نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قصة العدد: إلى أين؟



إن هذه القصة التي بين يديك- قارئي الكريم- ليست قصة خيالية نسجها كاتب وحلّق في أجوائها أديب، وإنما هي واحدة من القصص التي صنعتها المقاومة الإسلامية المظفرة في لبنان. وقد أحسن فضيلة الشيخ كاظم ياسين صياغتها في كتاب له "قصص الأحرار". والقصة هي هذه:

تسللت أشعة شمس الصباح إلى جدران وأسطح تلك القرية العاملية البعيدة الساكنة، ولم يبدُ على ساكنيها المعدودين ذلك الحماس الذي يظهر على أهل بقية قرى جبل عامل في كل صباح، فقد كان معظم أهلها من العجزة وهاجرها معظم شبابها ولبس من بقي من سكانها الثياب السوداء وودعوا الابتسامة وبان على وجوههم صمت المقابر، حتى أسارير وجوههم لم تكن لتتحرك أو يبدو عليها انفعال إلا إذا مرّت داخل القرية دورية مؤللة لقوات الاحتلال اليهودي الهمجي فإنها كانت تلتفت كالآلة وتلقي على الجنود نظرة جامدة خالية من أيّ معنى... اللهم إلا معنى واحد ألا وهو الانتظار.

لم يعتادوا على الخروج باكراً منذ هاجر العاملون والناشطون الشباب ولذلك كان رجال المجموعة الكامنون خلف جدران شبه متهدمة داخل القرية مطمئنين إلى حدٍ ما إلى أنه لن يلاحظ وجودهم أهل القرية قبل أداء مهمتهم.

فقد وصلوا إليها خلال الليل، ولمعرفتهم الدقيقة بالقرية وأهلها نصبوا كمينهم في المكان الذي سوف تضطر الدورية للعبور منه ببطءٍ شديد بدون أن يثير وجودهم ريب أحد من الساكنين في القرية.. وإلى أن أشرقت شمس الصباح كان قد نال بعضهم قسطاً من الراحة بينما كانت أعين قائد المجموعة وأذناه قلقة مؤرقة تعدّ الحركات.
كان موعد الدورية اليهودية عند الشروق، فدغدغت أشعة الشمس هامات الشباب وكأنها تنذرهم باقتراب الموعد.. وفعلاً، ما هي إلا دقائق حتى تسربت من أفق السمع أصوات الجنزير التي كانت تزداد ضجيجاً واقتراباً.

كان كلٌّ منهم يعلم دوره في العملية تماماً فلم يحتج قائد المجموعة إلى توجيه الأوامر في تلك اللحظات..

وما هي إلا ثوانٍ حتى أطلّت المجنزرة بصدرها وعجيجها وضجيجها وغبارها وما أن دخلت إلى محلها في خريطة الكمين حتى بدت خلفها سيارة جيب عسكرية.
ووسط صرخات التكبير والتوسل بالزهراء والحسين عليهما السلام وانهمار القذائف والقنابل اليدوية والرصاص الغزير كانت المجنزرة تنفجر والجيب يشتعل بالنار.

ومرّت لحظات لم تصدر خلالها من الدورية طلقة واحدة.
وبدا أن العمل قد أنجز للوهلة الأولى وبينما كانت عينا قائد الدورية تراقبان بدقة عالية سير المعركة.. انتبه من مكانه إلى أن الضابط الذي يجلس إلى جانب السائق عادة قد قفز إلى الأرض وأخذ يحبو على يديه وركبتيه مبتعداً عن الجيب ثم دخل في زقاق من أزقة القرية.
كانت عادة مجموعات المقاومة أن تكتفي بالرماية على العدو من بعيد ثم تصدر بياناً طناناً بالعملية وإذا كانت من الشجاعة بمكانٍ فإنها كانت تلتحم مع العدو فإذا أصابته تكتفي بما حققته فيه من إصابات ثم تنسحب من أرض المعركة معتبرة أن ما قامت به يكفي وهو عظيم جداً..
ولكن عصر المقاومة الإسلامية كان أمراً آخر تماماً..
لم يكتفوا بإصابة الدورية بل استمروا في إطلاق النار ورمي القنابل للتأكد من أن أحداً منها لم يبقَ حياً.
 

أما صاحبنا، قائد المجموعة، فعندما لاحظ أن الضابط اليهودي فرّ من ساحة المعركة ودخل الزقاق القريب، فإنه لم يتركه يفرّ.. بل وبكل لياقة ومرونة قفز من مكانه راكضاً نحو الزقاق، وبكل جرأة وإصرار ومن زقاق إلى زقاق ضاقت المسافة بينهما.. فلم يجد الوحش بداً من التوقف وهو يلهث إلا أنه حاول أن يتتّرس بامرأة عجوز من سكان القرية.. فاجأتها الأصوات فخرجت إلى باب دارها مستفسرة فأمسكها الوحش وتترّس بها بينهما كان قائد المجموعة يتقدم منه بهدوء، وكانت المسكينة ترتجف مذعورة بين يدي الوحش اليهودي الذي جحظت عيناه وبدا كخنزير وقع في فخ.. وصاحبنا يتقدم بروية وكأنه واحد من أبناء القرية وكأن المرأة خالته..
وبهدوء وضع فوهة بندقيته في خاصرة المرأة وأزاحها بها جانباً والوحش اليهودي يرتجف رعباً.
ما الذي جاء بك من أقصى بلاد العالم إلا بلادنا تقتلنا وتثكل أمهاتنا وتيتّم أولادنا وتسرق أرضنا ومياهنا والبسمة من شفاه أطفالنا..!! وانطلقت رصاصات وكأنها تختصر كل دموع وبكاء اليتامى والثكالى والأرامل مزّقت صدره ووجهه..

ووضع صاحبنا البندقية على كتفه وقفل راجعاً بكل هدوءٍ ترافقه أصوات الدعاء.
- الله يحفظكن، الله يخلّيكن لأماتكن، الله يرجّعكن بالسلامة، الله يسلّم دياتكن.
- الله يحفظك يا خالتي، بارك الله فيكِ..


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع