نهى عبد الله
ورث الشقيقان "رُوح" و"نفْس" قصراً كبيراً ومزارع واسعة من والدهما، وجعل إدارة كل الممتلكات، إضافة إلى حصة أخيهما الأصغر تحت وصايتهما، ووضع شرطاً صعباً: أن يتفقا، فلا يحق لأحدهما التصرف دون موافقة أخيه.
كان هذا الشرط ضرباً من المستحيل؛ لأن "رُوح" رجلٌ زاهدٌ، يعتكف في المساجد ودور العبادة ولا شغل آخر لديه، وكان ينبذ أخاه "نفْس" الذي يسكنه الطمع، ويقابل كل نصيحة بغضب عارم.
مرّت أشهر، ولم يتفقا على شيء، فـ "روح" يرفض جميع قرارات "نفس" ولا يقدّم حلولاً، فالدنيا لا تستحق اهتمامه. أما "نفْس" فكان يسعى للسيطرة على كل شيء، حتى ساد ذلك القصر صراعٌ مريرٌ أنهك الأخوين، وأُهملت على أثره ممتلكات العائلة.
لاحظ أخوهما الأصغر "عَقْل" حالهما، فتوجه إلى "نفْس" المصاب بالإحباط واليأس: "لديك طموح وقدرة على إدارة ما نملك، لكن لا نفوذ لديك دون موافقة أخيك، فعليك استرضاؤه، بتحويل طمعك إلى حرص على العائلة وحقوقها، وغضبك إلى قوة لحمايتها". وتوجه إلى "رُوح" المصاب بالضياع والتشتت: "حينما سعيت للسمو، ارتفعت قدماك عن الأرض، فأهملتنا ونسيت أن لنا حقّاً عليك، فليس التعالي بتضييع الحقوق والواجبات، وأخوك "نفس" يحتاج نزاهتك ليرشد، فننجو جميعاً بكما".
كان الوالد يعلم أن "عقل" سيكون الوصي الحقيقي، القادر على حسم صراع الأخوين؛ ليحفظ أهل القصر.
وهو سرّ التكامل الذي أودعه الله فينا، لنحقق التوازن ونضبط جموح رغباتنا، ونزعاتنا نحو التسامي، بتلك الحجة الباطنة "العقل".