذاك غارقاً في ظلمات الجهل والجاهلية والبداوة والأمية لما كان هذا الإرسال خياراً في الظاهر عكس ما تقتضيه الظروف الموضوعية لنجاح بعثة النبي صلى الله عليه وآله ولعله في نظر من قصر نظره على مادي الأسباب مجازفة وأي مجازفة فكذلك إذا نظرنا إلى حركة الإمام الخميني قدس سره فقد كانت هجرة للواقع الذي كان يدور بين قطبين أولهما الغرب وقائدته أمريكا والشرق الملحد الذي كان يقوم على رأسه الاتحاد السوفييتي.. فاختار الإمام الإسلام والعود بالناس إلى الإيمان، بنظر كل الناس كان هناك مجازفتان لا تتعقلان الأولى أن يستطيع النجاح مع عدم استناده إلى أي من القوتين العظيمتين والثانية الرجوع بالناس أكثر من ألف عام إضافة إلى قوة النظام. وهجر الناس هذا المجتمع الدولي وهاجر بالمسلمين مخالفاً الشرق والغرب، هاجراً المادية الغربية والشرقية، مستعيناً بالله ومتكلاً عليه وحاملاً الناس على ترك الواقع الغارق بماديته إلى رحاب الروحانية... ونجح الإمام قدس سره ولعل أبرز شعاراته كانت مبنية على "لا شرقية ولا غربية...". فحركة الإمام الخميني قدس سره هي قيادة حركة الهجرة بالناس والمجتمع من وحول المادية والإلحاد والتبعية والاستكبار إلى رحاب المعنويات والتوحيد والاستقلال والحرية والتحرر... هي هجرة العود إلى الأصول والجذور وإعادة تأصيل أفكار الناس ومعتقداتهم وإخراجهم من ربقة التبعية إلى شرق الكفر وغربه.

المقاومة والهجرة:
وأيضاً فإن من ينظر إلى المقاومة الإسلامية في لبان التي أنشئت تحت عين الإمام الخميني قدس سره وبتوجيهاته واستجاب لهذه التوجيهات مجموعة من العلماء والمجاهدين وعلى رأسهم سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي. لقد قامت المقاومة في زمن الهزيمة الذي انتشر في المنطقة ولبنان خاصة فلقد اجتاح الإسرائيلي لبنان حتى العاصمة بيروت وأخرج منظمة التحرير من لبنان وفرض ما فرض من اتفاقات... وقامت المقاومة الإسلامية والناس مهزومون قامت فتلقاها الكثيرون بالقول: "إنها سباحة في عكس التيار...". "العصر عصر أمريكي وإسرائيلي.. إلخ". "العين لا تقاوم المخرز...". لقد كانت المقاومة الإسلامية في لبنان في واقعها هجرة من واقع الهزيمة والاستسلام واليأس إلى الله... هجرة إلى العمل على مقاومة الواقع المستسلم واليائس إلى رحاب الأمل بهيمة العدو والانتصار بالله عليه... وتحقق النصر بعد أمد ما كان يأمل أحد من الناس أن يتحقق يوماً.

* خاتمة:
إن ما يجمع حركة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله والثورة الإسلامية والمقاومة الإسلامية هو عنوان الهجرة.. هجرة الواقع ومخالفة السائد من الانحراف والظلم والاستبداد.. إلى نور الإيمان والهدى والإيمان.. هي هجرة من الناس بالناس إلى الله عز وجل.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع