إنَّ الأنبياء والأوصياء منذ بَدْءِ التاريخ وإلى آخره
كانوا حرّاساً للإسلام وحرّاساً للدين الحقّ الذي كان على مدى الدهور هو "الإسلام"
و"التسليم" لمحضر الحقّ تعالى. وإنّ أعمالهم، على طول التاريخ، كانت أنموذجاً،
ويلزم أنْ تبقى كذلك إلى الأبد.
*الأنبياء والأولياء صُنّاع الإنسان
عندما نلاحظ سيرة الأنبياء والأولياء عليهم السلام نجد أنهم قد قدّموا كلّ شيء في
سبيل حفظ الإسلام... فلقد تحمّلوا المتاعب والمشاقّ على طول التاريخ. وكما حصل في
وقت من الأوقات لسيد الشهداء عليه السلام حصل لكلّ واحد من أولياء الله، فقدّموا
التضحيات نفسها، غاية الأمر أنَّ العصور كانت مختلفة والأحوال كانت مختلفة أيضاً،
لكنَّ الهدف واحد وهو حفظ الإسلام وحفظ أحكام الله ونشر المعرفة والتوحيد، وبعبارة
أخرى: "صُنع الإنسان".
لقد جاء الأنبياء في الأصل لأجل صنع الإنسان، وإنقاذه من كيد الشيطان الذي أقسم على
إغوائه، ودعوته إلى صراط الإنسانية المستقيم وليُبيّنوا له الطريق، بشكل عمليّ،
وكيف يجب أنْ يقف في وجه الشياطين سواء كانوا شياطين الإنس أو شياطين غير الإنس؛
وذلك بالرياضات في مقابل شياطين غير الإنس، وبالأعمال الصالحة والجدّيّة في طريق
تقدّم الأهداف في مقابل شياطين الإنس.
*شياطين عصر التمدّن
إنَني لا أتصوّر أنَّ الدنيا إلى يومنا هذا كان فيها شيطان كالشيطان الذي في عصرنا
هذا، فشياطين الإنس كانوا موجودين على طول التاريخ، ولكنْ كلما تطوّرت الدنيا
تطوّروا في أعمالهم الشيطانية. وهذا العصر الذي يسمونه اليوم عصر "التمدّن
والترقّي" وعصر "التطوّر" إنما هو عصر الشياطين. تلاحظون أنَّ الدنيا في كلّ أنحاء
العالم هي في أيدي الشياطين، والاستثناءات فيه قليلة جدّاً. لقد استولى هؤلاء
بحيلهم وأدواتهم الشيطانيّة على كلّ مكان وهم في تقدّم مستمرّ وينفّذون مؤامرات
وانقلابات. يجب على الإنسان أنْ ينهض ويقف بوجه شياطين عصر التمدّن المدرَّبين كما
وقف الأنبياء العظام وأولياء الله وانتفضوا وضحّوا ضدّ الأشرار جميعاً.
في هذا العصر، عليكم وعلى جميع رجال الدين وجميع الأمم والمظلومين على طول التاريخ
الوقوف بقامات منتصبة في مواجهة هؤلاء الشياطين، فلو ضعفتم أمامهم فسيبتلع الشياطين
العالم كله. هم باسم الصلح والصداقة أوّل من أشعل الحرب في العالم، وباسم حقوق
الإنسان هم أكبر ساحق لحقوق الإنسان، وهم في الوقت الذي يدّعون فيه الإحسان لا
يريدون للآخرين غير الشرّ. إنَّهم يريدون كل شيءٍ لهم ويسحقون الآخرين.
*القدرة الإلهية سند لحركة الأنبياء والمؤمنين
كلّ الإعلام الذي يمارس ضدكم، أيّها الشبّان، إنَّما هو في الحقيقة ضدّ الإسلام،
وكلّ هذا بسبب أنّهم أحسّوا بأنّ لديكم قدرة، وهي ليست منّي ومنكم، بل إنَّ هذه
القدرة هي من منشأ تلك القدرة التي كانت لدى الأنبياء عليهم السلام ولم تكن منهم،
إنَّها قدرة الله تعالى. إنّ أيّ حركة تتحرّكونها إنَّما هي بقدرة الله، وأيّ رصاصة
تطلقونها إنَّما هي بقدرة الله، أفكاركم تتجه بقدرة الله نحو إنجاز الأعمال
العسكرية وغير العسكرية فالقدرة قدرته والكلّ "منه"، "إنّا لله"؛ أيّ كل شيء
منه، "الحمد لله"؛ أي كل حمدٍ إنَّما هو له، فاعرفوا قدر هذه القدرة وافهموا
أنكم تسيرون بقدرة الله وخواصّ الله وعلى رأسهم الأنبياء إلى هذه الغاية وبهدف
تثبيت أحكام الإسلام ورفع الظلم عن المظلومين.
*الاختلاف والأنانية بداية الإحباط
لو تقرّر -لا سمح الله- أن يأتي ذلك اليوم الذي تتخلّون فيه عن انسجامكم الذي
يجعلكم يداً واحدة لحفظ بلدكم وحفظ الإسلام، فذلك هو اليوم الذي تُقرأ فيه الفاتحة
على الجميع، ولكن ما دامت الوحدة قائمة فلن يستطيع أحد كسرها.
ولو أن فئة قليلة العدد متّحدة فيما بينها ويعمل أفرادها لا من أجل أنفسهم، بل من
أجل هدفهم ووطنهم وإسلامهم فسيصلون إلى غايتهم ولن يستطيع أحد أنْ يلحق أيّ أذى
بهم. إنَّ القوى الكبرى اتبعت طريق الاندساس فيما بينكم لتشتيت شملكم ولو على المدى
البعيد، وهم لديهم صبر، لذلك فهم يبذرون الآن على أن يحصدوا بعد خمسين عاماً، وأنتم
عليكم منذ الآن لو رأيتم في وقتٍ ما بذرة بذروها أنْ تفسدوها وتسحقوها بأرجلكم.
لو أردتم أنْ ينفصل بعضكم عن بعض وتكونوا فكرَين وهدفَين، لو حدث- لا سمح الله-
مثل هذه الهمهمة وظهرت فيما بينكم فاخنقوها في مهدها ولا تدعوها تقوى وتستفحل.
فالمسلمون باقون ما داموا "يداً واحدة"، وإنَّ شياطين الجنِّ والإنس يريدون بسط
سلطتهم على كل مكان فاضربوهم بيد الردع أينما ثقفتموهم ليضاعف الله تبارك وتعالى
عنايته لكم أضعافاً مضاعفة، فتكونوا منتصرين وتقودوا المظلومين إلى النصر.
أشكر الشبّان الأعزّاء كما أشكر كل الذين يضحّون في سبيل الإسلام وشكري هذا ليس
بشيء، فالله يشكركم.
(*) من خطبة ألقاها الإمام الخميني قدس سره بمناسبة ولادة الإمام الحسين عليه السلام ويوم الحرس بتاريخ 3 شعبان 1405هـ.ق. في حسينيّة جمران – طهران.