تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة*

مع الإمام الخامنئي: نُخب الغد..أنتم السبّاقون(*)



أيها الشباب الأعزاء! إنّ اللقاء بكم بالنسبة إلى أمثالي يبعث حقاً على الحيويّة والتفاؤل. وحين نشاهد الوجوه الشابّة المتأهبة للعمل والمستعدّة والمصمّمة، فسيزهر الأمل الذي أودعه الله تعالى في قلوبنا ويُثمر؛ وهو، والحمد لله، يزداد يوماً بعد يوم. نسأل الله تعالى أن يغمركم بهدايته ولطفه، ويوفّقكم لأن تكونوا نافعين لمستقبل البلاد، وفي المرحلة التالية لمستقبل البشرية إن شاء الله.

* وصايا أبويّة
اليوم أودّ أن أوصيكم، أيّها الشباب الصالح، بجملة من التوصيات الأبويّة. فمنكم من هو بمنزلة أبنائي ومنكم من هو بمنزلة أحفادي، وحقيقٌ أن أحدّثكم بمنطق أبويّ في بعض النقاط:

أولاً: اشكروا الله على نعمه عليكم
أوّل هذه التوصيات الأبويّة، أن تعتبروا ما تدّخرونه -وهو بلوغكم مرحلة النخبوية- أنّه من الله، وموهبة إلهيّة، ونعمة أنعمها الله عليكم، فاشكروا الله على ذلك، ووطّدوا علاقتكم بالباري، وأظهروا هذا الشكر فيما بينكم وبين الله على ألسنتكم. إنّ هذا سيزيد من نجاحاتكم ومن نِعمه عليكم.

ومن هذه النعم، هؤلاء الأشخاص الذين يعملون بلا ضجيج على إرساء الأمن لي ولكم، بلا اسم ولا رسم، ودون اكتساب أي شهرة؛ إلا القليل منهم الذين قد ذاع صيتهم واشتهر أمرهم. وإنّ المكان الخالي من الأمن، سيخلو من الجامعة ومن الدراسة ومن البحث العلميّ ومن بناء الذات. ولو انعدم الأمن في منطقة لانعدم معه كل شيء. فهذه المواهب وهذه الفرص هي نِعَمٌ غمرتْنا بفضل هؤلاء الذين يعملون على تحقيق الأمن أيضاً. هذه وصيّتي الأولى، فتقبّلوها منّي أيها الشباب الأعزاء من والد قد بلغ الكبر، ولا تغفلوا عنها.

ثانياً: تعزيز الروح الجهادية

التوصية الثانية، أن ترجّحوا روحيّة الجهاد على روحيّة الاستعلاء. فإنّ أحد الأخطار المحدقة بالذين يمتازون بميزة خاصّة هو الشعور بالاستعلاء والتفوّق على كلّ من سواهم، وهذا خطر كبير ومرض. فلا تَذَروا هذا المرض يستشري فيكم. والسبيل إلى محاربته هو تعزيز "العمل الجهاديّ" و"الروح الجهاديّة" في أنفسكم. ويعني ذلك أداء العمل لله، واعتباره واجباً ووظيفة، وإنزال كلّ الطاقات إلى الساحة لإنجاز العمل الصحيح؛ هذه هي الروح الجهادية.

ومن الأعمال المطلوبة جداً لتعزيز هذه الروح، حضوركم في "المخيمات الجهادية". فلا تقولوا إنّها "مضيعة وقت"؛ كلّا، بل هي أفضل الطرق وأمثلها لاستغلال الوقت. طبعاً، قوموا بواجباتكم في الدرس والبحث العلميّ وأنجزوا أعمالكم، وشاركوا أيضاً في المخيمات الجهادية فهذا سيؤدّي إلى حضوركم بين الناس، والتعرّف إلى همومهم والوقوف على مشاكل المجتمع ومعضلاته التي غالباً ما تحتجب عن أنظار المسؤولين. أنتم الآن في ريعان الشباب، وتتّسمون بالقوة والنشاط والتحمّل ولديكم الوقت، فانتهزوا هذه الفرصة، ومنها هذه المخيمات الجهادية. التواصل المباشر، مع الناس، يبعث على الشعور بالمسؤولية. وعندما يؤدّي الإنسان خدمة بصورة مباشرة، ستكتسب الخدمة أهميّة في نظره؛ وستكتشفون نقاط الضعف حين ذلك.

ثالثاً: حذارِ من الهجرة
وصيّتي الثالثة، الملاحظ أنّه من الأمور التي تحيط بشريحة النخبة هي "الهجرة"، فهناك طلبٌ كبيرٌ على شباب النخبة في شتّى بلدان العالم لأسباب مختلفة؛ منها: ضآلة أعداد هذه الشريحة عندهم، أو قلّة الشباب الموهوبين لديهم، أو قلة الشباب الأجانب ممّن ليست لديهم أطماع كبيرة، ولذلك يعملون على استقطابهم. وفي مثل هذه المَواطن يطغى تصوّر خياليّ في ذهن الإنسان عن الرفاهية وَسَعة العيش، قد تكون وهمية وخياليّة، وقد تكون واقعيّة، بأن يحصل الإنسان حقاً على رفاهية العيش، لذا، رجّحوا البقاء في وطنكم. وبدلاً من أن تهضمكم المعدة القاسية للمجتمعات الأجنبيّة، قوموا ببناء مجتمعكم وتنظيم عقله وهذا من دواعي الفخر والشرف لكم، فابذلوا جهودكم من أجل بلدكم. إنّ بإمكانكم أن تكونوا ذلك الشخص الذي يبني ويقدّم ويطوّر، ولكن لو افترضنا أنّكم هاجرتم وحصلتم على الأموال، وتوافرت لكم إمكانيات الرفاهية، وسعة العيش- على فرض أنّ ذلك سيحدث- ولكن سوف تهضمكم المعدة الجشعة للمجتمعات الأجنبية، بينما باستطاعتكم في بلدكم أن تكونوا مؤثّرين.

رابعاً: لا يبهرنّكم الغرب! أنتم تسبقونه كثيرًا!
التوصية الأخيرة هي أن لا يبهر تطوّر الغرب أعينكم. صحيح أنّ الغربيّين في الوقت الراهن قد سبقونا بكثير من الناحية العلميّة والتقنيّة، ولكن لا ينبغي أن يأخذ هذا السبق بمجامع قلوبكم، لأنّكم أعلى منهم. فالغرب الذي تشهدون فيه اليوم التقنيّة المتطوّرة، والصناعات، والاختراعات وأمثالها، قد شرع بعمله منذ 200 سنة، وأنتم شرعتم بعملكم قبل 35 سنة، فعمر الثورة 35 عاماً، وقد تمكّنتم على مدى هذه الأعوام الخمسة والثلاثين أن تقطعوا خطوات متقدّمة، وأن تحقّقوا حالات من التقدّم بسرعة فائقة، وهذا على خلاف الأعوام الخمسة والثلاثين الأولى لهم بعد استقلالهم، فإنّ أمريكا على سبيل المثال، بعد 35 عاماً من استقلالها من تحت الهيمنة البريطانية، لم تكن شيئاً يُذكر. وإنّ العمر الذي تحتاجون إليه لبلوغ هذه المرتبة من الحضارة المادية أقلّ بكثير من العمر الذي قضاه الغرب للوصول إليها، هذا فضلاً عن المسائل المعنويّة. إنّ "تمثال الحرية" المعروف في أمريكا قد صُنع بعد مئة عام من انتصار الأمريكيين على الجيش البريطانيّ واستقلال أمريكا، ولم يصنعه الأمريكيون، بل جاؤوا بمهندس فرنسيّ وقام بصنعه، على ما في ذهني؛ أي أن الأمريكيين وبعد مئة عام من استقلالهم لم يبلغوا من الناحية العلميّة والفنيّة والصناعيّة مرحلة تمكّنهم من صناعة تمثال الحرية. ولذا، إنّكم تسبقونهم كثيراً، فلا تنبهروا بهم. فحثّوا خطاكم وامضوا قُدماً.


(*) كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في المشاركين في الملتقى الوطني التاسع لـ"نُخب الغد" 15/10/2015.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع