إذا رجعنا في مسافات الزمن وغصنا في أعماقه لنستخرج من
مكنونِ لآلىءِ عبره، نمرُّ على محطات مختلفة متفاوتة، بعضها مشرق نستنير بنوره،
ولو كان مصبوغاً بالدم، وبعضها مظلم نعتبر منه ونتعلم من تجاربه كيف نتفاداه في
المستقبل ولو كان بحسب الظاهر وبنظر البعض مشوباً بالزينة والبهارج. في مسافة من
الزمن ليست بعيدة حصل حدث وحلَّت فاجعة حرَّكت عجلة الأحداث في رحلة التاريخ
فسجَّلت فيه منعطفاً عالمياً، "الجيش الإسرائيلي الغاصب المعتدي دخل معظم الأراضي
اللبنانية وحاصر العاصمة بيروت، وكان المدافعون قلائل، والأسلحة خفيفة، والمعركة
ليس فيها بصيص أمل بالصمود فضلاً عن النصر. هل نقاتل والعدو مسلح بأسلحة مدمِّرة
وحديثة، والمدافعون يدافعون بأجسادهم وبأسلحة بسيطة؟ إنه انتحار! إنه قتل للنفس!
واستمرت المعركة، وتسمَّر العدو مكانه. منعه رجال بل جبال، فالجبل يمكن أن يُستغل
منه بالمعاول، إلا أن إيمان المؤمن لا يقطع منه شيء. شعارهم "لبيك" وقائدهم
"الخميني" قدس سره، اتسمت المقاومة باسم الخميني قدس سره، فكانت خمينية المنشأ،
والمحيا، والانتصار، والشهادة والمعاد، والخميني قدس سره مجدِّد الإسلام، لذلك سميت
إسلامية.
"لقد دخل وسيخرج" كما يحلو للإمام الخميني قدس سره أن يعبِّر بكل
بساطة، وبكل جرأة وشجاعة ويقين، يقين بالنصر على العدو الصهيوني، وهو يقين بسيط
قصير المدى أمام اليقين بالعدل المنتظر عجل الله فرجه الذي ما زال محبُّو أهل البيت
عليهم السلام ينتظرونه منذ بداية الغيبة الكبرى، وما زالوا على يقين بظهوره عجل
الله فرجه. إن بين الهزيمة في عام 1982م والانتصار عام 2000م ثمانية عشر عاماً إلا
أنها عند المنتظرين نصر حاضر منذ ثمانية عشر عاماً. في زمنٍ كان الانتصار فيه
مستحيلاً عند من تكبر اللحظة عنده حتى تنسيه المستقبل الواعد، ولا يرى إلا قوة
السلاح فترهبه التكنولوجيا والطائرات ويغفل عن القوّة العظمى التي هي مصدر كل قوّة،
فيستفحل أمر كل القوى البشرية حتى تسحقه.
أما عند المنتظرين فالنصر قريب مهما طالت دولة الظلم والاستكبار قال تعالى:
﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾، وأنهم أقوى من أي قوّة مهما تكبَّرت وعتت، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم﴾
(المائدة: 54) لقد احتفل لبنان بالنصر وكان النصر قريباً كما كان، وهكذا هو
النصر على كل المستكبرين، وظهور المنتظر المهدي عجل الله فرجه الشريف وعموم العدل
والقسط في الأرض.