صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

تحقيق‏: نساء على طريق الزهراء عليها السلام


طارق قبلان‏


نساءٌ كثيرات سرن على خطى الزهراء عليها السلام مقتديات بروحها العظيمة، وهمّتها التي لا تلين في نصرة الحق متى النصر أو الاستشهاد. آمنة الصدر (بنت الهدى)، الفاضلة بنت الشهيد الأول، السيدة أم ياسر الموسوي، الأسيرة المحرّرة رسمية جابر، وحتى نساءٌ كان لهن باعٌ طولى في ميادين العلم والجهاد حتى لاقين وجه ربهم. كيف نقتدي بالسيدة الزهراء عليها السلام؟ سؤال يتكرر والحاجة إلى الإجابة تتجدد، ولا نجد في المقام، دون وعظ أو إرشاد، إلا أن نقدّم للقارى‏ء عموماً سِيَرُ بعض الصالحات المؤمنات السالكات خط ولاية أهل بيت النبوة، والمقتديات بالزهراء نموذجاً حتى يكنّ درساً في العمل ومصداقاً للقول الشريف: "كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم"، "وكونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا".

* الشهيدة بنت الهدى‏
الشهيدة آمنة الصدر من الرائدات في مجال العمل النسوي الإسلامي في العراق والعالم العربي. فهي أديبة وشاعرة ملتزمة قضايا المسلمين، متشبعة بالثقافة الأصيلة فقهاً وعقيدة. شاركت في تأسيس مدارس الزهراء عليها السلام في العراق للنهوض بالوضع العلمي والثقافي للمرأة العراقية، خصوصاً مع طغيان المدّ العلماني هناك. وقد شهدت حياتها محطات جهادية بارزة استمرت حتى استشهادها رضوان اللَّه تعالى عليها مع أخيها الشهيد السعيد المرجع محمد باقر الصدر قدس سره. ولدت الشهيدة آمنة بنت آية اللَّه حيدر الصدر عام 1356 هجرية - 1937 ميلادية، في مدينة الكاظمية، وكانت أصغر شقيقيها محمد باقر وإسماعيل وكانت أختهما الوحيدة. تعلّمت الشهيدة بنت الهدى القراءة والكتابة في البيت على يد والدتها - رحمها اللَّه - وكانت الأم تثني عليها وعلى قدرتها على التعلّم والاستيعاب، وقد استكملت مراحل تعلُّم القراءة والكتابة على يد أخويها، وشمل ذلك علوم العربية في أكثر جوانبها، حتى تمكنت من كتابة الشعر في السنوات المبكرة من عمرها. وكانت الشهيدة بنت الهدى - رحمها اللّه - حريصة على تثقيف نفسها ثقافة إسلامية رفيعة، سواء في مراحل حياتها الأولى، أو فترة ما قبل الاستشهاد. كما كانت ذات اهتمام كبير ببيتها، حيث برزت كنموذج خلقي رفيع خلال معايشتها لوالدتها وأخيها وزوجة الشهيد الصدر، ولقد كان على الشهيدة القيام بأدوار عدّة:

- المهام والوظائف التي تقوم بها تجاه السيد الشهيد الصدر، أو ما يكلفها به في مجالات متعدّدة، من تدريس أو إقامة ندوات، أو إشراف على مدارس دينية أو غير ذلك.
دورها في استقبال الضيوف من النساء، والاهتمام بتلبية حاجاتهن الفقهية الفكرية، والمساهمة في حلّ مشاكلهن العائلية والزوجية.
- دورها في تربية بنات السيد الشهيد تربية لائقة وصحيحة.
- دورها في خدمة والدتها رحمها اللَّه بسبب كبر العمر ومعاناتها من أمراض متعدّدة.
- دورها في القيام بشؤون البيت بالمساهمة مع زوجة الشهيد الصدر.
لقد كان للشهيدة رحمها اللَّه عدّة أدوار رئيسية على صعيد الجهاد الثقافي والتربوي والتبليغي، نستعرضها هنا باختصار:

* مدارس الزهراء عليها السلام
تعتبر الشهيدة بنت الهدى من المؤسسين أو المساهمين في إنشاء مدارس الزهراء في بغداد والكاظمية والنجف قبل العام 1967م - حيث اقتضت الضرورة إنشاء هذه المدارس لمواجهة الثقافات المادية التي تدعو إلى الفساد والانحراف والتردّي الأخلاقي، والسعي في الوقت نفسه إلى نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة، وزيادة الوعي النسوي.

* التدريس وإقامة الندوات‏

كان للسيدة بنت الهدى - رحمها اللَّه - منهجها في المجال التثقيفي، حيث كان يعتبر التدريس أهم فقراته. لكن ذلك لم يكن سهلاً بسبب العقبات الكثيرة التي كانت تعترض طريقه؛ إلا أن الشهيدة استطاعت أن تتغلب على تلك المشكلة بمعونة أخويها السيد إسماعيل الصدر والشهيد محمد باقر. إضافة إلى النشاط التدريسي كانت الشهيدة تقيم في بيتها الندوات التي شهدت إقبالاً منقطع النظير.

* الكتابة والتأليف‏

تعتبر الشهيدة بنت الهدى الرائدة الأولى في الكتابة والتأليف واستعمال الأسلوب القصصي في إيصال الأفكار والتوجيهات، حيث لم تعهد النجف التي تضمّ الحوزة العلمية والمرجعية الدينية، كاتبة إسلامية سباقة للشهيدة بنت الهدى في هذا المجال. ومع ذلك كانت الشهيدة متواضعة لم تستهدف الشهرة والظهور. ويبدو من اختيارها لاسم غير اسمها الحقيقي أنها ما كانت ترغب بالشهرة. ولقد كانت الشهيدة بنت الهدى تكتب إضافة إلى ذلك، وكما هو معروف، في مجلة الأضواء التي تصدرها جماعة العلماء في النجف الأشرف، وفي مجلة الإيمان التي أصدرها المرحوم الشيخ موسى اليعقوبي. حاولت الشهيدة بنت الهدى من خلال كتاباتها إثارة الموضوعات المعاصرة بسلاسة وعذوبة وفكرٍ واضحٍ.

* مؤلفاتها
- الفضيلة تنتصر.
- الخالة الضائعة - امرأتان ورجل.
- صراع لقاء في المستشفى.
- مذكرات الحج ليتني كنت أعلم.
- بطولات المرأة المسلمة - كلمة ودعوة.
- الباحثة عن الحقيقة - المرأة مع النبي.
هذا فضلاً عن المخطوطات التي صادرتها السلطات الحاكمة في العراق.

* بنت الهدى مرشدة في الحج‏
كانت الشهيدة بنت الهدى في أيام الحج المباركات تذهب إلى الأرض المقدسة كمرشدة دينية في إحدى الحملات التي تذهب إلى الحج من بغداد والكاظمية، تعلّم النساء مسائل الحج وأحكامه، فكانت من الناحية الفقهية محيطة بفتاوى العديد من المراجع، وكانت تجيب كل حاجَّة على وفق من تقلّد من المجتهدين.

* مع المراجعات‏
كان للشهيدة بنت الهدى دور كبير في الربط بين السيد الشهيد وبين القطاعات النسائية، وكانت الشهيدة تنقل بأمانة ما يعرض للنساء من مسائل فقهية قد يترددن بسبب الحياء من توجيهها للسيد الصدر مباشرة.

* بنت الهدى والسياسة
تقول إحدى المقربات من الشهيدة في مقال لها في مجلة المنبر "يخطى‏ء من يقول أو يظن أن الشهيدة اقتصر عملها على التوجيه التربوي والاجتماعي، بل كانت تعمل في المجال السياسي بشكل واع ودقيق لظروفها والمرحلة التي تعيشها، حيث كانت تتحرّك ضمن رؤية واضحة المعالم، فكانت تقوم بشرح الموقف السياسي المطلوب آنذاك لجميع من يعمل معها وتعبئة النساء على مقاومة النظام ومخططاته وأساليبه التي تدعو وتضغط على النساء عموماً بالانخراط في حزب البعث، وبالتالي التخلي عن القيم والمفاهيم الإسلامية. وقد ساهمت في تربية المرأة على الورع عن محارم اللَّه تعالى، وفي تكوين الروح الجهادية ضد أعداء الإسلام...". وكانت الشهيدة تستمد رؤيتها السياسية من السيد الصدر نفسه، وكانت في أحيان كثيرة تناقش المواضيع والأحداث معه بصراحة ووضوح. وكان قدس سره يستمع إليها بدقة ويحترم وجهة نظرها.

* مسيرتها الجهادية

منذ الولادة واليتم وصولاً إلى الشهادة، شاركت السيدة آمنة الصدر أخاها الشهيد السعيد مسيرته الجهادية؛ ولقد بدأت المسيرة الجهادية منذ الاعتقال الأول للسيد عام 1971م، ثمّ جاءت انتفاضة صفر 1977م عندما تعرّض السيد الصدر للاعتقال مرّة ثانية، مع ما رافق ذلك من خوف ورعب، فكانت الشهيدة ثابتة شجاعة، ورابطة الجأش حتى خروج السيد من الاعتقال. أمّا في العام 1979م عندما اعتقل الشهيد الصدر في شهر رجب فقد ذهبت إلى حرم أمير المؤمنين عليه السلام وخطبت بالحاضرين داعية إياهم إلى التظاهر والاحتجاج وإخراج الشهيد من المعتقل... وبالفعل فقد خرجت تظاهرة من الحرم العلوي ساهمت فيها جموع الشعب العراقي ما أدّى إلى الإفراج عن الشهيد الصدر.

* شهادتها
في الخامس من نيسان عام 1980 تم اعتقال الشهيد الصدر وأخته بنت الهدى، وتعرضت أثناءها إلى أشد أنواع التعذيب ونالت وسام صابرة محتسبة رضي الله عنها واستشهدت وأخوها السيد محمد باقر الصدر، ومساء التاسع من نيسان 1980م، وفي حدود الساعة التاسعة قطعت السلطة التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف، وتسلّلت مجموعة من قوات الأمن إلى دار المرحوم السيد محمد صادق الصدر وأخذوه إلى مبنى محافظة النجف حيث سلّموه جثة الشهيدة الصدر وأخيها السيد محمد باقر؛ ثمّ أخذوه إلى مقبرة وادي السلام وواروهما الثرى.

* ست المشائخ أم الحسن فاطمة بنت الشهيد محمد بن مكي العاملي الجزيني‏

عالمة فاضلة وفقيهة عابدة، كانت قدوة لنساء جبل عامل في عصرها، بلغ بها حبها العلم مبلغاً أن تنازلت عن ميراثها لقاء بعض الكتب الخاصة بأبيها. يروي عنها السيد محسن الأمين قدس سره أنها كانت: عالمة فاضلة فقيهة صالحة عابدة سمعت من المشائخ مدحها والثناء عليها. وكان أبوها يثني عليها ويأمر النساء بالاقتداء بها والرجوع إليها في أحكام الحيض والصلاة ونحوها وقد بلغ من حبها للعلم رحمها اللَّه أنها تنازلت عن ميراث أبيها لقاء كتب كانت له، وكتبت بذلك كتاباً لأخويها، فيما يلي نصه:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏
والحمد للَّه الذي وهب لعباده ما يشاء وأنعم على أهل العلم والعمل بما شاء وجعل لهم شرفاً وقدراً، وفضّلهم على الخلق بأعمالهم العالية، وأعلى مراتبهم في داري الدنيا والآخرة، وشهد بفضلهم الانس والجان، والصلاة والسلام الاتمّان على سيدنا محمد سيد ولد عدنان المخصوص بجوامع الكلم الحسان وعلى آله وأصحابه أهل اللسان واللسان، والساحبين ذيول الفصاحة على سحبان وعلى تابعيهم ومن اتبعهم بإحسان ما اختلف الجديدان وأضاء القمران. أما بعد، فقد وهبت الست فاطمة أم الحسن أخويها أبا طالب وأبا القاسم علياً سلالة السعيد الأكرم والفقيد الأعظم عمد الفخر وفريد الدهر عين الزمان ووحيده محيي مراسم الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين مولانا شمس الملة والحق والدين محمد بن أحمد بن حامد بن مكي قدس سره المنتسب لسعد بن معاذ سيد الأوس قدس اللَّه أرواحهم جميع ما يخصّها من تركة أبيها في جزين وغيرها هبة شرعية ابتغاء وجه اللَّه تعالى ورجاء لثوابه الجزيل، وقد عوّضا عليها كتاب التهذيب للشيخ رحمه اللَّه، وكتاب المصباح له، وكتاب من لا يحضره الفقيه وكتاب الذكرى لأبيهم رحمه اللَّه والقرآن المذهب المعروف بهدية علي بن المؤيد. وقد تصرّف كل منهم واللَّه الشاهد عليهم. وذلك من الثالث من شهر رمضان المعظم قدره الذي هو من شهور ثلاث وعشرين وثمانمائة، واللَّه على ما نقول وكيل. وعلى رأس الورقة توقيع الشيخ حسن بن علي التوليني وختمه بماء الذهب. ويوضح كتاب الهبة ما كان لدى بنت الشهيد الجزيني من تعظيم للعلم ورغبة به حتى تنازلت عن ميراثها من المال لقاء الكتب والعلم، ذلك العلم المرتبط بأهل البيت عليهم السلام والمشتمل على تراثهم الفقهي صلوات اللَّه عليهم.

* الشهيدة أم ياسر الموسوي‏
هي السيدة سهام الموسوي من مواليد بلدة النبي شيت في البقاع، وزوجة أمين عام حزب اللَّه الأسبق السيد عباس الموسوي قدس سره، شاركت زوجها رحلته العلمية الجهادية من لبنان إلى النجف فلبنان، واستشهدت معه وابنها حسين في بلدة تفاحتا بعد استهدافهما من قبل العدو الصهيوني في ذكرى استشهاد شيخ الشهداء راغب حرب رضي الله عنه. بعد تطورات الأحداث السياسية في العراق بين الحركة الإسلامية هناك ونظام صدام حسين اضطرت الشهيدة أم ياسر وزوجها السيد عباس الموسوي رضوان اللَّه تعالى عليهما إلى ترك النجف الأشرف ميمّمين وجهيهما شطر أرض آبائهما في البقاع اللبناني، حيث بدأت الحركة الإسلامية تشهد نهضتها. وقد كانت السيدة أم ياسر بما حصّلته من تتلمذها على يد زوجها السيد عباس رضي الله عنه والشهيدة بنت الهدى تسعى لنشر المعرفة الدينية والإسلامية في ربوع لبنان فشمّرت عن ساعد الجدّ وبدأت مع السيد عباس وإخوانه تأسيس صرح علمي في مدينة الشمس يهتمّ بالأخوة والأخوات وينير سماء الوطن برواد من مجاهدي ومجاهدات الحركة الإسلامية. كانت السيدة أم ياسر المدرِّسة في حوزة الزهراء عليها السلام والمحاضرة والمربية القديرة والأم الحنون سالكة مسلك سيدة نساء العالمين جدتها ومصطفية إياها على كل أمر آخر في حياتها. وكانت صادقة في حياتها وفي تطبيق ما آمنت به، إذ تروي إحدى الأخوات شهادة لها على جهاد السيدة أم ياسر جنباً إلى جنب مع سيد شهداء المقاومة الإسلامية، وتقول: ".. وإن أنسَ فلا أنسى كلمات السيد الشهيد للسيدة أم ياسر وهما يتسلقان التلال المباركة في جبل صافي الذي يشهد على حضور السيدة الغالية، "إذا كان حظك كبيراً يا أم ياسر يكون نصيبك قذائف إسرائيلية" فتردّ الشهيدة بابتسامة رضى وتسليم للَّه تعالى. كانت السيدة أم ياسر مواسية دوماً لعوائل الشهداء، فكانت تسرع إلى بيت كل شهيد يسقط تمسح رؤوس أيتامه وتواسي الزوجة الثكلى، وتهدى‏ء من روع الأم المفجوعة. لقد تعرّضت الشهيدة أم ياسر إلى بلاءات متنوعة في حياتها وكانت كالجبل الصامد لا تتأوّه، ولا تشكو؛ كجدتها زينب عليها السلام متصفة بخصلتين من أخصّ صفاتها هما الكرم والتضحية، وقد كانت سعة صدرها ووفاؤها وثباتها في الشدائد وشجاعتها وإقدامها من سماتها الظاهرة.

ويمكن أن نسجّل من خلقها الرفيع أنها كانت تؤثر على نفسها وأولادها كل طالب حاجة، وتحبوه بكل جديد تاركة لأهل بيتها أغراضها القديمة. وفي شهادات عارفيها أن امرأة فقيرة ".. سألتها كسوة لأطفالها: فما كان من الشهيدة أم ياسر إلا أن أعطتها كسوة جديدة لأحد أبنائها لم يكن قد لبسها بعد. وعندما رجع ولدها وعلم بما حدث، حزن على كسوته التي ذهبت. فما كان من الأم إلا أن قالت له: يا بنيّ ستكون الزهراء عليها السلام غاضبة منك كثيراً إذا عدْت لهذا الموقف... وقرأت عليه آية "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا". وفي نفس السياق، وفي موقف آخر، دخلت عليها امرأة فقيرة تسألها أموالاً، ولم يكن في البيت أي مبلغ من المال، فسألتها أن تأخذ أي شي‏ء من البيت تحتاج إليه، فقالت المرأة: أريد سجاداً لأنه لا يوجد في بيتها أي شي‏ء يغطّي الأرض في ذلك الطقس البارد؛ فما كان من السيدة أم ياسر إلا أن حمّلتها ما أرادت من السجاد المفروش أرضاً. وعندما همت المرأة الفقيرة خارجة حاملة السجاد بين يديها، استوقفتها الشهيدة أم ياسر وطلبت منها الدعاء إلى اللَّه سبحانه وتعالى أن ينوّر قبرها. فأجابتها المرأة بأنها سوف تدعو لابن السيدة أم ياسر المريض بالشفاء، لكن الشهيدة عادت وأصرّت عليها أنها لم تطلب شفاء ولدها بل أن ينوّر اللَّه قبرها. من البقاع إلى النجف، ومن النجف إلى البقاع فبيروت والجنوب بان معدن السيدة أم ياسر ومعدن زوجها طاهراً أصيلاً، منسكباً من أطهر معين وأشرف مخلوق محمد صلى الله عليه وآله. وهمة من حيدرة عليه السلام تزرع أنّى حلّت مواسم خير وأجيال واعدة وتجري ببركتها فرات الماء إلى كل مظلوم ومعذب وموعود.

* الأسيرة رسمية جابر
الأسيرة رسمية فوزي جابر من مواليد بلدة محيبيب عام 1965. اعتقلت عام 3 - 1 - 1990 وأودعت معتقل الخيام في الزنزانة رقم 7، وكان سبب اعتقالها اتهامها بتقديم المساعدة لمجاهدي المقاومة الإسلامية. وقد أفرج عن الأسيرة رسمية بتاريخ 29 - 5 - 1991م بعد اعتقال وتعذيب وصمود كان جزءاً من جهود تحرير أرض جبل عامل الطاهرة. للأسيرة رسمية فوزي جابر قصة مع الأسر وتجربة خاضتها مقتدية خط أهل البيت عليهم السلام مع رفض الظلم ومقاومة العدوان. وهي حيث ولدت في محيبيب كانت بداية رحلتها مع الأسر على يد العميل زهير شقير الذي شهد على يديه العديد من أبناء المنطقة الحدودية العذاب والألم. في 3 - 1 - 1990 وفي أثناء عودتها إلى بيتها من زيارة لأخيها علي جابر الأسير السابق، استوقفها العميل زهير شقير، وطلب منها مرافقته لمدّة وجيزة (خمس دقائق)، وكانت دقائق امتدت لأكثر من سنة، في معتقل من أسوأ المعتقلات في العصر الحالي إقامةً وتعذيباً وجلادين قطعوا أي علاقة مع ربهم ووطنهم وإنسانيتهم، ودخلوا طائعين في خدمة الشيطان. لقد كانت الأسيرة رسمية جابر من بيت عرف الأسر واحداً تلو الآخر فقبلها ذاق أخوها علي مرارة الأسر، ومن قبل والدها، ولكنهم لم يبدلوا تبديلاً. عندما اقتادها العملاء إلى معتقل الخيام مغمضة العينين لم تعرف الطريق سوى من مطبات ثلاثة في منطقة "الميس" كان الكيس الأسود وربطة البلاستيك أداة العملاء المحبذة يلف رأسها وعنقها ويمنعها من رؤية الأرض لكنها لم تفقد إحساسها بكل تفاصيل الوطن.

عندما وصلت الأسيرة جابر إلى المعتقل كان أول عمل تطلبه سجانتها نزع الحجاب فرفضت رسمية. "لا تستطيعين! أنا أعلمك" قالت السجّانة بلؤم. كانت تجربة مرّة لفتاة تعتز بإيمانها وحجابها. ثم أودعت رسمية زنزانة لا تتعدى مساحتها ثلاثة أمتار فصبرت مستعينة بالصلاة والدعاء؛ صلاة لم تصلها من قبل، وإحساس بمفردات الإيمان لم يكن قبل بتلك الدرجة من الرقي والعذوبة. وكانت محبة الأسيرات الأخريات خصوصاً زينب جابر نزيلة الزنزانة نفسها والرقم 7 تخفف آلام البعد عن الأهل ووحشة السجن والسجّان. منذ أول يوم بدأت بين رسمية جابر والمعتقلات علاقة ودّ وأخوّة أساسها التزام الخط وحب الوطن. كان إيمان رسمية كبيراً، وخطها ممتد إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام، فلم يفلح السجّان رغم كل القبح لديه أن يعدل من قناعاتها وعدالة قضيتها التي تناضل من أجلها، بل كان الأمر عكسياً وكان ثبات رسمية يزداد مع كل شرٍّ ينزل بها على يد العملاء. كان التعذيب شديداً، ضرب السياط ولسعتها، وأشد منها لسع البرد القارص في ساحات معتقل الخيام المواجهة لجبل الشيخ. ثم عذاب الكهرباء وتوجيه الاهانات، وعملاء الزنزانة والمخادعة، و... و... كانت لائحة التعذيب طويلة يضاف إليها كل يوم ما يحلو على خاطر السجّان المتفاني في خدمة المحتلّ، لكنها كانت لائحة ذات مردود عكسي على المحتل؛ فهي عزّزت كثيراً من عناد المعتقلات وزادتهم ثقة بقضيتهن التي من أجلها أُدخِلن المعتقل. رسمية جابر خرجت من السجن ورفيقاتها، وأخرجت وأخوة دربها الوطن من الأسر، لكنها لم تتبدل إيماناً وصلابة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع