أحمد الله على أن حالفني التوفيق في أن ألتقي بجمعٍ منكم
أنتم الجرحى الأعزّاء، وسرّني ذلك كثيراً، على الرغم من أنّه غير كافٍ. ويخجلني
حقاً ما قاله لي بعض الجرحى الأعزاء: "إنّنا منذ عشرين أو ثلاثين عاماً ننتظر هذا
اللقاء". بيد أنّ هذا هو وسعنا وقصورنا، فلا طاقة للإنسان على ما يفوق ذلك، وإلّا
لو كان بمقدورنا، لكانت رغبتنا في أن نقضي معكم أوقاتاً أكثر من هذا الوقت بكثير.
أولاً: أجركم يتضاعف
أنتم الجرحى الأعزّاء، إنّ جهودَكم وأجورَكم محفوظة عند الله سبحانه وتعالى، وهي في
تزايد يوماً بعد يوم، إن شاء الله، لأنّ هذا الابتلاء والامتحان محفوفٌ بكم
بالتدريج، وأمركم لم ينقضِ، على خلاف ما يحصل مع الشهداء، لأن الشهيد يُصاب بقذيفة
أو رصاصة، ويحلّق إلى حيث الجنان فينتهي أمره. بَيدَ أنّكم في كلّ يوم وفي كلّ
ساعة، تقاسون الألم والمعاناة... مع أنّكم راضون ومحتسبون، والله سبحانه وتعالى
يعلم ما في قلوبكم من صبر، إلّا أنّ لصَبركم هذا أجراً مضاعفاً في كلّ دقيقة، وكلّ
ساعة، وكلّ يوم.
ولهذا، فإنّ قولَنا أجر الجرحى يزداد يوماً بعد آخر، هو قولٌ دقيق. وكل ساعة تمرّ
من أعماركم، يتضاعف أجركم فيها بذلك المقدار. وقد ورد في الروايات أنّ من تصدّق
بشيء -كدرهم مثلاً أو مال قليل- في سبيل الله، أعاده الله عليه يوم القيامة مثل جبل
أُحد، وهذا هو حال عملكم، فقد بذلتم عضواً من أعضائكم، وتقبّلتم حرماناً، وهو
بالطبع عمل عظيم، وهام جداً، وله أجرٌ كبير. غير أن هذا الأجر في تصاعد وتزايد
مستمرّ، فكونوا شاكرين لله على ازدياد الأجر.
ثانياً: وجودكم جهادٌ وبيانٌ وتبليغ
أنتم الجرحى تمارسون في الوقت الحاضر جهادكم بهذه الجراح التي أصابتكم، فكيف ذلك؟
لا أقصد، طبعاً، الجهاد الثقافيّ، ولا أعني التصدّي لإلقاء كلمة في مكان ما أو
التحدّث بشيء أو إنجاز عمل أو بذل مال أو تعليم أمر -فإنّ هذه الأفعال بالطبع تدخل
ضمن الأعمال الجهادية- إلاّ أنّ جلوسكم على الكراسي المتحركة، أو استلقاءكم على
الأسِرّة أو سيركم في الأزقّة والأسواق، وقد فقدتم أحد أعضائكم كالعين أو اليد أو
الرجل، هو بحدّ ذاته يعتبر جهاداً؛ لماذا؟ لأنّه يعبّر عن ذلك الابتلاء وتلك المحنة
الكبيرة التي ألمّت بالشعب في تلك الفترة العصيبة. وأنتم، في الحقيقة، كاللوحة
المعبّرة عن الحرب وعن الدفاع المقدّس لكلّ من يراكم، كالصورة التي تعكس فترة ذلك
الاختبار الكبير، والامتحان العظيم للمؤمنين.
إنّ حضوركم ووجودكم، بحدّ ذاته، يعدّ جهاداً وبياناً وتبليغاً، والنظر إليكم يميط
اللثام، أولاً، عن جرائم تلك القوى، التي دعَمتْ أنظمة الظلم ودافعت عنها، وثانياً،
يكشف عن عظَمة وجلالَة ذلك الإمام، وتلك الثورة التي استطاعت أن تربّيكم مثل هذه
التربية، وأن تسوقكم إلى ساحات القتال، وثالثاً، هو يُعبّر عن مقطع من تاريخ شعبنا.
ومن هنا، فإنّ الجريح، بوجوده وحضوره بين الناس، يكشف الستار عن بعض الحقائق، حتّى
وإنْ لم يتكلّم كلمة واحدة، ولم يشارِك في أي مراسم كمبلّغ ومبيّن، فإنّ وجودكم،
بحدّ ذاته، يُفصح عن حقائق تاريخيّة، ومعرفيّة، وسياسية ودولية. وهذا في نفسه له
أجر وثواب عند الله سبحانه وتعالى. هذه هي النقطة الثانية.
ثالثاً: بشرى لزوجات الجرحى
تضحية السيدات اللاتي يستضِفْنَكُمْ ويحتضنّ آلامكم، بصفتهنّ زوجات لكم. فإن هؤلاء
النساء مضحيّات بكل ما للكلمة من معنى، وإنّ عملَهنّ هذا تضحية كبيرة، ولخدمتهنّ
قيمة بالغة جداً، ذلك أنّ معاناة التمريض، إنْ لم تكن تفوق معاناة المريض نفسه، فهي
ليست دونه. فأن يقوم الإنسان بخدمة جريح بكلّ ما يحمله من مشاكل وقيود جسدية،
والاعتناء به، والاستماع إلى أحاديثه، والصبر على ما قد يحدث له من سأم وملل، له
أجرٌ كبير جداً عند الله سبحانه وتعالى. ويمكنني القول لهؤلاء السيدات وزوجات
الجرحى إنّ الله تعالى يبشّركنّ لعظمة عملكنّ الذي تنجزنَه، وهو يعتبر حقاً جهاداً
وملحمة.
رابعاً: احفظوا هذه الثروة المعنويّة
والنقطة الأخيرة، هي أن تحاولوا أنتم الجرحى الأعزاء، وزوجاتكم، وأولادكم، وذووكم
وكلّ من له حصّة ودور في خدمتكم، الاحتفاظ بهذه الثروة المعنويّة العظيمة. واعلموا
أنّ الثروات العظيمة التي في أيدينا قد تُسلبُ منّا بسبب غفلتنا، فلو أصابتنا
الغفلة والإهمال، ولم نعمل بمقتضى هذا الشأن المعنويّ والإلهيّ، ستُسلب منّا هذه
الثروة المعنويّة، ولذلك يجب توخّي الحيطة والحذر.
نسأل الله أن يوفّقنا جميعاً لأن نتمكّن من صيانة، وحراسة، وشكر هذه المواهب
الإلهيّة الماديّة منها والمعنوية، وأن يُدخل السرور في قلوبكم ويوفّقكم للتقدم في
أعمالكم ويقضي حاجاتكم ويهب لكم أولادكم ويُسعدكم في حياتكم ويُطيل في أعماركم مع
الشفاء الكامل إن شاء الله.
(*) من كلمة للإمام السيد الخامنئي دام ظله في لقائه عدداً من الجرحى
المجاهدين وعوائلهم، بتاريخ 20/9/2015م.