مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

من معالم الدور التبليغي للسيّدة الزهراء عليها السلام

الشيخ حسن بدران‏


اتّباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام يستدعي منا أن نقتدي بنهجهم ونسير بسيرتهم ونعتقد بولايتهم ومقامهم العظيم، من هنا كان لا بد لنا ان نسترشد بقدوة الرجال والنساء ومثالهم المحتذى السيدة العظيمة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، لنقتبس من نور هديها، فالزهراء بضعة من أبيها الذي وصفه المولى عز وجل بقوله ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم/4) . والزهراء خلاصة التربية القرآنية، وعصارة شخصية النبي الأعظم صلى الله عليه وآله. ويمكن أن نلمح بعض معالم الدور التبليغي للزهراء ي في ناحيتين :

1- الناحية العملية في سيرتها :
ففي مجال الدعوة، كانت سلام الله عليها ومنذ صغرها خير مواسٍ لأبيها وهو يتعرض لأذى الحاقدين ، فكانت تمسح جبينه الشريف بيديها الشريفتين ، وكانت على صغر سنها تحتمل ما تنوء منه الرجال من ظروف قاسية عاشتها في كنف أبيها خلال الحصار والهجرة .. وتحملت أعباء الرسالة والدعوة إلى جانب أبيها، الذي لا نكاد نعثر على نص أو رواية تشير إلى خوفه عليها كطفلة صبية قد ترهق أحاسيس الأبوة فيه، بل نجد مقابل ذلك ما يشير إلى أن الزهراء كانت تقوم برعاية والدها خير قيام، ولذلك لقّبها النبي صلى الله عليه وآله: أم ابيها . وبعد رحيله صلى الله عليه واله ما فتئت تدافع عن الدين والقيم الرسالية المثلى . 

ويمتلئ التاريخ بالحديث عن النساء اللواتي وقفن بوجه الظلم والطاغوت وقفة عز واقتدار، إلا أن فاطمة الزهراء عليها السلام كانت تقف في مقدمة النساء الرافضات للظلم والطغيان ، والمعلمات للمرأة دروس الجهاد والمشاركة في تحمل أعباء المسؤولية الرسالية. وفي المجال التربوي كانت الزهراء تحرص كلّ الحرص على اصطحاب أولادها إلى محراب عبادتها في أناء الليل وأطراف النهار، وتعلِّمهم بذلك أنواع التبتل والتهجد، حيث يروي الإمام الحسن المجتبى عليه السلام أن والدته الزهراء البتول قد أجلسته إلى جانب سجّادتها غارقة في التضرع إلى الله تعالى إلى انفجار الصبح، وهي آخذة بالدعاء لكل الناس؛ الأقرب فالأقرب من حيث الجيرة، ولكنها لم تشمل بدعوتها تلك أولادها، مما أثار فيه -الإمام الحسن- السؤال عن السر وراء ذلك، فأجابته بنظرة ملؤها العطف والحنان: يا بني الجار ثم الدار .

كما كانت تحرص على ترديد خطب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على مسمع الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام وهما لما يبلغا الخامسة من العمر بعد . وينقل لنا القران الكريم جانباً من حياة فاطمة في سورة كاملة، هي سورة ''الإنسان‏''، حيث تثني على فاطمة الزهراء التي حملت رغيفها في البدء، ثم أرغفة أطفالها الصغار وهم صائمون لتعطيها خلال ثلاثة أيام متتالية إلى المسكين واليتيم والأسير، متجاوزة بذلك عواطفها وطبيعتها كأمّ تفضّل أطفالها على غيرهم، وضاربة بذلك أروع الأمثلة في الذوبان في الرسالة الإلهية، والاندماج فيها، وتفضيلها على كل العلائق الدنيوية .

وهكذا شكّلت الزهراء المثل الصالح والقدوة الحسنة من حيث المبدأ والعقيدة، والخلق والسلوك، لكل مسلم ومسلمة، فقد شقّت لنا من خلال علاقتها الحميمة بربها نهجا عبادياً قويماً بما استلهمته من معين مدرسة أبيها الرسول العظيم صلى الله عليه وآله وسلم حتى صار لها تسبيحتها وصلاتها وأدعيتها وغير ذلك من سنن فاطمية شكّلت بمجموعها منهجاً تربوياً تبليغياً راقياً على المستوى العبادي .

وفي الجانب الاجتماعي، فقد بلغ مهر الزهراء بزواجها من علي عليه السلام (أربعمائة مثقال فضة) أو خمسمائة درهم وهو مهر زهيد متواضع ، ومن مثل الزهراء في عظمتها وشرفها..  وروي أنه دخل رسول الله صلى الله عليه واله على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من أجِلّة الإبل، فلما رآها دمعت عيناه وقال : "يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة" ، فقالت : "يا رسول الله ، الحمد لله على نعمائه ، والشكر لله على آلائه" ، فأنزل الله سبحانه : "ولسوف يعطيك ربك فترضى".

وقد حرصت الزهراء على تكوين النموذج الأمثل للمرأة المسلمة من خلال سيرتها وأقوالها، فهي معلِّمة الصحابة ومرشدتهم الى القيم الإسلامية التي ينبغي أن تكون عليها نساؤهم، ففي موضوع الحجاب الذي يعني بالنسبة للمرأة الاستقلال الذاتي والعزة والكرامة، نجد أروع تعبير عن ذلك في حديث الزهراء عليها السلام حيث سأل النبي صلى الله عليه وآله أصحابه يوما :ما خير للنساء؟ فلم يدر الصحابة ما يقولون ، فسار علي إلى فاطمة فأخبرها بذلك فقالت : فهلا قلت له :"خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يرونهن". فرجع علي إلى رسول الله فأخبره بذلك . فقال النبي : "إنها بضعة مني". وفي رواية أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله استأذن عليها أعمى فحجبته فقال لها النبي صلى الله عليه وآله "لِمَ حجبتيه وهو لا يراك؟" فقالت : "يا رسول الله إن لم يكن يراني فأنا أراه وهو يشم الريح" . فقال النبي صلى الله عليه وآله : "أشهد أنكِ بضعة مني" .

ويمكن أن نتحدث عن الكثير من الموارد التي تظهر لنا عظمة شخصية الزهراء في دورها الاجتماعي والتربوي على مدى الحياة القصيرة التي عاشتها . ولو قُدِّر لها أن تعمر أكثر مما عاشت لأظهرت لنا الزهراء من خلال شخصيتها العظيمة وأقوالها كل ما يمكن أن يتمثله الإنسان المسلم من قيم إسلامية راقية .. ومع ذلك فان السنين القليلة التي عاشتها الزهراء تحتوي على خير نموذج واكبر حجة لما يمكن أن يكون عليه الإنسان المؤمن في حياته حتى ولو كانت حياة قصيرة.

2- الناحية الإرشادية في أقوالها
يمكن أن نستشف بعض معالم الدور التبليغي للزهراء من خلال مثالين :

1- في خطبتها في مسجد أبيها رسول الله ا حيث انتهزت الفرصة لتفجر للمسلمين عيون المعارف الإلهية، وتكشف لهم محاسن الدين الإسلامي، وتبين لهم علل الشرائع والأحكام . وقد ضمّنت الزهراء خطبتها الحِكَم المثلى ابتداءً من حكمة الخلق ومروراً بحكمة القيم الشرعية، وانتهاءً بحكمة الوفود على الله تبارك وتعالى في يوم المحشر، فضلاً عن تبيينها لفلسفة الرسالة ومقام الرسول والولاية لأهل البيت عليهم السلام، واتِّباع نهجهم المنبثق أساساً عن القران الكريم لا غير.. كما بيّنت فيها الأوامر والنواهي، وحددت معالم العدل والظلم إلى يوم القيامة، حتى قيل : لو أن مؤلفاً أو مفسّراً دوّن عشر مجلدات في تفسير هذه الخطبة العصماء وبيان أبعادها وآفاقها ، ما بلغ حق هذه الخطبة .

2- في خطبتها في بيتها في جمع النساء اللواتي حضرن لعيادتها حيث إن بيتها كان مفتوحا لجميع النساء للسؤال حول أحكام دينهم والمسائل التي يبتلين بها . ففي رواية أن امرأة حضرت عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت : إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك ، فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك ، فثنت فأجابت، ثم ثلثت إلى أن عشَّرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة فقالت : لا أشق عليك يا ابنة رسول الله ، قالت فاطمة : "هاتي وسلي عما بدا لك ، أرأيت من أكْتُرِيَ يوما يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه ؟" فقالت : لا . فقالت : "اكْتُرِيتُ أنا لكل مسألة بأكثر من مل‏ء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا فأحرى أن لا يَثْقُل عليّ‏َ ".

وهكذا غدت الزهراء البتول عليها السلام من خلال سيرتها الطاهرة، مسيرة رسالية جهادية، وملاك رحمة للعالمين. وهي بذرة الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، ففاطمة عليها السلام هي أم أبيها قبل أن تكون أما لأحد عشر كوكباً تَسطع في سماء الإمامة، وعالم الرسالة.


(1) البحار ج‏43 ص‏82 .
(2) البحار ج‏43 ص‏112 .
(3) البحار ج‏65 ص 220 . أيضاً : كتاب التمحيص محمد بن همام الاسكافي ص 6 .
(4) البحار ج‏43 ص 54 .
(5) البحار ج‏43 ص‏91 .
(6) البحار ج‏2 ص‏3 .

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع