الشيخ محمد خاتون
بسم اللَّه الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ (النساء: 59). قبل التطرق إلى موضوع البحث حول سماحة الإمام الخامنئي ومواصفات القيادة يجب النظر إلى نقطتين مهمتين:
النقطة الأولى: إن موضوع الولاية يأخذ أولاً وقبل كل شيء الجانب التعبدي بعين الاعتبار ليس لأن ولي الأمر يحمل جانباً غيبياً قد لا يكون قابلاً للفهم، وإنما لأن الإلزام عن طريق التعبد يتضمن جانباً كبيراً من الحكمة في الولاية... وذلك لأن مصلحة الأمة قد لا تكون في نظر أكثر أفراد الأمة واضحة المعالم... وهذا ما يمكن أن نلحظه في كثير من الفترات التي مرت بها الأمة الإسلامية... حيث أن انقيادها لمجموعة من الأفراد سلبها حقوقها خلال الفترات التي تلت.
الثاني: إن اختيار الأمة للفقيه بشكل مباشر أو غير مباشر... لا يجعل من هذا الأمر إجراءً مفوضاً إلى الأمة على شاكلة الإجراءات التي تحصل في شرق العالم وغربه... من خلال الديمقراطية... التي تتحمل فيها المجتمعات مسؤولية إيصال شخص ما إلى سدة الحكم ثم بعد ذلك تتحمل مسؤولية الآثار الإيجابية أو السلبية لذلك الاختيار... فتكون كل الأمور مرهونة بفعل الأمم والمجتمعات... وذلك لأننا نعتقد أن الاختيار في ولاية الفقيه بالإضافة إلى العناصر التي ينبغي وجودها في الفقيه والقائد... يحتوي على جانب تسديد وتوفيق ولا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن ما يسمى بالأنظمة الديمقراطية... تأخذ فيها بعض مراكز القوى مواقعها لتقوم بلعبتها في العملية الانتخابية... بغض النظر عن مؤهلات الشخص... بينما هذه المسائل تتضاءل فرصها في ما نحن فيه... وإذا ما أردنا الدخول في الموضوع الذي نحن بصدده فلا بد هنا من الالتفات إلى الإجراء الذي قام به الإمام الخميني قدس سره فيما يتعلق بالاقتراع على الجمهورية الإسلامية في أول نيسان سنة 1979 حيث أثبت أنه رجل الدولة الأول بعد أن أثبت أنه رجل الثورة الأول من قبل...
ففي هذا الإجراء أخرج فكرة إقامة الدولة إلى عالم الوجود والواقع بعد أن كانت مجرد حلم وأمنية... وإذا كانت الأمة قد أعلنت ولاءها للإسلام وللإمام من خلال المظاهرات المليونية... فإن هذا الولاء يجب أن يقنن ليتحول إلى إجراء اجتماعي وسياسي فكان لا بد من بناء الدولة والنظام على أساس ولاية الفقيه... وإذا كانت الأمة قد أذعنت للإمام الخميني آنذاك... فإن بناء الدولة والنظام لا بد أن ينظر فيه الأزمنة الآنية... وهنا نصل إلى المرحلة التي ارتحل فيها المؤسس إلى ملكوت اللَّه تعالى. حيث وقفت الأمة أمام استحقاق مصيري ليس له نظير على الإطلاق... ولا بد لمجلس الخبراء من أن يقوم بدور إيصال الولي الفقيه الملائم إلى هذا المقام... وعندها طرح اسم الإمام الخامنئي دام ظله لهذا المقام...
وعندما طرح اسم سماحة القائد لهذا المقام... بدا الأمر وكأنه إلقاء إلهي في روع المجتمعين... ثم حصل الانتخاب وصار واضحاً لدى الجميع كما يقول جمع منهم وكأنه ترتيب إلهي لهذه العملية... ولعل أولئك الذين كانوا ينظرون بشيء من الخوف والترقب إلى مقدرة سماحته على قيادة هذه المرحلة... كانوا يعتقدون بالصعوبة البالغة لخلافة رجل إلهي على وزن الإمام الخميني الذي يفترض أن يُتعِبَ من بعده... إلا أن الأحداث التي مرَّت أثبتت جدارة واستحقاق سماحة الإمام الخامنئي وذلك بالتوقف عند مجموعة من الأمور.
1- القدرة العلمية: التي يصفها مجموعة ممن كانوا يحضرون دروسه أو يشاركون في بعض المباحث مع سماحته والتي يصفها آية اللَّه أحمد جنتي حفظه اللَّه... في لقاء له في بيروت مع العلماء المسلمين حيث قال في معرض الجواب على أحد الأسئلة حول المقدرة العلمية لسماحة القائد... "إن مجموعة من القضايا العلمية التي خاض القائد فيها جعلتنا ننبهر أمام الموهبة العلمية الحاضرة لديه... ولا سيما أننا كنا نتساءل هل يستطيع من لديه مهام خطيرة على هذا المستوى أن يتابع في الموضوع العلمي للوصول إلى إعطاء الرأي الخاص في مواضيع شتى... وكان الأمر يبدو لنا وكأنه القاء في هذه النفس الشريفة:"... وأن من يتلفت إلى الأبحاث المسجلة لسماحته يدرك هذه المقدرة العلمية التي تثبت أن اختياره لهذه المقام لم يكن اختياراً عشوائياً... وأن الأمر لم يكن مجرد خطوة سياسية لرجل يعيش السياسة ويبرع بها بعيداً عن الجو العلمي في عالم الفقه وأصوله وبقية جوانب الفكر الإسلامي... وإن ما بدا من سماحة القائد في الموضوعات العلمية المتفرقة هو خير دليل وشاهد على المرتبة العلمية التي يتصدرها.
2- الابتعاد على مظاهر الدنيا: بما فيها والحرص الدائم على الجوانب الروحية العالية المضامين. إن من النقاط اللاّفتة في هذا المجال... أن المظهر الخارجي لسماحة القائد... نراه في غاية البساطة... وإذا قارنا الصور التي كانت له أيام كان رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية... والتي كان بحكم الموقع... الذي يفرض عليها مظهراً معيناً... إذا قارناها بالصور التي تؤخذ له بعد ذلك... ندرك الفرق... فهو الآن أمام شعبه والأمة يخاطبهم ويوجههم ويعيش معيشتهم... على الطريقة التي يحدثنا التاريخ عنها حول عيشة أهل البيت عليهم السلام ونهجهم في هذا الأمر... وليس الأمر مجرد مظهر خارجي فحسب بل إن القضايا التي يمكن أن نعرض هنا ويقف في مقدمتها الجاه والسلطان... هي أخطر بكثير من الموضوع الخارجي... ولا بد من إلفات النظر هنا إلى رفض سماحته المتكرر لطبع رسالة عملية للمقلدين والتصدي للمرجعية حيث بقي يرفض هذا الموضوع... إلى أن اضطر إلى القبول بموضوع المرجعية وذلك بالنظر إلى مجموعة من الاعتبارات التي ذكرها بعد وفاة آية اللَّه العظمى الكلبيكاني قدس سره. وأما في ما يتعلق بالرسالة العملية وطبعها فهي إلى الآن لم تتحقق... ويجري التواصل مع مقلديه في أغلب الأحيان على قاعدة السؤال والجواب. وأما مجريات الحياة العملية في بيته وأوضاعه الخاصة... فهي شاهد كبير على هذا الأمر... وذلك من خلال مراقبة سلوك أفراد العائلة... الذين لم يُشْعِر أحدهم بأي شكل من أشكال العلو على الآخرين.
3- الحكمة في التعاطي مع شؤون البلد: وذلك من خلال بعض النقاط:
أ- اثبات العداء لأعداء الثورة الإسلامية وعدم الخضوع أمام الضغوطات على رغم الظروف الصعبة التي تمر بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعالم الإسلامي بشكل عام...
ب- حفظ التوازن في داخل النظام... فمعلوم أن هناك اختلافات في الرأي أخذ في بعض الحالات طابعاً جدياً... وليس هناك مجال لأن تكون بعض الخطوط والتوجهات السياسية في البلد... أقرب إلى موقع الشيطان منها إلى موقع الإسلام والأمة... وعلى رغم أن العالم المستكبر كان يؤمل النفس كثيراً في أن تأخذ هذه الاختلافات أبعاداً أشد وأقوى... بل أن الإدارة الأميركية وخصوصاً في السنوات الأخيرة تدير وبشكل مباشر عملية التواصل مع من يمكن التأثير عليهم في الداخل ليقوموا بدور عملي لاسقاط النظام الإسلامي، ومعلوم أن الدور الذي يقوم به الولي الفقيه دام ظله... هو الذي أفشل ويفشل على الدوام كل الأحلام الاستكبارية وذلك من خلال إمساكه بتلك التيارات وجعلها تصب في خدمة الثورة والدولة وإبعادها عن كونها أداة بيد الاستكبار.