* يتأذى مما يخالف الشرع
كان الإمام يتأذى بشدةٍ إذا رأى من أحدٍ ما يخالف الشرع ويتغير حاله بوضوح، وكان
ينبهنا مثلاً إلى الالتزام الكامل بالحجاب إذا ظهر من أيدي أحدنا أكثر من الحد
الشرعي المجاز ونحن نجلس على مائدة الطعام(1).
*حسّاس تجاه الاختلاط بغير المحارم
من القضايا التي كان يهتم الإمام بها كثيراً اجتناب الاختلاط بين غير المحارم،
وأتذكر أن عمري لم يكن قد تجاوز عشر سنين عندما ناداني مرةً؛ وكنت ألعب مع إخوتي
وابن خالتي لعبة الاختفاء وكنتُ محجبة أيضاً لكنه رغم ذلك قال لي: "لا يوجد فرقٌ
بينكِ وبين أختك الكبيرة فكيف تلعبين مع الأولاد وهي لا تلعب معهم؟!"(2).
* ينهى حفيده عن الدخول بسبب حضوري
لم يكن الإمام يرى من ضرورةٍ للتحدث مع غير المحارم من النساء، لذلك كنا لا نجلس مع
أي من أحفاده إذا بلغ سن التكليف الشرعي في غرفةٍ واحدة في بيت الإمام، والطريف أنه
إذا دخل أحدُ هؤلاء غرفة الإمام ونحن عنده لم يكن يأمرنا بالخروج بل كان يطلب من
حفيده أن يخرج، أو إذا كنتُ عنده وأراد حفيدٌ له بلغ سن التكليف أن يدخل عليه وهذا
الحفيدُ هو بمثلِ سن ولدي نهاه عن الدخول بسبب حضوري عنده(3).
* يأمر باجتناب حتى السلام على غير المحارم
يتشدد الإمام فيما يرتبط بالإختلاط بين غير المحارم، فمثلاً إن أعمار أبنائي وأبناء
أخي السيد أحمد متقاربة وهي ما بين (15 16) عاماً، فإذا دعينا يوماً لتناول طعام
الظهيرة في بيت الإمام لا نصطحبهم معنا، وإذا اصطحبناهم ذهبوا إلى بيت السيد أحمد
حيث يتناول الرجال طعامهم هناك فيما تتناول البنات الطعام معنا في غرفة والدتنا في
بيت الإمام لكي لا يجلس الأبناء من غير المحارم وإن كانوا أرحاماً على مائدةٍ
واحدة، بل وكان يؤكد على أنه لا حاجة لأن يسلِّم بعضهم على بعض فهذا ليس بواجب، وهو
يرى حرمة جلوس الذكور والإناث على مائدة واحدة في محافل الضيافة(4).
* أمر بخروجي من الغرفة
في يوم الجمعة الذي سبق يوم وفاة الإمام أعددت مقداراً من الحساء وذهبت به إليه
فتناول منه قليلاً، ثم سألني الطبيب عن مقدار ما تناوله فقلت: تناول أربع ملاعق
صغيرة من اللبن الرائب، وثلاث أو أربع ملاعق من الحساء، فقال: هذا مقدارٌ جيدٌ
جداً. وفي صباح يوم السبت بقي الإمام فاقداً للوعي فطلب مني الطبيب أن أدلك يده
ففعلتُ، ففتح عينيه وأشار للطبيب أن يخرجني(5)، فخرجتُ من الغرفة وبقيت أنظر إليه
من نافذتها الزجاجية(6).
* ليس واجباً أن تسلّمي على صهرنا
كان عمري (15) عاماً عندما تزوج المرحوم الشيخ الإشراقي أختي، وقد دعانا يوماً إلى
مأدبةٍ في منزله، وعندما دخلتُ مع والدي إلى منزله، خرج الشيخ الإشراقي إلى حديقة
المنزل لاستقبالنا، فقلت لوالدي: هل أسلمُ عليه؟ أجاب: "ليس السلام واجباً"،
فاضطررت إلى المرور عبر الحديقة لكي أجتنب السلام عليه(7).
* التحدث مع غير المحارم يكون عند الضرورة وبجدية
عندما اعتقلوا والدي ونفوه إلى تركيا، عزم عمي (آية اللَّه السيد بسنديده) على
السفر إلى تركيا لزيارته، فجاء إلى خلف الباب وقال: أريد أن أتحدث مع السيدة (زوجة
الإمام) مباشرة، لعلها تريد إيصال رسالة دون واسطة للسيد، فاضطرت والدتي للسلام
عليه للمرة الأولى، وأتذكرُ أنها أعربت عن آذاها لأنها اضطرت لذلك في غياب السيد
الوالد وقالت: كيف الحال إذا لم يكن راضياً بذلك؟ فقلتُ لها: لا أظنه لا يرضى بذلك
فقد تقدمتِ في العمر وكنت مضطرة لذلك. وعلى أي حالٍ فالإمام لا يعترض على الموارد
الضرورية ولكن مع التحدث بجدية وبمقدار الضرورة(8).
* لا حاجة لك للعطر الآن
كان الإمام يقول لنا دائماً: "صحيحٌ أنهم (الفقهاء) أجازوا إظهار الوجه والكفين
ولكن من الأفضل للشابات أن يسترن أكثر من هذا المقدار بعض الشيء"، وكان يؤكد على
عدم وضع الطيب عند خروجنا من البيت، وأتذكر أنه أهدى في أحد الأعياد طيباً لإحدى
حفيداته وأهداني شيئاً آخراً وقال: "لأنك لم تتزوجي بعد فلا حاجة لك إلى العطر"(9).
* يوجدُ أجنبيٌ في الغرفة
كنا نضطر أحياناً للدخول على الإمام فجأةً لإخباره ببعضِ الأمور الضرورية، فيقول
بسرعة فور دقنا الباب والإستئذان بالدخول : "اصبروا قليلاً"، هذا إذا كان عنده أحدٌ
من محارمه، ثم يأمرهم بالتحجب لكي ندخل، والعكس صحيحٌ أيضاً فإذا كنا في غرفته
وأرادت إحدى محارمه الدخول عليه قال: "يا اللَّه يا اللَّه، يوجد أحدٌ من غير
المحارم في الغرفة". ولا يخفى أن كل ذلك كان يقومُ به تذكرةً، وإلا فإن محارمه
شديدات الإلتزام دائماً بالحجاب(10).
* ينبِّه إلى خطأ بعض التصرفات ولكن برفق
يعترض الإمام على ما لا يراه مناسباً، فمثلاً إرتدت إحدى أرحامنا ثوباً كان يبدو من
ملابس المترفين وإن كان لونه أسوداً وكان ذلك في يوم عيدٍ وقد اجتمعنا في منزل
الإمام فقال لها: "هذا الثوب لا يناسبك، فلا ترتديه"، قالت: إن لونه أسود! أجاب:
"صحيح ولكنه لا يناسب شأنك". فاستجابت وذهبت واستبدلته بثوب آخر. لقد كان الإمام
ينبِّه لمثل هذه الأمور ولكن بطريقةٍ تتميزُ بغايةِ الرفق وبما يناسب الحالة
الروحية الخاصة بكل شخص(11).
حرية في المباحات وعدم تشدد في غير المحرمات
يعطينا الإمام الكثير من حرية العمل فيما يرتبط بالمباحات، لكنه حازمٌ للغاية فيما
يرتبط بالمحرمات ولم يكن يتشدد معنا داخل المنزل في غير المحرمات، وأتذكر أنه كان
يتمايز في ذلك عن الكثير من السادة المجتهدين يومذاك إذ أن نساءهم كن يرتدين
السروال العريض الفضفاض ويسترن وجوهن بالقناع ونظائر ذلك، أما الإمام فلم يكن يتشدد
في مثل ذلك أبداً(12).
* دخلنا المدرسة رغم الاعتراضات
لم يكن ممكناً في وسطٍ اجتماعي مثل مدينة قم قبل ثلاثين عاماً أن يعطى لبنتٍ مثلي
لا يتجاوز عمرها العشرة أو الإثني عشر عاماً الكثير من الحرية خاصة وأنني كنت من
عائلة علمائية دينية، لقد كانت الأجواء الاجتماعية في قم يومذاك سيئةً للغاية فيما
يرتبط بهذا المجال، فمثلاً إذا أرادوا إدخالنا المدرسة اعترض الناس على ذلك بشدة،
وكان دخولنا للمدرسة بالفعل أحد الاعتراضات الموجهة ضدنا. فلم يكن يومذاك يُسمح
للمرأة بأي نشاطٍ اجتماعي في قم(13).
* لا يتراجع بشأن الأصول
لا يمكن للإمام أن يخضع لعواطف الأبوة أو الزوجية ويغير بسببها موقفه فيرضى بما
رفضه من قبل، إذا قال "لا" بشأن أمرٍ معين ثبت عليها، إلا أنَّ تشدده هو في الأمور
الحياتية المرتبطة بالأصول، وقد كان من الصعب علينا عندما كنا في أيام الطفولة
الخضوع لبعض القيود التي كان يلزمنا بها لكننا لم نكن ننجحُ في إقناعه بأن يعفينا
منها. وفي الوقت نفسه لم يكن يتوقع منا الكثير لذلك فقد تربينا على حريات
واسعة(14).
(1) السيدة فاطمة الطباطبائي، ملحق صحيفة إطلاعات، 14 3
1369، ه.ش.
(2) السيدة عاطفة الإشراقي، مجلة (زن روز)، العدد 1267.
(3) السيدة فاطمة الطباطبائي، ملحق صحيفة إطلاعات، 14 3 1369.
(4) السيدة زهراء المصطفوي، مجلة (شاهد بانوان)، العدد 149.
(5) فعل ذلك بسبب وجود الطبيب وهو من غير المحارم، والإمام لا يجيز الاختلاط غير
الضروري بين غير المحارم.
(6) السيدة فريدة المصطفوي.
(7) السيدة زهراء المصطفوي، مجلة (شاهد بانوان)، العدد 149.
(8) المصدر السابق.
(9) السيدة عاطفة الإشراقي، مجلة (زن روز)، العدد 1267.
(10) السيد خادم، أحد حرس بيت الإمام، كتاب (في رثاء النور) ص65.
(11) السيدة زهراء المصطفوي.
(12) السيدة زهراء المصطفوي، مجلة (شاهد بانوان)، العدد 149.
(13) السيدة فريدة المصطفوي، صحيفة إطلاعات، 11 12 1360، ه.ش.
(14) المصدر السابق.