يبدو لنا أن هذه البرهة الزمنية وهذه المرحلة الزمنية
الخاصة، مرحلة عجيبة ومثيرة للعبر، ولو أردنا التأمل في الأشياء الكبرى والظواهر
المدهشة لهذا العالم، وهذه المرحلة فينبغي القول بأن هذه الحقيقة هي أبرز شيء في
العالم وهي أن مسيرة الأمور في هذا العالم تكون على خلاف رغبة القوى المتسلطة وعلى
عكس جهودها وتدبيرها، إن هذا الأمر يمثل آية من مظاهر قدرة الله عز وجل. فلو أراد
أحد أن ينظر إلى الأحداث التي يشهدها العالم في أيامنا هذه ببصيرة، وتأمل في حركة
الشعوب والحركة العامة للبشرية سيتأكد من أن الاتجاه العام على خلاف ما تشتهيه
القوى المتسلطة في العالم.
ومن الواضح أن أميركا هي اليوم رمز ذوي منطق القوة في
العالم وأن هذا الكلام لا يعني أن جهاز السلطة الاستكبارية في العالم لا يبذل الجهد
إلى جانب استخدامه القوة والضغوط من أجل تحقيق غاياته، لأن العالم مليء بعلامات
ظلم القوى المتسلطة في كل مكان وخاصة أن من يتعرض للظلم واستخدام القوة ضدهم أولئك
الذين استشم الاستكبار منهم رائحة المعارضة والمخالفة له والإحاطة برغبات القوى
المتسلطة عليهم، أي بشكل أساسي مسلمي العالم. ولكن بالرغم من كل ذلك إن ما يسير
قُدماً في نهاية المطاف هو ذلك الشيء الذي يحذره ويخشاه عدو الإسلام وعدو المسلمين
وعدو الشعوب المظلومة.
* السير على خطى الإمام
عندما تنظرون إلى الإعلام الموجود في يومنا هذا في العالم ترون أن هناك إلحاحاً على
إظهار طريقة الإمام رضوان الله عليه بمظهر الطريقة المناهضة للقيم أمام أنظار شعوب
العالم ومسلمي العالم وخاصة الشعوب المنتفضة والمسلمين في البلدان الناهضة. فعندما
يريدون أن يوجهوا أصابع الاتهام إلى جهة ما فيقولون: إن هؤلاء ينوون إيجاد نظام على
الطريقة الإيرانية أو إنهم يريدون السير على نهج الإمام، والبعض قد يرد على ذلك
وذلك من منطلق السذاجة أو الانفعال وينكر ذلك على أنه لا يهدف إلى تحقيق سبيل
الإمام وطريق الجمهورية الإسلامية وطريقة إيران الإسلامية. إلا أن الحقيقة هي أن
العالم الإسلامي ليس أمامه خيار غير السير على نهج إيران الإسلامية وطريق الإمام
الخميني.
فلو أراد المسلمون في أي جزء من العالم، أولئك الناهجون الصادقون للإسلام،
النجاة، ولو أرادوا رفع سلطة وهيمنة الشيطان الأكبر، وإذا ما أرادت الشعوب
الإسلامية أن تتبع سبيل خلاصها، والخلاص من ضغوط أميركا والتخلص من الآلام التي
تسببها السلطات العالمية بحق الشعوب فليس أمامها من سبيل غير انتهاج السبيل الذي
وضعه الإمام الخميني أمام الشعب الإيراني والذي سلكه بقوة. وإن الشعب الإيراني
استطاع ببركة صموده والسير على خطى إمامه أن يتذوق بركات هذا السبيل ولمس نتائجه،
فليس أمام الشعوب الإسلامية سبيل لانتهاجه غير هذا السبيل.
أنا لا أقصد بأن الدول
الإسلامية مضطرة لإتباع نفس هذه التشكيلات وهذه النشاطات الخاصة وهذا النظام الخاص
الذي أجريناه في إيران. طبيعي أن هنالك الفروق في الظروف والمواقع الجغرافية
والتاريخية وأمثال ذلك. وهنالك فروق بين الشعوب الإسلامية، فمن الممكن أن يكون لكل
بلد مقتضياته من ناحية كيفية التطبيق تختلف عن مقتضيات البلد الآخر، لكن أصل
الموضوع وروح الموضوع هو ذلك الشيء الذي انتصر في إيراننا الإسلامية والذي أدى إلى
اتساع رقعة هذا الفكر في كافة أرجاء العالم. وذلك الشيء الذي استطاع فَل سيوف
القوى الكبرى التي كانت مشهورة على الشعب الإيراني ولم تتمكن هذه القوى من تنفيذ
مآربها في هذه البلدان.
* سر نجاح الإمام
إن هذا الشيء مستتر في شيء واحد والذي يمثل روح كل هذه الأشياء هو عبارة عن روح
الصمود وعدم الاستسلام وعدم المساومة وعدم الانعطاف أمام القوة العالمية والسلطة
العالمية أميركا وأمثالها. إن هذه تشكل روح الموضوع. فمن الممكن أن ينوي بلد تطبيق
الإسلام وإحياءه ولكن ما لم تتواجد فيه روح الصمود وعدم الانثناء أمام قوة أميركا
المتسلطة، فإنه سيتم فصله عن الإسلام بشكل تدريجي. ومن الممكن أن يطرح نظام في
البداية أعذب الشعارات المغرية وأكثرها بريقاً وأن يبدأ السير لتحقيقها، ولكن ما لم
تتوفر روح عدم الاستسلام في هذا الشعب وقيادته أمام الضغوط المختلفة، فسوف تؤخذ
منهم الشعارات الواحدة تلو الأخرى، هل إن الاستكبار يعرف الحق؟ هل إن الاستكبار
يتوقف في نقطة ما، ما لم يواجه أي صمود أمامه؟
إن السرّ الرئيسي لعمل الإمام وتقدم الإمام والنجاحات الإلهية لذلك الرجل المبجّل
وذلك القائد الفريد، كان يكمن في معرفته للعدو. فصمد أمامه بقوة واستقامة دون أدنى
ركون واعتماد أو تسليم له. ففي ذلك اليوم كانت هناك قوتان عظيمتان وبالرغم من
اختلافهما بنسبة تسعين بالمئة حول القضايا العالمية، إلا إنهما كانتا متفقتان في
موضوع واحد وهو توجيه الضغط على إيران الإسلامية وعلى النظام الثوري لها، لذلك إنكم
شاهدتم بأن النظام العراقي قد استطاع استخدام الأسلحة الروسية والأميركية
والإنكليزية والبرازيلية ومن كافة أنحاء العالم في حربه ضدنا والتي استمرت ثمان
سنوات، هذا يعني أنهم ساعدوه من ناحية ووقفوا خلفه لمساندته ضد إيران الإسلامية من
ناحية أخرى. إن الكل كان يعيش حالة العداء لإيران ومحاربتها وقد تعاونت القوتان
الأعظم بجد للوقوف أمام الثورة الإسلامية. وإن الإمام لم يتردد حتى لحظة واحدة.
لأنه كان يؤمن بطريقه وكان يعتمد على الله وكان يؤمن بهذا الشعب، والشعب كان قد قبل
إمامه وعرفه ووقف خلفه. كل ذلك قد مكّن هذه البلاد وهذا النظام وهذا القائد وهذا
الشعب من الوقوف بوجه أميركا والاتحاد السوفييتي الذي لم يعد اليوم له وجود خارجي
والوقوف بوجه أوروبا بأسرها وغيرهم. هذا هو سرّ الموضوع.
* الصمود والتضحية حتى النصر
إنكم أيها الأخوة والأخوات من مختلف أرجاء العالم، وأنتم من بين أنظمة مختلفة
وتقاليد مختلفة وآداب وعادات مختلفة ولكنكم تشتركون في شيء واحد وهو تعلقكم
بالإسلام. فلو أردتم النجاح في نصرة الإسلام ولو أردتم إزاحة ضغوط أميركا وباقي
القوى الكبرى من بلدانكم وتقليل هذه الضغوط، ولو أردتم أن تصونوا أنفسكم من سلطة
الوسائل والأدوات التي يستخدمها الشقي العالمي ضدكم، فإن العلاج لكل هذه الأمور
ينحصر في هذه الكلمة الواحدة والمتمثلة بتجربة إيران الإسلامية والتراث الذي خلده
إمام الأمة لمسلمي العالم، وهو عدم الرضوخ لأمريكا. فلو استطعتم توفير هذا الصمود
ومعرفة سُبل ضغوطهم والوقوف بوجهها جميعاً، فإن نصركم مضمون وحتمي. طبيعي أن الجهاد
صعب. وأن السبيل إلى الله مقرون بالمشاكل. إلا أن الهدف سام، الهدف هو إنقاذ
الإنسانية ، الهدف هو إنقاذ الشعوب والبلدان من هذا الانحطاط الذي أوجده العالم
الاستكباري لشعوب العالم. فإن التضحية وتحمل الصعاب من أجل بلوغ مثل هذه الأهداف
أمران جديران بالاهتمام.
وإن العلاج لتحقيق التقدم وسر التقدم يكمن في عدم
الاستسلام. وأن لا يكون الأمر هكذا، بأن يفلح الإعلام الاستكباري في زعزعة قادة
الثورة والشعب عن مواقفهم والاستجابة حتى لكلمة واحدة من مطالب القوى الاستكبارية.
فكلمة الاستسلام أمام العدو تمثل خطوة واحدة وكلمة واحدة وهذا يعني الفشل. إن
الاستكبار عديم الرحمة وعديم العاطفة. وإنه ينشد تحقيق أغراضه الاستكبارية القذرة
والخبيثة. فحيثما أحسّ بوجود روح الاستسلام والتراجع في أي شعب، فإنه سيضاعف ضغوطه
عليه. انظروا اليوم إلى أن المعاملة التي يُعامَل بها المسلمون... إن سبب ذلك يعود
إلى أن الجلاوزة في أي مكان قد أدركوا أن أجهزة الاستكبار ترحب بتوجيه الضغط على
المسلمين وارتكاب المجازر الجماعية ضدهم، فإنهم يقومون بالتنكيل بشعوبهم بكل حرية.
هذا هو وضع المسلمين في أي نقطة من العالم لا يواجه فيها المسلمون بشكل من
الأشكال خبث الاستكبار العالمي وخبث أجهزة السلطة العالمية. إذن فما هو العلاج؟..
* عزة المسلمين في الوحدة
إن الخلاص لا يتحقق إلا من خلال صمود المسلمين أنفسهم، ولا يتحقق إلا من خلال وحدة
المسلمين وتماسكهم، ووعي المجتمعات الإسلامية واستخدام القوة الإسلامية الهائلة
الكامنة في كافة أرجاء العالم. أنظروا إلى ما تفعله دويلة إسرائيل الغاصبة وما
يفعله هؤلاء الصهاينة الغاصبون ضد الشعب الفلسطيني. من الذي يجب أن يدافع عن هؤلاء
المسلمين؟ فبالرغم من وجود أكثر من مليار مسلم في العالم، هل ينبغي على المسلمين أن
يبقوا متفرجين ويشاهدوا المجازر ضد أبنائهم ونسائهم ولا يحركوا ساكناً؟. إن
المسلمين والمجتمعات الإسلامية تتمتع بهذا المقدار الهائل من المصادر المعدنية
والثروة والسلاح، إذن فلماذا لم نتمكن من الدفاع عن أنفسنا؟.
إخواننا وأخواتنا في
الإسلام، الجواب هو: لأننا غير متحدين. فلماذا لم نتحد؟ الجواب هو: لأن الدول التي
ينبغي عليها ضمان هذا الاتحاد تختلف في أهدافها. هناك الأهداف ذات النزعة الوطنية،
وهناك الأهداف الكافرة والأهداف اللاإسلامية.. الشعوب تتودد فيما بينها. فهل تعرفون
شعبين حاقدين فيما بينهما؟ إن الشعبين الإيراني والعراقي قد تعانقا وتصافحا بكل
حرارة في أعقاب ثمان سنوات من الحرب. فالحرب غير مرتبطة بالشعوب..
وإن الخلافات لم
تكن بين الشعوب وإنما مرتبطة بالدول التي تحمل دوافعاً غير إسلامية.. فينبغي معالجة
هذا الأمر. يجب أن تتمكن الشعوب من تحقيق أهدافها وتطلعاتها في بلدانها وفي باقي
مناطق العالم. وعلى الدول أن تقبل سبيل شعوبها وأن تسير فيه. وإن السبيل المؤدي إلى
ذلك يتمثل في العودة إلى الإسلام والعمل بالقرآن الكريم وعدم الخوف من أعداء
الإسلام. على الدول أن لا تخشى أميركا وعلى الشعوب كذلك أن لا تخشى، ويجب أن لا
تصاب بالخوف من التهديد الأمريكي وتتراجع. يجب الوقوف بوجه تهديد العدو والاتكال
على الله، والمستقبل لنا إن شاء الله.
إننا نأمل في أن يتمكن الشعب الإيراني
العزيز وباقي شعوب العالم الإسلامي في كافة أرجاء العالم من معرفة طريق الإمام الذي
يمثل الطريق الإسلامي بشكل صحيح وأن يسلكه بشكل جيد فعسى الله أن يذلّ أعداء
الإسلام وأن يمنّ بالعزّة والعظمة على الأمة الإسلامية.