الشيخ كاظم ياسين
إن هذه القصة التي بين يديك -قارئي الكريم- ليست قصة خيالية نسجها كاتب وحلّق في أجوائها أديب، وإنما هي واحدة من القصص التي صنعتها المقاومة الإسلامية المظفرة في لبنان. وقد أحسن فضيلة الشيخ كاظم ياسين صياغتها في كتاب له "قصص الأحرار".
والقصة هي هذه:
كثيراً ما كانت مجنزرات العدو تأتي إلى هذه المنطقة وتنصب كمائنها أو تطلق منها النار على المناطق الآمنة، ولذلك عزم المجاهدون وبإصرار على عمل شيء مزعج لهذه المجنزرات مثل زرع لغم أو عبوة ناسفة لها.. وقد استطاعت المجموعة الوصول إلى المكان وانجاز عملية زرع عدة ألغام ضد الدروع وبشكل متناسق بحيث لا تنجو الآليات إذا طرقت المكان من أحدها على الأقل.. ثم وبخفة وكما جاءت انسحبت المجموعة وقد أتمت مهمتها ولم يبق على أفرادها وقيادة المنطقة إلا انتظار النتائج التي عادة ما تكون عظيمة وباهرة...
إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث فقد طال الانتظار ولم تظهر أيّة آلية للعدو... لا في اليوم نفسه الذيتم فيه زرع الألغام ولا اليوم الذي يليه وهكذا... واستغرب الرصد ومن ورائه رجال المقاومة الذين يعملون في هذا المحور... هل غيّر العدو عادته في القدوم إلى هذه المنطقة من أجل نصب الكمائن أو إطلاق النار على القرى المجاورة؟!.. وتتالت الأيام، ومضت بعدها الشهور ونسي جميع من نصب شبكة الألغام ما فعلوه في هذه المنطقة، بل لعله استشهد بعضهم أو نقل بعضهم الآخر إلى محاور أخرى من محاور المقاومة، وشهدت هذه المنطقة منذ أن زرعت هذه الألغام هدوءاً استمر عشرين شهراً..
فلم تتقدم إليها آلية ولا حتى جندي من جنود العدو.. بعد عشرين شهراً كانت البرقيات التي تلقاها المقاومون الذين يعملون في هذا المحور تشير إلى احتمالات تقدم للعدو ولم يكن واضحاً لدى قياديي المحاور المكان الذي سوف يتقدم منه العدو.. وتجاوباً مع الاحتمالات المطروحة تم استنفار المجموعات ونصب الكمائن وزرع المعابر بالألغام والعبوات إلا أن هذا المحور الميت بالذات لم يشهد هذه الحركة القوية من الاستنفار ولا هذا الرصد الدقيق لتحركات العدو، فهو صامت لم يشهد تقدماً للعدو ولا إطلاق نار ولا حركة غير عادية منذ عشرين شهراً... فلذلك كانت حركة الاستنفار فيه أخف من غيره وكان حجم حشد المجموعات أصغر بكثير من سائر الثغور الخطرة...
وحصلت المفاجأة، لقد كان التقدم من هذا المحور دون غيره، وفوجئت مجموعات الرصد، لقد ظهرت الآليات في هذه المنطقة بعد أن لم تكن قد ظهرت فيه منذ أمد بعيد، حتى إن المجموعات العاملة فيه لم تكن تعلم بشبكات الألغام المزروعة.. واستنفرت المجموعات الموجودة وانطلقت إلى حيث حصل التقدم اليهودي.. وكانت هناك احتمالات قتال بين آليات تتقدم ومجموعات قليلة... وهنا جاء دور الألغام المخبأة بلا قصد لهذا اليوم وفعلت فعلها ومزّقت آليات العدو الذي ارتبك وانكفأ بينما كانت الدهشة ترتسم على وجوه الشباب الذين كانوا قد أكملوا تقدمهم وأحبكوا خطة الالتفاف والاستعداد للالتحام... إلا أن الألغام المنسية منذ عشرين شهراً والتي نسيها من زرعها أيضاً قامت بعمل باهر في تلك اللحظات... وكفى الله المؤمنين القتال.