الشيخ علي خازم
يشكو الكثيرون من توقف النساء بعد الاضطلاع بمسؤولية
الزواج وتشكيل الأسرة عن عملية التحصيل الفكري أو المتابعة للاهتمامات الفكرية
العالية في مجتمعنا، وهذه الشكوى إن أريد بها إنصاف المرأة، ومحاولة تأمين سبيل لها
يجمع بين قيامها بما تحتاجه منها أسرتها، ولا يمكن لغيرها القيام به، فهي صرخة
إيجابية نافعة إن شاء الله، وإلا فإن الأساس إن هذه المشكلة تعم الرجل والمرأة في
ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها، ولعل الاستقراء والإحصاء يساعدان
على تأكيد دعوى العموم. إن المجال المطلوب لتأمين التحصيل الفكري وتطويره هو الوقت
بعد الانتهاء من فرض سلامة الذهن وتحصيل التعليم الأساسي، وان العامل المطلوب للحث
على تهيئة الوقت الكافي لتلك العملية هو الإحساس بأهميتها أولاً، والحاجة إلى كونها
عملية استمرارية تاليا ويبقى بعد ذلك توفر الظرف الأسري المساعد من جهة والظرف
الاجتماعي المؤمن لموارد التحصيل تلك من جهة أخرى.
* عامل الوقت
نفتخر عادة بكون المسلمين هم الذين قدموا أداة متطورة لمعرفة الوقت، وان أحكامنا
الشرعية تعلمنا في كثير من عباداتنا الالتفات إلى تحديد الوقت وتعيينه ولكن المشكلة
تظهر في أننا لا نستفيد من هذه القضية في حياتنا الاجتماعية فترانا نسرف في ساعات
عمرنا ونهدرها على أعمال تحتاج إلى أقل بكثير من الوقت الذي نصرفه عليها، ثم نشكو
أننا لا نجد وقتاً كافياً لأعمال أخرى. هذه المشكلة التي نعيشها في حياتنا العملية
تنقلب من إسراف محض إلى عنوان جديد هو الخيانة إذا كنا موظفين لعمل ما، وهي خيانة
لأنفسنا في حياتنا الشخصية، فضلا عن كونها من مصاديق الإسراف. يقول أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام: "شر ما شغل به المرء وقته الفضول"، وهو الزائد
عن الحاجة في القول والعمل، وان الاقتصاد فيهما بمعنى الاقتصار على الحاجة يحفظ
للمرء قوته الفكرية والجسدية للقيام بما يحتاج إليه، وذلك سواء في المرأة والرجل من
حيث تساويهما في القيمة الاجتماعية كإنسان مكلف.
* أهمية التحصيل الفكري واستمراريته
إذا كان عامل الوقت مشتركا بين الرجل والمرأة كمجال للتحصيل الفكري فهل أن قيام
المرأة بشؤون الأسرة الخاصة بها يعفيها من لزوم التحصيل الفكري واستمراريته ويحصره
بالرجل؟ إن الواقع الاجتماعي يدلنا أن من يتخلى عن التحصيل الفكري رجلا كان أو
امرأة يتراجع في مستوى أدائه العلمي العام في الحياة لكن المغالطة الاجتماعية تكمن
في اغتفار هذا التراجع في النساء بحجة قيامهن بشؤون الأسرة وعدم ذلك في الرجل بحجة
أهمية حضوره الاجتماعي فيما لو دققنا النظر لوجدنا أن لا مبرر لذلك فيهما معاً بل
لأمكن أن لا نغتفر ذلك في النساء خاصة. وبيان ذلك أنه لا يطالب الرجل عادة بأكثر من
قيامه بالأعمال التي تعينه على الإنفاق الواجب لمن وجبت عليه نفقتهم، بينما تتولى
المرأة وإلى مدى طويل أمر تربية وتدبير شؤون أسرتها وأطفالها ورعايتهم إلى ما بعد
البلوغ في سني تعلمهم ومباشرتهم للحياة الاجتماعية، فهي إذا مسؤولة عن تشكيل صورتهم
التي سيخرجون بها إلى الحياة العامة، وقبل ذلك ومعه وبعده فهي مسؤولة عن جانب من
الغاية الأساسية في الزواج وهي "السكن". فكيف لها أن تكون سكناً لزوجها ومربية
لأطفالها بعيداً عن استمرارها في تحصيل وتطوير معارفها وثقافتها، بما يعينها على
مواجهة المشاكل والأعباء التي تواجهها أسرتها؟ إن تعليم الإناث وتربيتهن وتوجيههن
عملية تقع في اتجاه محدد ولغاية معينة ولذلك تختلف النساء المتزوجات بعد الزواج
بحسب الاتجاه والغاية اللذين نشأن فيهما، ومع الأسف فإننا ما زلنا نشهد عبثية في
الاتجاه والغاية رغم اتساع أفق التعليم فضلا عن أننا وبسبب سوء الأوضاع الاقتصادية
مرة أو سوء التدبير المنزلي مرة أخرى نشهد في أيامنا هذه ورغم شبه مجانية التعليم
ارتجاعاً إلى تفضيل تعليم الذكور والاكتفاء بمستوى معين في الإناث.
وبعيداً عن النظام الحقوقي الخاص بمؤسسة الزوجية بين الزوج والزوجة، ومع الإقرار
بشكل أو بآخر بوظيفة المرأة الزوجة كمسؤولة عن شؤون المنزل مثل الغذاء والرعاية
الصحية والحضانة والتربية ولو بنحو الإدارة لها فيما لو توفر للأسرة مستوى اجتماعي
يسمح باستخدام من يقوم بهذه المهام، فان عملية تطوير المعارف والثقافة والمهارات
الإدارية تبقى على أهميتها القصوى إذا ما كان الغرض العام والغاية الأساسية إيجاد
مجتمع مؤمن بالله ومجتمع تقوائي ومجتمع عادل ومجتمع قوي شجاع كيف؟ إن المجتمع
المؤمن بالله تعالى وبرسالة الإسلام هو المجتمع القادر على مواجهة كل الشبهات التي
تثار وتحرك لإضعاف الاعتقاد، ولا يمكن رد هذه الشبهات بالاكتفاء بمعرفة أصول
الإسلام أو بعض الشبهات الكلاسيكية، إننا نواجه في كل لحظة هجوماً شرساً ومن آلاف
الأبواب خدعاً تحاول صرفنا عن ديننا مباشرة وغير مباشرة، وما لم نكن على اطلاع
مستمر عليها مطورين لمعارفنا ومعلوماتنا فإننا لا نستطيع الصمود والمواجهة والرد.
وكما أن الشبهات استمرارية ينبغي للمعرفة أن تكون كذلك استمرارية. وان المجتمع
الواجد لصفة التقوى هو مجتمع يدرك أسباب الفساد المتطورة والمستمرة، ليتمكن من تجنب
الوقوع في الأخطاء وارتكاب الذنوب من حيث تشتبه عليه كثير من الأمور فيخل بالنظام
العام في مجالاته الكثيرة. وان المجتمع العادل كذلك يحتاج لقيامه بالواجبات وترك
المحرمات التي تتكثر عناوينها وتتغير باستمرار.
أضف إلى ذلك أن قيام مجتمع قوي وشجاع في وجه الأعداء يحتاج إلى نساء كالسيدة
الزهراء والسيدة زينب عليه السلام والسيدة صفية بنت عبد المطلب، والخيرة من
الصحابيات والمؤمنات والى دفع تشكيل شخصيات كما الكثرة من نساء الكوفة بالمقابل.
هل المسؤولية عن هذا المجتمع تقع على عاتق الرجال وحدهم؟
هذا السؤال يساعدنا في إيجاد الحس بالمسؤولية بعد معرفة الأهمية. لا نحتاج إلى كثير
من العناء لمعرفة أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع رجالاً ونساءً، وان التفاوت
إنما يكون بحسب الأهلية فلا يتساوى الرجال بينهم ولا النساء بينهن ولكن السؤال
يستمر أيضاً:
من المسؤول عن الأهلية التي تعيشها المرأة المتزوجة في
هذا المجال؟
لا شك أن من أوصلها بالتعليم يتحمل جزءاً من المسؤولية، لكن هل يعفيها ذلك من
المسؤولية عن تطوير نفسها وتأهيلها بعد الإحساس بأهمية تطوير المعرفة والثقافة؟
بالطبع لا، لكننا هنا نرجع إلى أهمية تأمين الظرف الأسري المسؤول عنه الزوج بالدرجة
الأولى، وذلك بالتعاون مع الزوجة في حسن تدبير الوقت والاستفادة منه بأقصى ما يمكن
ثم تأتي مسؤولية تأمين المجتمع للمؤسسات التي تعين على هذه العملية.